أشرف عبد القادر
نشرت صحيفة"الجارديان"البريطانية مقالاً هاماً للكاتب الكبير نعوم تشومسكي بعنوان"من يقف خلف ما جرى في مصر"،سمى فيه تشومسكي ما حدث في 30 يونية بـ"الإنقلاب" فقال:"من الذي دبر الإنقلاب العسكري ومن الذي أراد له أن يرتدي ثوب الثورة... والإجابة على هذا السؤال لا تأتي إلا بسؤال آخر...من المستفيد الأكبر من الإنقلاب العسكري؟".
ما يحيرني من كاتب المقال ومن دول الاتحاد الأوربي وأمريكا عدم فهمهم لما حدث ويحدث في مصر، وترديدهم الدائم بأن مرسي هو الرئيس الشرعي المنتخب،وأن الخروج عليه هو خروج على الشرعية،وأسألهم ألم يكن مبارك رئيساً شرعياً منتخب وكان الخروج عليه خروجأ على الشرعية،،وخرج الشعب عليه في 25 يناير وأطاح به وبحكمة ووضعه في السجن.
لماذا لم تسموا خروج الشعب على مبارك خروجاً على الشرعية كما تقولون عن مرسي؟فالشعب الذي خرج على مبارك هو نفسه الذي خرج على مرسي في 30 يونيه.فأي شرعية تقصدون؟الشرعية كما أعرفها هي شرعية الشعب، لأنه هو الذي يعطي هذه الشرعية،وهو الذي يسحبها إذا ما أضرت بالبلاد و بالعباد.
يبين تشومسكي في مقاله أن كل ما حدث منذ 25 يناير منذ الإطاحة بمبارك،وحتى 30 يونية منذ الإطاحة بمرسي وحتى الآن من تدبير الجيش،وأن كل ما حدث كان تمثيلية فقال:"فكرة الانقلاب العسكرى مطروحة على مائدة العسكر من قبل ان يلقي عمر سليمان خطاب تخلي مبارك عن السلطه .. ولكن هل سنسير في التنفيذ ام ننتظر ونرى..وللأسف الشديد لم ينتظر العسكر كثيراً وما تركوا السلطة إلا لينتزعوها مرة أخرى".
أسأل تشومسكي:هل الجيش هو من أمر ملايين الشعب المصري بالنزول للشارع ضد حكم مبارك في 25 يناير،حتى تنحية في 11 فبراير؟وهل الجيش هو الذي أمر ملايين المصريين في 30 يونيه بان ينزولوا للشارع لعزل مرسي؟فلماذا تسمي ما حدث إنقلاب ولا تسميه استجابة لنداء الشعب؟
لقد نزل الجيش، استجابة لنداء ملايين المصريين، لعزل مرسي لأنه وجد أن البلد تسير "للخلف دور"،ووجد أن مصر والمصريين في خطر،ورأي أن مصر تسير نحو حرب أهلية وشيكة لا محالة،ولقد نصح الفريق أول عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية مرسي،بأن يحاول إمتصاص غضب الشعب،وأن يحل حكومة هشام قنديل،وأن يعمل استفتاء على بقاءه في الحكم،وأن يعجل بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، فلم يوافق على كل ذلك، لأن مرسي و جماعته(الإخوان المسلمين) مصابون بمرض العناد العصابي.
ولقد صرح الفريق أول عبد الفتاح السيسي،بما يملك من مصادر أمنية مطلعة، في حواره مع جريدة "المصري اليوم" بأنه:"لو بقى مرسي في الحكم شهرين آخرين لتحولت مصر إلى سوريا". من أجل ذلك عجل بنزول الجيش وعزل مرسي ،حقنا لدماء المصريين،كما سبق وخلع مبارك من أجل مصلحة مصر العليا أيضاً لا رغبة في الحكم.
لماذا تصر أمريكا ودول الاتحاد الأوربي والسيد تشومسكي على عودة المعزول؟
تعلم يا سيد نعوم ـ ربما أكثر مني ـ مشروع الإخوان المسلمين الظلامي والدموي بإمتياز، مشروع يستمد برنامجه من فقه القرون الوسطى،فقه العقوبات البدنية،حيث ترجم الزانية،وتقطع يد السارق،وتقطع رقبة المرتد عن دينه...فقه لا مكان للمرأة(التي هي نصف المجتمع)فيه،بل ويفرض عليها الحجاب فرضاً،ومن تسيء إرتداءه تجلد 75 جلدة كما تفعل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وستحبس المراة في المنزل ولن تخروج للعمل،فالمرأة عندهم وسيلة للإنجاب وللذة الجنسية والطبخ لا أكثر،محرم عليها قيادة السيارة،والتعامل مع الإنترنت إلا بمحرم،ولا يحق لها استخراج جواز سفر بدون إذن ولي أمرها،أبوها أو زوجها،فهي قاصرة أبدية،،يقولون أن للمرأة خرجتين:واحدة من بيت أبيها إلى بيت زوجها،والثانية من بيت زوجها إلى القبر!
أما الآخر المغاير(اليهود والمسيحيين)فهم مواطنون من الدرجة الثانية في أحسن الأحوال،وسيعاملون كـ"أهل ذمة"،أي يدفعوا الجزية للمسلمين عن يد وهم ضاغرين،وهم يكفرون كل ما هو ليس إسلامي،فالحداثة كفر،وحرية المعتقد كفر،وحقوق الإنسان كفر،والديمقراطية كفر(حتى وإن تبنوها للوصول إلى السلطة فستكون مرة واحدة ولن تتكرر) وأدعو تشومسكي لقراءة كتاب ابن تيمية:"اقتضاء الصراط المستقيم،مخالفة أصحاب الجحيم"،وأهل الجحيم كما يعرفهم ابن تيمية هم اليهود والمسيحيين،هذا الكتاب يعتبر المرجع الأول للإخوان المسلمين وكل الجماعات الإسلامية ا|لأخرى التي انبثقت عنها.
ناهيك عن تحريم كل انواع الحريات والإبداع: الأدب،والفنون،والرسم،والنحت،والغناء،والتمثيل،والسينما،والمسرح والموسيقى،فهل تتخيل يا سيد تشومسكي مصر الحضارة والتاريخ والمدنية،مع حكم د.مرسي وجماعته في القرن الـ21 تحرّم كل ذلك،فهل هذا ما تريدونه لنا ولمصر بعودة مرسي وجماعته للحكم؟!
من المستفيد من الإنقلاب العسكري؟
يسأل الأستاذ نعوم.المستفيد من عزل مرسي وجماعته هي مصر والمصريين،فمصر الآن في طريقها الصحيح،رغم حالة عدم الإستقرار التي تمر بها الآن،خاصة بعد التخلص من كابوس الإخوان المسلمين ومشروعهم الظلامي،أتفق معك يا سيد تشومسكي أن للجيش مكاسب اقتصادية يحرص عليها ولا يريد تضييعها أو التفريط فيها،لكن أنت تعلم جيداً أن مرسي أعطى الجيش مميزات أكثر مما كان يعطيها لهم مبارك،وبرغم ذلك انضموا للشعب وخرجوا على حكم مرسي وجماعته،فالمصريين يشعرون بأن الجيش أعاد مصر للمصريين بعد أن اختطفها الإخوان باسم الدين.
ومن غير الجيش يا سيد تشومسكي يستطيع مواجهة جماعة إرهابية تُعتبر دولة داخل الدولة،لها ميليشياتها وأسلحتها وذخيرتها،وانظر حال إيران،فالشعب الإيراني ساخط على نظام الملالي ويتمنى الخلاص منه اليوم قبل غدا،لكن لا يستطيع إزاحتهم وحده،لأنه لا يملك القوة الكافية للوقوف في وجه نظام دموي فاشي،فالفارق بين مصر وإيران،أنه في إيران الجيش منضم للنظام الفاشي الدموي،أما في مصر فالجيش منحاز دائماً للشعب ويراعي مصلحة بلده العليا.
إن ما حدث في 30 يونيه ثورة وليس انقلاباً،أوبتعبير أدق، كان ثورة تصحيح لثورة 25 يناير،فلقد شعر الشعب المصري أنه أساء الإختيار بانتخاب د.مرسي(على الرغم من أن هناك علامات أستفهام كثيرة عن كيفية وصول مرسي للحكم،وهناك أدلة كثيرة رصدها مركز ابن خلدون برئاسة د.سعد الدين إبراهيم،تثبت فوز الفريق شفيق،لكن لأسباب أمنية، أنت تعرفها جيداً، تم إعلان فوز مرسي بالرئاسة)،فأراد تصحيح خطأة بثورة 30 يونية بعد أن ظهر جلياً ،خلال عام، مدى فشل مرسي وجماعته عن حكم وإدارة دولة بحجم مصر،فانقلب الشعب عليهم بعد أن كان مؤيداً لهم متعاطف معهم،وبعد أن عرف انهم تجار دين،يخلطون الدين بالسياسة من أجل الوصول لكرسي الحكم، وبعدها العصا لمن عصى.
كان الأولى بك يا سيد تشومسكي ـ وأنت من انت ـ بدلاً من أن تراهن على عودة مرسي،أن تنظر للأمور نظرة أخرى،وتعترف بأن 30 يونية كانت إرادة شعب (فقد خرج حوالي 33 مليون مصري) انضم إليهم الجيش،فكيف سيعود مرسي؟،حتى لو افترضنا صحة توقعاتك، فسيكون رئيساً معزولاً عن كل مؤسسات الدولة،لأنها جميعاً ضده هو وجماعته،فالجيش،والداخلية،والقضاء،والإعلام وغالبية الشعب المصري ضده،فكيف يمكن أن يسيّر الدولة وكل هذه المؤسسات ضده؟!
مصر تبحث عن رئيسها القادم بطريقة ديمقراطية،صحيح أننا مازلنا نحبو نحو الديمقراطية،وكنا ننتظر منكم مساعدتنا للتقدم بخطى أسرع نحو الديمقراطية،بأن تساعدونا للقضاء على الفقر والجهل،التي لا تتوافق معهما الديمقراطية،لكنكم تخاذلتم و اتخذتم موقفاً مضاداً لإرادة الشعب المصري، وسميتم ثورته على الظلاميين الدمويين بالإنقلاب،وتحاولون إعادتهم للحكم مرة أخرى ،وزدتم الطين بلة بالضغط على الحكومة والجيش بتخفيضكم للمعونة لتجويع وتركيع الشعب المصري أكثر وأكثر، وتسليمه فريسه سهلة للإخوان، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن،وسنستغنى عن معونتكم،والتاريخ لن ينسى موقفكم المتناقض من شعب مصر،إذ كيف تدينون الإرهاب المتأسلم في العالم،وتساندونة في مصر؟!.
ستبقى مصر دولة مدنية ولن تتحول إلى دولة دينية،وسيبقى الإخوان لون سياسي من ألوان الخريطة السياسية المصرية،لكن لن يحصلوا على الأغلبية مرة أخرى،ولن يصلوا للحكم ثانية،ولن يعود مرسي للحكم،قد تتم صفقة كما ذكرت في مقالك،لأنه لابد من حل سياسي للخروج من دوامة العنف الإخواني،فأحد مكاسبنا يا سيد نعوم من ثورة 25 يناير و30 يونية هي ان الشعب المصري كسر حاجز الخوف من حاكمه،وعرف أنه هو السيد الحقيقي،حتى لو تمت صفقة كما ذكرت،فلن يعود مرسي للحكم لأن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء,
ashraff3@hotmail.fr