بقلم : مؤمن سلام
الثورة هي الخروج من الوضع القائم إلى وضع أخر قد يكون أفضل أو أسوء. بحسب هذا التعريف فإن مصر لم تقم فيها ثورة بعد، فالوضع القائم مازال قائما منذ يوليو 1952 ولم يتغير شيء باستثناء ارتفاع سقف الحريات منذ يناير 2011 وتوجيه ضربة قوية إلى التيار الأصولي في 30 يونيو 2013 ولكنها ليست قاضية. ولعل هذا المنجز الوحيد لانتفاضة 25 يناير وهو ارتفاع سقف الحريات، والذي يسمح للأفراد العلمانيين بالعمل بحرية بعيدا عن التضييق الأمني الذي تعرضوا له على مدار 40 عام في الوقت الذي كان يسمح للتيار الأصولي بالعمل الحر في مساجد وزوايا مصر، هو الأمل في إحداث ثورة حقيقية في مصر.
وليس بالضرورة أن تكون هذه الثورة في شكل مظاهرات واحتجاجات ولكنها ثورة بمعنى هدم الوضع القائم، الذي يصر أن يجعل مصر دولة بلا لون أو طعم أو رائحة. لإقامة وضع جديد يجعل من مصر دولة ديمقراطية حديثة.
هذا السقف المرتفع من الحريات يجب أن يستغله الأفراد العلمانيون في التجمع والتعاون والعمل المشترك من أجل تأسيس تيار علماني حقيقي وقوي بديلا عن ما يسمى بالتيار المدني الحالي والذي انكشفت سوءاته على مدار الثلاث سنوات الماضية وأثبت أداءه في لجنة الخمسين أنه ليس تيار مدني ولكن تيار اقل أصولية ليس أكثر، يكتب أفراده الدستور وعينهم على انتخابات مجلس الشعب وليس على مستقبل مصر.
سيعمل هذا التيار العلماني الحقيقي على التأسيس لمصر الديمقراطية الحديثة عن طريق العمل الجماهيري، بتثقيف وتوعية أفراد الأمة المصرية بثقافة الديمقراطية والحداثة. ثقافة التعايش وقبول الأخر والحوار والتفكير العلمي النقدي، ونشر قيم الحرية والعدل والمساواة والعمل الجاد المنتج، والتأكيد على أفكار العقد الاجتماعي وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية والمواطنة. باختصار العمل على إحداث تغير ثقافي حقيقي في المجتمع سيؤدى بالضرورة إلى تغير سياسي وقانوني في اتجاه الدولة الديمقراطية الحديثة، فالتغيرات السياسية والقانونية لابد أن يسبقها تغيرات ثقافية، ولعل هذا أهم أسباب فشل 25 يناير و 30 يونيو في استكمال أهدافهم، لأنه لم تسبقهما أي تغيرات ثقافية حداثيه ولكن كانت كلها تغيرات في اتجاه الأصولية منذ سبعينات القرن العشرين، وحتى عندما ثورنا ضد الأصولية رأينا الآن من يجهض هذه الثورة ويحاول إعطاء التيار الأصولي قبلة الحياة ليظل يفسد في العقل المصري.
أعتقد أن انتفاضة 25 يناير و30 يونيو وما بينهما من مظاهرات من الممكن أن تتحول إلى ثورة حقيقية بعد 10 سنوات بمعنى هدم الوضع القائم منذ عام 1952 وإقامة نظام ديمقراطي حديث ولكن بشرط بقاء سقف الحريات على ما هو عليه لإنتاج تيار علماني (مدني) حقيقي يكون قادر على إفراز قيادات سياسية وفكرية تكون قادرة على إحداث تغيير جذري فى المجتمع والدولة المصرية وتكون قادرة على قيادة الدولة المصرية نحو الحداثة بدون خوف من تيار أصولي أو حرص على مصالح شخصية تطغى على المصالح العليا للأمة المصرية.
أتمنى أن ينشغل العلمانيين الحقيقيين الآن بالتجميع والتنسيق والتخطيط للعمل المستقبلي والنزول إلى الشارع لنشر الوعي بين أفراد الأمة وعدم الانخراط في معارك الانتخابات القادمة التى غالبا ستمثل مرحلة مؤقتة أيضا، وأن لا يفكروا في العمل السياسي قبل 10 سنوات من الآن.