بقلم : مؤمن سلام
كنت أجلس مع أحد المستأجرين لإحدى الشقق بعمارتنا والذي جاء لدفع الإيجار وبما أن الإيجار الشهري لا يتعدى ثمن علبة سجاير مصري فالرجل يأتي إلينا مرة كل عام ليدفع الإيجار السنوي، وهو أيضا اقل من ثمن القميص الذي يلبسه وأقل من نصف ثمن أحد إطارات سياراته. كل هذا ليس مهم، المهم أن السيد الفني بشركة البترول، هو من قطيع الإخوان المطالبين بتطبيق الشريعة الرافعين للراية الصفراء ذات الأربع أصابع. بعد جدل طويل يرفع الضغط ويضيع الوقت، طالبته بتطبيق الشريعة على نفسه أولا بأن يترك لنا الشقة التى يسكن فيها لأن هذا عقد إيجار وليس عقد تمليك، وأن هناك فتوى شرعية من الأزهر ومن المفتى الأسبق نصر فريد واصل أن هذه العقود باطلة ومخالفة للشريعة. فانقلب الرجل الأصولي الربعاوي الإخواني ذو اللحية إلى علماني برجماتى شيوعي، متحدثا عن القانون والعرف وحقوق الفقراء متناسيا الشريعة والفقه والفقهاء وقال الله وقال الرسول.
هنا وجدت العبارة الشهيرة "المصري متدين بطبعة" تمر في رأسي، متسائلا هل فعلا المصري متدين بطبعة؟ كلنا نردد هذه الكلمة ولكن لم يختبرها أحدا منا، لم يدرسها أحد ليتبن مدى صدق هذه العبارة وهل لها صدى في الواقع العملي أم لا؟
الحقيقة من يراقب حياة المصريين سيجد أن المصريين ليس لهم أدنى علاقة بالتدين من قريب أو بعيد باستثناء أداء الطقوس الظاهرية التى قد تستخدم أداة للنصب، فمازال الشخص ذو الظاهر الديني قادر على خداع الناس ولعل أكبر عملية نصب قام بها مدعى التدين هو نصب التيار الأصولي على المصريين حتى وصلوا إلى كرسي الحكم ليقوموا بنهب ثروات مصر وبيعها بالقطعة للأهل والعشيرة في الدول المجاورة وغير المجاورة.
هذا الشعب المتدين بطبعة هو نفسه من لا ينجز أعمال المواطنين إلا إذا قبض المعلوم وربما أوقف العمل لأداء صلاة الظهر ثم يعود ليفتح الدرج مرة أخرى لتلقى الرشاوى. وهو من يذهب إلى العمل ليكمل نومه لأنه لم ينم جيدا لأنه كان يشاهد أحد الأفلام حتى الرابعة صباحا. وهو نفسه الذي يدخل إلى رئيسة في العمل ليشي بزميل له (يديلة زمبة كما نقول) لمجرد انه لا يحبه. وهو نفسه الذي يتحرش بالبنات في الشارع والحجة جاهزة أنها غير محجبه أو أن حجابها لا يليق فهو يجاهد من أجل أن تتحشم، لينضم جهاد التحرش إلي الأنواع الأخرى من الجهاد. وهذا المتدين بطبعة هو من يكسر إشارة المرور ويسير عكس الاتجاه، رغم أن القرآن يصدح من داخل سياراته ليسمع العالم كله أنه مسلم متدين. وهو من يلقي الزبالة في الشارع، ويتبول بجوار الحائط، ولا يحترم النظام ويعتبر انه من الشطارة أن لا يلتزم بالطابور، وهو من يستعمل الوساطة، وهو الجاهز دائما لسب وضرب كل من يخالفه أو يتصرف بطريقة لا تعجبه. والقائمة تطول لتشمل كل تفاصيل حياتنا التى لا تمت إلى أي تدين أو أخلاق أو سلوك حضاري.
فالمصري إن كان متدين بطبعة، فهو تدين بما لا يخالف مصالحة الشخصية.