الأقباط متحدون - تجديد الخطاب الديني في الكنيسة القبطية في الأرثوذكسية
أخر تحديث ١٣:٢٢ | السبت ٢ نوفمبر ٢٠١٣ | بابه ١٧٣٠ ش ٢٣ | العدد ٣٣٠٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

تجديد الخطاب الديني في الكنيسة القبطية في الأرثوذكسية

بقلم: ماجد كامل
شغلت قضية تجديد الخطاب الديني اهتمام العديد من الباحثين والدراسين ؛نظرا لظهور منهج متشدد يدعو إلي الكراهية ورفض الآخر ؛ الأمر الذي يتعارض مع المحبة والتسامح التي دعت إليها جميع الأديان ؛ وفي نطاق الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ؛حاول العديد من الآباء والمعلمين غرس منهج تعليم إنساني حضاري يقوم علي المحبة والتعاون ونبذ العنف ؛ ولعل من أشهر المعلمين الذين قاموا بهذا الجهد الرائع الأستاذ حبيب جرجس( 1876- 1951 ) والذي أعتمدته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مؤخرا ضمن عداد القديسين المعاصرين ؛ فلقد كتب كتابا هاما بعنوان " الوسائل العملية للإصلاحات القبطية .آمال وأحلام يمكن تحقيقها في عشرة أعوام " وفي هذا الكتاب دعا إلي قيام جمعية لدوام اتحاد العنصرين ؛ فبعد أن أشاد بالاتحاد العجيب المتين الذي ظهر بين عنصري الأمة في ثورة 19 ؛ وكيف كان الشعار الخالد "عاش الهلال مع الصليب " هو الرمز لهذا الاتحاد ؛ أخذ يعدد الروابط المشتركة التي تربط بين المسلمين والأقباط والتي حددها في ثلاث خصائص أساسية هي :- 
1- الرابطة الجسدية رابطة الدم ؛ فجمعينا أبناء أب واحد وأم واحدة ؛ ودماؤهم جميعا واحدة 
2- الرابطة اللغوية إذ كلهم يتكلمون لغة واحدة 
3- رابطة المصلحة فإن مصلحة المسلمين والأقباط واحدة وغايتهم لمجد وطنهم واحدة 
ومن أجل تدعيم أواصر الود والمحبة بين المسلمين والأقباط ؛ دعا سيادته إلي مراعاة الأهداف التالية :- 
1- أن تذكر هذه الحقائق من وقت لآخر في خطابات الأب البطريرك 
2- يجب علي الكهنة والوعاظ أن ينادوا بها فوق منابر الكنائس 
3- بث هذه الروح الطيبة في المدارس ؛ليكون الطلبة مسلمين وأقباطا إخوة متحابين 
4- بثها أيضا في جميع المعاملات في الخارج ؛وفي مصالح الحكومة والمتاجر والمصانع 
5- تمكينه بواسطة الزيارت الزيارت الدائمة المتواصلة المتكررة ؛كما كان منذ القديم بين الأسر والافراد ؛وخصوصا بين رؤساء الدين ؛كما يفعلون في الأعياد ؛والمشاركة في الأفراح والأحزان 
6- حبذا لو قابلت مشيخة الأزهر هذه الملاحظات بمثلها 
7- وجوب تأليف لجنة ؛من شأنها الدفاع الدائم ؛عن هذه الوحدة وعمل كل الوسائل لتقويتها ؛وتؤلف اللجنة من أعضاء من القبط والمسلمين علي السواء 
 
ولقد أسس الأستاذ حبيب جرجس "مدارس الأحد " لتعليم الأطفال المباديء الدينية وتعاليم الكنيسة ؛ وصاغها في ستة أهداف محددة ؛ وجاء الهدف الخامس منها في الحث علي حب الوطن والولاء له ؛وقال فيه ( بث الروح القومية وتعويدهم علي خدمة شعبهم وتأصيل حب الوطن والولاء له ) .
 
كما تميز الأستاذ حبيب جرجس بموهبة كتابة الشعر ؛ وكتب العديد من الأشعار التي تغرس في الأطفال حب الوطن نذكر منها :- 
 
بارك يارب مصرنا واحفظ جميع شعبنا 
في الوحي اعلنت لنا مبارك شعبي بها 
بالخير املا ارضها واسكب علي الناس السلام 
وحد قلوب الكل في الاخلاص مع روح الوئام 
وفي قصيدة أخري له قال فيها :- 
محبة الوطن فرض علي الانسان 
في اليسر والمحن نرجو له الامان 
وقال أيضا في احدي قصائده :-
مصر بلادنا وهي ملاذنا 
مجدها مجدنا فلها حبنا 
ولقد عمل الاستاذ حبيب جرجس مديرا للكلية الإكليركية ( وهي الكلية المختصة بتخريج الكهنة ومعلمي الدين المسيحي ) ووضع فيها المناهج التي تؤصل لهذه الروح الطيبة الاصيلة ؛ وكان من بين تلاميذه الأنبا غريغوريوس ( 1919- 2001 ) أسقف البحث العلمي الراحل في الكنيسة القبطية ؛ وأسمه في شهادة الميلاد "وهيب عطا الله جرجس " ؛ ولقد التحق بالكلية الاكليركية خلال الفترة من ( 1936- 1939 ) وتتلمذ تلمذة مباشرة علي الأستاذ حبيب جرجس ؛وتشرب منه هذه الروح الطيبة الجميلة ؛ ولقد رسم أسقفا في الكنيسة القبطية عام 1967 ؛ وصار أسمه الأنبا غريغوريوس ؛ولقد آمن نيافته كثيرا بضرورة الانقتاح الثقافي والحضاري ؛فلقد وجه إليه سؤال عن رؤية نيافتكم لكلمة الانفتاح ؛فقام بنشر الرد في جريدة وطني في عددها الصادر في 8 مايو 1977 ؛قال فيه " الانفتاح تعبير إنساني جميل مضاد للإنغلاق ؛ الإنفتاح هو خروج الإنسان عن أنانيته وذاتيته لينظر الوجود خارجا عن ذاته ؛وينفعل بوجود غيره ؛ويتفاعل معه ؛ويؤثر فيه ويتأثر به ؛ويدرك أنه جزء من الكون ؛إن الإنفتاح مبدأ إنساني ؛روحي وإجتماعي وسياسي ؛ يؤمن به جدا ويسعي إليه كل إنسان مثقف متحضر ؛وكل عالم متبحر ؛وكل مصلح إجتماعي ؛وكل سياسي مخلص لبلده ..... بل إن الإنفتاح هو سبيل التقدم والإرتقاء في سلم الحضارة ؛ولولاه لظل الإنسان حبيس أفكاره وآرائه المحدودة ونظراته القاصرة ؛فيأسن فكره كما يأسن الماء ويتعفن ؛ وليس ينفع فكر الإنسان وعقله قدر ما ينفعه الحوار مع غيره ممن يختلفون معه فكرا ونظرا ؛فإن مناقشة الأفكار تصقل قدرات العقل علي التفكير ؛وتوسع من إمكانته علي الإيغال في الأنظار العقلية ..... علي أن الفضل بعد هذا كله ؛أو قبل هذا كله ؛يرجع إلي فضيلة الإنفتاح علي أفكار الآخرين الروحية ؛والأدبية ؛ والعلمية ؛ والإجتماعية ؛ والسياسية ". 
وفي لقاء لنيافته مع شباب حزب الأحرار الدستوريين تم يوم 6 اكتوبر 1983 ؛ وكان عنوان اللقاء "حرية الرأي والإحتلاف يؤدي إلي الإثراء " قال فيه من بين ما قاله " الإختلاف في الرأي يعمل إثراء ؛دائما أنا أقول ؛إن الله كان يمكن أن يخلق الناس نسخة واحدة ؛لكنه لم يفعل ذلك ؛هذه هي عظمة الخالق أنه لم يخلق شيء مثل الآخر ؛إذن هناك هدف في هذا التنوع ؛فلابد أن يكون هناك إختلاف في الفكر ؛مثل نغمات الموسيقي تتآلف مع بعضها البعض ؛وكل نغمة مختلفة عن الثانية لكي تكون سيمفونية مع بعضها البعض ؛ فممكن جدا أن الناس تختلف في الرأي دون أن يكون هناك إرهاب فكري ؛أنت لك رأيك وأنا لي رأيي ؛ونتفاهم ؛دون أن تكون هناك عداوة ؛ودون أن تكون هناك كراهية ؛وكل إنسان يستفيد من الآخر ؛لأننا كلنا نحيا في مجتمع ... بهذه الطريقة نترقي ونكبر ؛ وكل هذا نفع يعمل علي إثراء الوطن ؛والبلد كلها وللإنسانية بصفة عامة ؛أنت تعطيني فكرا وأنا أبادلك هذا الفكر ؛ومن هنا تظهر الحقيقة ؛ويكون هناك رقي ونجد أنفسنا تسير في خط صاعد إلي فوق وإلي الأمام ؛عندما نقوقع أنفسنا هذه ليست إنسانية ؛ووبذلك تغيب عنا حكمة الخالق في أنه خلق هذ التنوع في الخليقة ". 
 
وفي مقال لنيافته نشر في جريدة وطني بتاريخ 21 أكتوبر 1984 ؛ وكان عنوان المقال " الدين في جوهره لا يعرف التعصب " جاء فيه " الدين في جوهره لا يعرف التعصب . أنه ينادي بالمحبة لجميع الناس .... والواقع أن التعصب شر وخطيئة ضد الله ؛ وضد الدين ؛وضد المجتمع وضد الإنسانية ؛ذلك أن التعصب تشدد مقيت وتزمت رديء وإنغلاق غبي علي الذات ؛وإنحباس علي النفس مع رفض الرأي الآخر ؛وعدم الاستعداد لقبول الحق حتي عند ظهور الدليل ". 
 
أما عن علاج التطرف ؛ فلقد نشر نيافته مقالا نشر بجريدة الجمهورية بتاريخ 29/9/1991 عن التطرف والانحراف عند الشباب ؛ قال فيه " علاج التطرف يبدأ منذ الطفولة المبكرة ؛ومن هنا يأتي دور الأب والأم ؛فمن الأب والأم يتلقن الطفل مباديء الدين والأدب والأخلاق وبالتالي الحب للآخر ؛والتسامح مع الآخر ؛وإحترام الآخر ؛وعلي ذلك كلما أعددنا شبابنا من الجنسين في مراحل التعليم المتدرجة علي المحبة للآخر ؛والتسامح مع الآخر ؛وإحترام الآخر ..... سننجح بالتالي في تنشئة أطفالنا الصغار علي أيدي أمهات وآباء تعلموا مباديء الدين والأخلاق والأدب ..... نحن في حاجة إلي توسيع دائرة معارفنا ومعارف جميع المواطنين في جميع الإتجاهات والمستويات وفي كل مراحل العمر ؛ علي أن يمتد العلم والمعرفة إلي المواطن في المدينة ؛وفي القرية ؛وفي الحقل ؛ وفي المصنع وفي المتجر ؛في البيت والشارع ؛إن التطرف ينبع من الجهل أساسا ؛وينمو بالإنغلاق ؛ والعلاج يكون بالانفتاح ؛بفتح النوافذ والأبواب التي يأتي منها العلم وتأتي منه المعرفة ..... والعلم هنا هو العلم الآتي من لدن الله ؛والعلم الآتي من عقل الإنسان . والإنسان هنا هو كل إنسان من كل لون ومن كل دين ؛ هو كل إنسان في الشرق أو في الغرب ؛في الشمال أو الجنوب وهو كل إنسان في الماضي السحيق ؛ أو الحاضر الممتد في جميع الإتجاهات الأصلية ؛ هو الإنسان في القديم والإنسان في الحديث ...... فكل ما أنتجه فكر الإنسان في جميع العصور هو حضارة الإنسان ؛وهو ملك لجميع لكل الناس الذين خلقهم الله علي صورته ومثاله ". 
 
ونختتم هذا المقال بجهود قداسة البابا شنودة الثالث ( 1923- 2012 ) البطريرك الراحل ؛ والحقيقة أن الحديث عن جهود قداسته في هذا المجال تحتاج إلي مقال – بل سلسلة مقالات – ولكن سنعرض هنا لمجرد عينة من هذه الجهود . ففي الخطاب الذي ألقاه قداسته أمام الرئيس الراحل أنور السادات بالقيادات الدينية في قصر عابدين يوم 9 فبراير 1977 ؛ قال فيه " ما زلت أقترح أنا شخصيا لا مانع من أن إشترك مع أخوتي شيوخ المسلمين في وضع كتبا دينية مشتركة ؛ من الممكن أن نضع معا كتبا ضد الإلحاد ؛ يمكننا أن نضع كتبا عن صفات الله الحسني ؛يمكننا أن نؤلف كتبا معا في الفضيلة والإخلاقيات يمكننا أن نؤلف كتبا معا في الوطنية وقضايا بلادنا . يمكننا إن نشترك في هذه الأعمال ويري عامة الشعب ويري الطلبة أبناؤنا مسلمين ومسيحين كيف أن أسماء قادة الدين المسلمين والمسيحين يشتركون معا في كتاب واحد ...... يمكننا أن ندخل في وسائل عملية كثيرة نربط فيها بين المسيحي والمسلم ونحيا حياة مشتركة . وثقوا أن الحب أقوي من القانون ؛نحن ننادي برسالة الحب باستمرار ونريد أن نعلم أولادنا في المدارس الحب .نعلمهم حب الأبوين ؛نعلمهم حب المدرسين ؛ ونعلمهم حب القادة ؛حب بلادهم ؛ يحبون كل شارع من شوارعها ؛وكل مرفق من مرافقها ؛وكل مؤسسة من مؤسساتها ؛نريد أن نعلم الناس احترام الغير حتي الذي يخالف في الرأي ؛ما أسهل أن يختلف إنسان معك في الرأي ويكلمك بأسلوب هاديء فتحترم رأيه المخالف ؛ وما أسهل أن يختلف معك إنسان في الرأي فيقول كلاما شديدا منفرا ؛نريد أن نعلم الناس الأدب الحقيقي " . 
 
وعندما قام الرئيس الراحل أنور السادت بزيارة الكاتدرائية المرقسية لوضع حجر الأساس لمستشفي مارمرقس في 11/ 10/1977 ؛ ألقي قداسته خطابا هاما ذكر فيه العبارة الخالدة التي أشتهر بها كثيرا وهي "مصر بالنسبة لنا ليست وطنا نعيش فيه ؛إنما هي وطن يعيش فينا ؛يعيش في داخلنا ؛مصر هذه نحبها الحب كله ونحرص علي سمعتها كل الحرص في الداخل وفي الخارج أيضا ونبذل كل جهدنا لكي تكون صورة مشرفة في كل مكان ..... مصر هي أغنيتنا الحلوة ومصر هذه هي وطننا المبارك الذي قال عنه الكتاب عن بعض البلاد كجنة الله كأرض مصر ؛إننا نصلي من أجل مصر باستمرار في صلواتنا الخاصة وأيضا في صلواتنا الكنسية " . 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter