الأقباط متحدون - الوراق واسترداد وطن
أخر تحديث ٠٥:٠٨ | الاثنين ٢٨ اكتوبر ٢٠١٣ | بابه ١٧٣٠ ش١٨ | العدد ٣٢٩٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

الوراق واسترداد وطن

 ما حدث بالوراق لم يكن منقطع الصلة بارتباكات المشهد وصراعاته، ولا أظنه السطر الأخير في رواية لم تكتمل، فنحن أمام طرف يعاني من صدمة سقوط مدو لم يتحسب له، بعد أن استغرقته نشوة نجاح مباغت قبض فيها على مقاليد الحكم، أنتجتها حسابات وتحالفات وصفقات لم تتكشف تفاصيلها بعد، وبنفس سرعة الصعود كانت سرعة السقوط من أعلى، فكان أن استحضر مخزونه التاريخي من الخبرة الإرهابية التي يدركها كل من اقترب من أدبيات مؤسس تنظيمه وكوادره ومن انشق عنهم ومن تخصص في دراسته.

 
ما حدث في الوراق كان كاشفا لاختلالات ما زالت تحكم رد الفعل الحكومي، ومفاهيم لم تستطع الثورة أن تغيرها، فكان الحديث عن "الإخوة الأقباط" وليس عن "مواطنين مصريين مسيحيين" وكان تقديم العزاء للكنيسة وليس للشعب المصري المستهدف الحقيقي من هذا العمل الإجرامي.
 
ما حدث في الوراق قد يكون كاشفا لانقطاع الصلة بين أجهزة المعلومات داخل وزارة الداخلية وبين الإدارات التي تبني عملها عليها، وقد يكون كاشفا لتقاعس أجهزة المعلومات في سياق يفرض توقعها لمثل هذه الأعمال الإجرامية، خاصة مع توفر تسجيلات صادرة عن هذه الجماعات الإرهابية تؤكد أن المرحلة التي أعقبت فض اعتصامي رابعة والنهضة ستشهد موجة ممتدة من الجرائم الإرهابية المستهدفة للأقباط تحديدا، ضمن خطة إنهاك الدولة حتى تسقط.
 
ما حدث في الوراق كان تصعيدا انتقل من استهداف الحجر إلى استهداف البشر بعد أن جاء رد الفعل القبطي مغايرا لتخطيط الإرهابيين الذين اعتدوا- هدما ونهبا وتخريبا- على عشرات الكنائس والمنشآت المسيحية الخدمية المجتمعية عشية فض اعتصاماتهم برابعة والنهضة في توقيت واحد، وكان الإجماع القبطي يؤكد أنه إذا كان هدم ونهب وتخريب الكنائس ثمنا لحرية الوطن فنحن نتقبل تكلفته برضا، فظن الإرهابيون أن استهداف البشر سيكون أكثر إيلاما وسيفجر غضب الأقباط ليتجهوا إلى الصراخ والتصعيد واللجوء للقضاء الدولي والعالمي فيتحقق حلم الإرهابيين بسقوط الثورة وعودة الظلاميون للحكم، فإذا برد الفعل القبطي يتجاوز توقعاتهم ويحبطها وتبادر بالكنيسة بإعلان أنها عاكفة على الصلاة من أجل أن يفتح الله عيون مرتكبي العمل الإجرامي ومحرضيهم فيستردون مصريتهم التي داسوا عليها وفقدوها وإنسانيتهم التي نزعوها تحت تأثير سيطرة الفكر الإرهابي، في ترجمة ليقينها الإيماني بتعليم السيد المسيح "أما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لأعنيكم إحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم (متى  5 :  44). ربما لهذا أتصور أن الصراع الحقيقي معهم هو صراع ثقافي وحضاري بامتياز، ودرس التاريخ يؤكد أن الانتصار في النهاية سيكون من نصيب المنحازون للإنسان ومنظومة قيم الرقي التي تحتشد بها الحضارة المصرية.
 
لكن يبقى أننا بحاجة إلى إدارة المشهد بشكل مختلف عن السائد، ولم يعد من المقبول أن تكون سرعة الشارع أكبر من سرعة الإدارة، التي تعاني من التباطؤ الشديد المتحسب لردود الأفعال في الداخل والخارج بشكل لا يتسق مع اللحظة الثورية التي تفرض نمطا مختلفا لحسابات متجاوزة التناول التقليدي المتوارث، هل هو تباطؤ يحكمه الفرق الجيلي والافتقار للروح الثورية، وعدم استيعاب المتغيرات التي فرضتها حركة الجماهير الهادرة في 30 يونيو، أم هو عدم ثقة في قدرتنا على التحدي وتفعيل إمكانات الشارع والتخلص من شبح التدخل الخارجي، أم الاستكانة للاعتماد على المعونات القابضة على الحركة الوطنية؟ ألا يستدعي هذا بعث روح المقاومة وإعادة الاعتبار لثقافة العمل والإنتاج المخرج الوحيد من نفق التبعية؟ أسئلة أتمنى أن تجد مكانا على طاولة الحكومة.
 
وبعيدا عن خبرة المتنفذين المحكومة بتوازنات مترددة، علينا أن نتوقع قيام الطرف المقاوم للثورة وحراك التصحيح بالوقيعة بين الأقباط وقواته المسلحة، بعد أن تهاوت محاولات استثارتهم بهجومي الحجر والبشر، بالترويج لتقاعس القوات المسلحة عن ترميم الكنائس حتى الآن، وهي محاولة غير بعيدة لاختراق جدار الثقة العتيد الذي يجمع الشعب بجيشه، لكنها حيلة العاجز، ونحن مطالبون بسد الثغرات أينما كانت بخطوات استباقية فاعلة، وبعيدا عن المواجهة بالتمنيات أطرح أن تبادر القوات المسلحة بما عرف عنها من انضباط وحسم أن تفتح حسابا قوميا خاصا بترميم، وإعادة بناء الكنائس في جميع البنوك المصرية بالداخل وفروعها بالخارج يتلقى مساهمات كل المصريين بكل أطيافهم ومعتقداتهم ومذاهبهم، على أن تقوم القوات المسلحة باستخراج التصاريح الحكومية اللازمة للشروع في الترميم وإعادة البناء تحت إشرافها كما فعلت في كنيسة صول بمركز أطفيح قبلاً، وأقترح أن يكون رقم الحساب 20 ـ 10 ـ 20 ـ 13 تاريخ الاعتداء الغاشم على مصريين بسطاء أغتال الظلاميون فرحتهم.
 
بهذا نعيد روح التكاتف والتكافل إلى الشارع المصري مجددا، ونغلق الطريق على سعي الوقيعة، ونعيد التواصل بين الشعب وبعضه وبينه وبين جيشه العظيم، وتكون الكنائس المجددة شاهدة على انتصار الإرادة المصرية ورفضها لفكر الإقصاء والاستعلاء وتأكيد التعدد والتنوع في وطن يتميز بها في صحراء التطرف والإقصاء.
 
ونواصل معا مسيرة استرداد وطن بكل تكلفتها ونضعه على طريق التنوير والتقدم كما يحق له، ونتواصل مع حضارة آن أوان استردادها واستكمالها حتى لا يديننا أولادنا وأحفادنا.
نقلا عن البوابة نيوز

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع