الأقباط متحدون - «الأراجوز» لم يكن يوماً خنجراً فى ظهر الوطن
أخر تحديث ٠٠:٤٧ | الخميس ٣١ اكتوبر ٢٠١٣ | بابه ١٧٣٠ ش ٢١ | العدد ٣٢٩٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

«الأراجوز» لم يكن يوماً خنجراً فى ظهر الوطن

الأراجوز
الأراجوز
ظل «الأراجوز» فى الثقافة المصرية سلاحا وطنيا من أجل كشف الكذب والانتصار للناس فى مواجهة السلطة، هذه حقيقة أبدأ بها قبل أن أتابع لأبين منذ البداية أن دور الأراجوز لم يكن يوما مهانا فى عقول المصريين، حتى لو كان مصدر ضحكهم، وكان دائماً محل حبهم حتى وهو يكشف لهم عيوبهم، لأنه فى المقابل كان دوما جزءا منهم ولم ينفصل عنهم.
 
طالعنا كثيرا خلال الأيام الأخيرة تعبير الأراجوز، استخدمه البعض فى سبيل الهجوم على باسم يوسف فى إطار التهوين منه والتقليل من قدره، واستخدمه هو شخصيا فى وصف نفسه فى إطار حماية نفسه فى مواجهة النقد أو الهجوم، وكان لسان حاله أنه لا أحد «ياخد على كلام الأراجوز»، واليوم أكتب عن الأراجوز لأنه مظلوم لدى الطرفين من أراد استخدامه للتقليل والإهانة ومن أراد الاحتماء به باعتباره هزلا لا يستحق المحاسبة.
 
قدم علماء الحملة الفرنسية وصفاً له فى كتاب وصف مصر، فجاء وصفهم له كما هو الآن فى مصر «وقد شاهدنا فى شوارع القاهرة عدة مرات رجالاً يلعبون الدمى، فيلقى هذا العرض الصغير إقبالاً كبيراً والمسرح الذى يستخدم لذلك بالغ الصغر يستطيع شخص واحد حمله بسهولة، ويقف الممثل فى المربع الخشبى الذى يمده بطريقة تمكنه من رؤية المتفرجين من خلال فتحات صنعت لهذا الغرض دون أن يراه أحد ويمرر عرائسه عن طريق فتحات أخرى».
 
الأراجوز لم يكن مجرد وسيلة للتسلية والمرح، لكنه كان منبرا مباشرا لنقد الأوضاع الاجتماعية وعرض أهم القضايا التى تدور فى بال الناس فى ذلك الوقت، كان المصرى يجد حياته اليومية متجسدة فى عرض كوميدى ظريف أبطاله عرائس خشبية، مما كان يهون عليه معاناته، وأيضا يساعده على تقبل مواجهة أخطائه عن طريق نقدها بشكل لطيف. ومن ثم فهو جزء أصيل من التراث الثقافى المصرى، الذى استمر على مدار عقود يحمل رسالة رفض ونقد المجتمع وأشكال السلطة السائدة داخله.
 
ساهم الأراجوز، على مدار عقود، فى خلق ثقافة الاعتراض، إذ ينهى الأراجوز عروضه بضرب خصومه وطردهم من المجتمع بكلمه (اطلع بره)، التى تكون آخر ما ينطق به فى عروضه، فهو يميل إلى إقصاء العناصر الفاسدة وطردهم من المجتمع، ومن ثم كان الأراجوز أحد أهم مكونات الوعى الجمعى للمصريين، فالأراجوز يبحث عن التغير نحو الأفضل، كذلك يحث الآخرين على التغير بشكل سلمى من خلال إقصاء العناصر الفاسدة.
 
اختلفت الآراء حول أصل كلمة أراجوز، فهناك رأى يُرجع كلمة أراجوز إلى اللغة الفرعونية «أورو جوز»، أى صانع الحكايات، وآخر يرجعها إلى كلمة «القرة قوز» باللغة التركية، التى تعنى العين السوداء، وآخرون يقولون إنها تحريف لقراقوش نسبة إلى بهاء الدين قراقوش، أحد حكام مصر فى العهد العثمانى، واخترع المصريون شخصية الأراجوز ليعبروا من خلالها عن موقفهم من قراقوش، وسواء كان أى من هذه التفسيرات صحيحاً أو غير دقيق تظل قيمته حاضرة فى حياة المصريين بشكل إيجابى.
 
يقدم الأراجوز عروضه من خلال دمى القفاز الشعبية، التى يصل عددها إلى قرابة ١٤ دمية مختلفة فى شكلها، أشهرها دمية الأراجوز الشخصية الرئيسية فى جميع العروض، يقدم العرض فنان (محرك عرائس) لا يراه الجمهور يعتمد على عدد محدد من العرائس، ويشاركه العرض مساعد يسمى (ملاغى)، يقف أمام الجمهور وعليه تقع مسؤولية العزف والحوار مع الدمى وإشراك الجمهور، ويؤدى العرض مباشرة دون تسجيل، معتمدا على محفوظات الفنان المؤدى. للأراجوز صوت مميز بفعل آلة يضعها فى سقف الفم لها اسم غريب تسمى به هو «الأمانة»، وهى تسمية يمكن أن نلبسها نحن دلالة، دوره أمانة والتزامه بناءه أمانة، وحفاظه على قيم مجتمعه أمانة، حتى وهو يوجه النقد القاسى له.
 
الأراجوز لم يكن يوما إلا سلاحا فى يد الناس، ولم يكن يوما خنجرا فى ظهورهم، رسم لهم حلمهم من خلال نقده سلبياتهم، وواجه معهم بطش حكامهم وسخر منهم، كان يفعل كل هذا ولم يتجاوز فى اللفظ ولم يسئ الأدب، ولم يكن استخدام الإيحاءات الجنسية والنكات المتجاوزة أدبا وأخلاقا أسلوب الأراجوز. احترم قيم المجتمع وأحلام الناس.
 
كم من حكايات تروى عن رد فعل الناس- الذى نسميه بلغة العصر الرأى العام- إذا ما تجاوز الأراجوز لفظا أو استهان بأحلام الناس أو تحدى التوجه العام والمزاج العام للناس، كان رد الفعل يتلخص فى لفظهم للأراجوز أو ضربه أو طرده. هذا نصيب من يتحدى ثقافة وأحلام الجموع.
 
أظن من يريد أن يكون أراجوزا بحق فعليه أن يراجع نفسه حتى لا يكون منبوذا ومحظورا، لأنه تحدى إرادة الناس وأهان أحلامهم.

نقلا عن المصري اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع