السبت ٢ نوفمبر ٢٠١٣ -
٠٩:
٠٩ ص +02:00 EET
مؤمن سلام
من الأمراض الثقافية التى تعانى منها الأمة المصرية هي اعتقاد كل شخص انه يمتلك الحقيقة المطلقة وأن كل من يحمل هذه الحقيقة المطلقة هو شخص مثالي لا يخطأ يقترب إلى درجة الملائكة، وإذا كان زعيم لهذه المجموعة أو تلك ومات موته طبيعية، فلابد من تغيير هذا فكيف لا يموت الزعيم البطل بطريقة دراماتيكية بطولية؟ فتنسج الأساطير وتؤلف الروايات لإثبات أن الزعيم البطل قد مات مقتولا نتيجة مؤامرة، فهو الزعيم حيا والشهيد ميتا.
على مستوى الأديان يرى المسلم أن المسلم شخص مثالي لا يخطأ، والمسيحي يرى أن المسيحي وحيد عصره، والملحد يرى أن الملحد لا يوجد في عبقريته من أتباع أي دين. وفى داخل الدين الواحد تجد التكفير بين أصحاب المذاهب والطوائف كل منهم يدعى أنه يمثل الدين الصحيح ومن لا يتبع تفسيره للدين فهو من المارقين.
وهذا يسري على الانتماءات السياسية أيضا، رغم أن السياسة يجب أن تكون الراعي الرسمي للنسبية والبراجماتيه لكن لأن الأمة المصرية قادرة على كل شيء فقد انتقل المطلق من العقائد إلى السياسة. فالناصري يرى في عبد الناصر ملاك يرفرف بجناحيه، والساداتى يرى أن الزمان لم يجد بمثل السادات، والمباركي يرى مبارك أعجوبة زمانه. وربما التمصير الوحيد الذي تم إدخاله على الأيديولوجيات العالمية هو تحويلها إلى ما يشبه العقيدة المطلقة. فالليبرالي يرى في الأفكار اليسارية رمز للجهل والتخلف والعيش في العصور الوسطي وعدم مواكبة التطور وان الليبرالية كلها خير، واليساري يري في الليبرالية الطريق إلى الجحيم ومص دماء الفقراء وان الاشتراكية أو الشيوعية هي الطريق إلى الجنة الأرضية حيث المساواة بين جميع البشر. لن أتحدث عن الأيديولوجية الاسلاموية فهي خلاصة الدوجماطيقية.
من الغريب أيضا أن هذه الأمة "المتدينة بطبعها" تحث كل معتقداتها على النسبية ورفض التعصب الديني والفكري، ولكن كالعادة لا يتعدى التدين المصري حدود الطقوس الظاهرية والممارسات الاستعراضية لإثبات أن الشخص تقي ويستعد لدخول الجنة دون إعمال للعقل والغوص في جوهر الدين والاكتفاء بإتباع رجال الدين إتباع أعمى، كسلا وخوفا من التفكير.
ففي الإسلام، يقول القرآن "وفوق كل ذي علم عليم" ويقول أيضا "وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ"، ويقول أيضا "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ". وتنص القاعدة الأصولية فيما يتعلق بإباحة المحظورات للضرورة "والضرورة تقدر بقدرها" فضرورة كل شخص تختلف عن الأخر. ويقول الإمام الشافعي "رأي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" ويقول الإمام مالك " كُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَرُدُّ إِلَّا صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ" وأشار إلى قبر النبي، ولابد أن نشير هنا إلا أن مالا يُرد هو ما يثبت بصورة قطعية أن الرسول قد قاله بالفعل فكم من كاذب يردد قال رسول الله. ورغم كل هذه النصوص الدينية مازال المسلمون يقعون في التعصب والتطرف وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة.
أما في المسيحية، يقول الكتاب المقدس على لسان بولس الرسول "لا يزدر من يأكل بمن لا يأكل، ولا يدين من لا يأكل من يأكل لأن الله قبله" ويقول أيضا، "كل الأشياء تحل لي، ولكن ليس كل الأشياء توافق. كل الأشياء تحل لي ولكن ليس كل الأشياء تبنى" يقول القديس الأنبا أشعياء "لكي تتحفظ فلا تزدرى بإنسان. أبطل معرفتك وأقطع هواك. فان من وثق بمعرفته وتمسك بهواة لا يستطيع أن يفلت من أيدي الشياطين ولن يبصر نقائصه ولن يجد راحة".
وهكذا إذاً مرة أخرى، يثبت الشعب المصري أن لا علاقة له بالتدين إلا من حيث الشكل والطقوس الخارجية، أما من حيث الجوهر فلا علاقة له بالتدين من قريب أو بعيد. فرغم أن كل معتقدات المصريين سواء كانت دينية أو لا دينية تعترف بنسبية الحقيقة وتقبل الرأي المخالف والتسامح والتعايش معه، مازالت الأمة المصرية تغرق في بحر التعصب وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة.