بقلم: نبيل المقدس
كثيرًا ما ترفع الأنهار صوتها .. لكن مَنْ في العُلي أقدر . وياما نسمع أصوات كثيرة مِن غمار امواج البحر .. لكن الرب في العُلي أقدر. وياما أنهار ترفع عجيجها .. لكن الرب في العُلي أقدر . ونغوص في أعماق مشاكلنا اليومية ونسينا مَنْ في العُلي أقدر. ونعيش في حياة الظلم والظلام لكن الرب في العُلي أقدر . فقد مَلَكَ الرب , ولبس الجلال , ولبس القدرة . فأنت منذ الأزل يا ألله وكرسيك مثبتة منذ القِدم , فلماذا نحن نتزعزع .
طبيعة الإنسان هو التجديد .. فهو يبحث عن الجديد وإن وجده يتمسك به .. لكن عندما يصير الجديد مألوفا يتجه إلي غيره .. لأننا لو توقفنا عند الذى تعودنا عليه سوف نتجمد ونصبح كالتماثيل أي نصبح أناس بلا روح . وليس التجديد او الجديد هو الجري وراء الموضة .. لكن أقصد الجديد في اسلوب التفكير نفسه .. فالبحث عن الجديد في اسلوب السياسة وباقي النواحي التي تخص الإنسان هو جوهر الحضارة الإنسانية .
لذلك بدأ الشعب يبحث عن الجديد في السياسة , فقامت المدعوة ثورة 25 يناير 2011 وكان من الواضح جدا أن السبب هو طيلة فترة حكم مبارك 30 سنة .. لكن يا خسارة فقد كانت تبدو أنها ثورة إخوانجية بعد ما تسللوا بين العمال والشباب وأشركوا أنفسهم معهم في تظاهرات فئوية هم اصلا ليس لهم أي مصلحة فيها إلا التحفيز في إستمرارها, وعضدوها وشددوا من أزرها من وراء الحجاب .. وقامت الثورة واترفع عجيجها .. لكن الرب في العُلي أقدر .. تخوفنا من تنحي مبارك وتسليم القيادة للجيش ومجلسه لحماية مبارك بقتل أولادنا المتظاهرين .. لكن الرب في العُلي أقدر , فرحل مبارك في هدوء متفاديا نزيف دم ربما كانت تحدث بين المتظاهرين المدعمين من الإخوان ضد الأمن والجيش . دخلنا في حسبة بيرما في معارك الإنتخابات وأنقسم الشعب إلي قسمين .. قسم وهو الأغلبية يميل إلي الحياة المدنية وقسم أقلية يميل إلي الحياة الدينية لكن الرب في العُلي أقدر وله مقاصد عجيبة فأهدي المجلس العسكري مصر بحالتها و برئاستها وبمجلسي الأمة والشورى هدية علي طبق من الذهب إلي جماعة الإخوان , وهم لا يعلمون أن الرب في العُلي أقدر , فقد إنكشفت هذه الجماعة الحاكمة علي حقيقتها .. وتسلطت علي مفاصل الدولة بعد استحواذهم علي السلطة لكي تبقي هي علي الدوام مِلكا لهم و جزء من تنظيم دولي يريد تفتيت العالم العربي والخلاص من جيوشها بتفتيت أولا جيش مصر العظيم والعميق تاريخيا .. لكن الرب في العُلي أقدر.
ولأن الرب في العُلي أقدر جعل الشعب يُدرك الطريق الواجب أن يسلكه طبقا لهويتهم وطباعهم , فتمردوا وقاموا بثورة لم تحدث في التاريخ القديم والحديث حتي الآن وصل عدد افرادها إلي فوق الـ 30 مليون , ولأن الرب في العُلي أقدر ابرز قائدا عظيما من الجيش أحب بلده ووطنه .. رجل دولة بالرغم أنه عسكري ووقف هو وجيشه ومعه الأمن وراء هذا الشعب الأصيل فرحلت هذه الحركة الفاشية لأن الرب في العُلي اقدر.
جاء وقت الجد وهو بناء دستور مصري أصيل بدلا من دستور السابق الإخواني . الكل أجمع أولا أن تسقط جميع الأحزاب التي قامت علي خلفيات دينية و أقحمت نفسها بقوة الحركة الفاشية التي اسقطها الشعب يوم 30 – 6 .. وذلك لكي يُولد لنا دستور بِِِِِِكر لم يمسه خطية .. دستور طاهر من صنع جميع المصريين بمختلف انواعهم وطوائفهم .. لكن فشلنا وأنا رأيي أن هذا الدستور سوف يخرج علينا مُشوه .. او سوف يُولد من ذوى الإحتياجات الخاصة . لأن أساس الدستور الذي يُقال عليه دستور ثورة 30 – 6 هو الدستور الفاشي السابق , كفي أن إسمه دستور 2012 المعدل .. وسوف تتباهي هذه الحركة الفاشية بأنهم هم الذين وضعوا اساس دستور 2013. وهذا ما يدور الآن في فكر الناس . لكن أنا واثق أن الرب في العُلي أقدر.
يقولون أن مسودة الدستور المعدل سوف يصدر خلال الأيام القليلة القادمة .. لكن أتصور أنه سوف لا يُولد بلا عيوب فهناك معركة كبري امامنا كمصريين أكثر شراسة وقوة نع الكثير من البنود وسببها السماح بإشراك الأحزاب ذات الخلفية الدينية في لجنة الخمسين .. فالسلفييون أكثر صرامة في التشدد بفكر السلف والقديم , ولا يقبلون الرأي الآخر , وكل همهم هو حُكم البلاد بالشريعة .. وعلي رأي المثل " خدعوك فقالوا أن هناك فروق بين السلفيين والإخوان والحركات الإخري والتي يُطلقون عليها عنوة وبالقوة حركات اسلامية وهي بعيدة كل البعد عن الإسلام الذي عرفه المصرييون .. فهم لا يعترفون بأن مصر وطنا لهم , لذلك نجدهم لا يقفون لتحية العلم الجمهوري ولا يقفون للسلام الجمهوري الذي يُعتبر لكل بلد شرفا وفخرا لها ... بل أعتقد انهم يقفون لصوت بروجي الجهاد فهذا هو سلامهم الجهادي ... لكن الرب في العُلي أقدر . فقد صدر قرار جمهوري بعقاب كل من لا يقف لتحية العلم أو عند سماعه السلام الجمهوري... لكن هل هذا هو الحل أن ننعم بدستور يحفظ مساواة حقوق كل المواطنين مهما تباينت اديانهم وطوائفهم وأنواعهم ؟؟؟ .
نحن كنا نتعشم أن يكون إحد نتائج ثورة 30 – 6 هدم كل أمر يدخل فيه كلمة دين او عقيدة .. كنا نرنو إلي مصر الجديدة التي نادي بها بالأسف الشديد الحكم السابق لكن بطريقتهم وأسلوبهم الخاص والذي يخالف هوية وطبيعة المصري الأصيل. وطالما تم ذكر كلمة دين في الدستور المعدل سوف نسير في محلك سر . سوف لا نتقدم خطوة واحدة إلي الأمام . سوف نفقد أوقاتنا علي الفاضي . الدستور الصحيح والذي يبقي إلي الأبد هو الدستور الذي لا يضع بنوده طبقا لشريعة .. لأن الشريعة أصلا موجودة ومولودة مع الإنسان . الدستور يقوم علي الحب وإحترام الآخر والضمير . ثلاث دعامات هم مثلث الدستور .
علينا عند وضع الدستور ان نضع روح العقيدة ولا نتقيد بالكلمة .. لأن الحرف يقتل أما الروح تُحيي. نحن ننشد إلي دستور لا يتوقف علي كلمة أو حرف ذكرها الله في كتابه بسبب ظروف معينة حدثت في زمانها ... الدستور ساحة واسعة من الحريات التي وهبها الله اصلا في الإنسان... نريد دستورا كفستان المرأة الذي يرتفع إلي منتصف الساق نهارا , وينزل حتي الكعب ليلا. " ولا أقصد هنا حرفية الكلمة بل كمثال ".
سوف لا نقبل دستورا فيه رائحة الدين بل فيه رائحة الضمير والهوية المصرية .. فالدين علاقة خاصة بينك وبين مَنْ تعبده .. أما الضمير فهو علاقة عامة بيننا وبين أبناء الوطن الواحد. نعم قد ارتفعت طلبات السلفيين وتزداد يوما بعد يوم وكتابة ما ينشدونه في الدستور المعدل ... لكن أنا واثق أن الرب شهاداته ثابتة جدا انه في العُلي أقــــدر ..!