الأقباط متحدون - والاقباط يبحثون عن زعيم..
أخر تحديث ٠٥:٢٣ | الاربعاء ٦ نوفمبر ٢٠١٣ | بابه ١٧٣٠ ش ٢٧ | العدد ٣٣٠٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

والاقباط يبحثون عن زعيم..

صوره ارشيفيه
صوره ارشيفيه

 بقلم : منير بشاي

 
الشعب المصرى فى هذه الأيام يبحث عن زعيم قومى للوطن.  والأقباط أيضا يبحثون عن زعيم لهم يقود مسيرتهم ويعبر عن همومهم واهتماماتهم، آلامهم وآمالهم، شجونهم وشئونهم.
منذ أيام موسى النبى، وحتى يومنا هذا، كانت حركات التحرير فى كل مكان وزمان ترتبط بزعيم يحررهم من العبودية ويقود مسيرتها الى أرض الميعاد.  ومن الزعماء الذين لمعت أسمائهم فى العصر الحديث كان غاندى فى الهند وسعد زغلول فى مصر ونلسون مانديلا فى جنوب أفريقيا ومارتن لوثر كنج فى أمريكا وليخ فاونسا فى بولندا وجون جرنج فى جنوب السودان.
ولكن الاقباط لم يكن لديهم زعيما سياسيا مثل هؤلاء يثقون فيه ويلتفون حوله.  قائد له الكاريزما التى تفرض وجوده فى اى موقف، فيحبه ويحترمه الاصدقاء ويخشاه ويعمل حسابه الأعداء.  قائد يفهم القضية ويعرف ابعادها ويملك الأدوات التى يستطيع ان يعبر بها عنها.
أتصور الزعيم القبطى يعرف نفسه انه مصري قبل ان يكون قبطيا.  فهو كمصرى تهمه كل مشاكل مصر لأن هذه المشاكل تتضمن أيضا مشاكل الأقباط، فهم مصريون أولا.  ولكن هذا لا يلغى حقيقة ان الأقباط لهم أيضا خصوصياتهم التى تعبر عنها همومهم الخاصة.  ففى الوقت الذى ننتظر من الزعيم القبطى ان يفتخر بمصريته،ويعمل لخيرها لا نريده ان يخجل او يتنكر لقبطيته.
رؤساء الدين لا يصلحون لهذا الدور، هم لهم دور دينى مكمل له ولكن لا يأخذ مكانه.  وتقديرى لرسالة أباءنا رجال الدين تجعلنى أربأ ان يكون الزعيم القبطى رجلا من بين رجال الاكليروس.  هذا على الرغم من انه على مدى أجيال كثيرة كانت الدولة تصر على ان تكون الكنيسة هى الممثل السياسى للاقباط.  وهو دور يتمشى مع هوى الدولة ويصب فى مصالحها طالما يؤدى الى اختزال ملايين الأقباط فى قيادة موحدة قادرة على االتحكم فى الشارع القبطى وبالتالى تكون مهمة الدولة سهلة عندما تحاول  السيطرة عليها ليتسنى لها بالتالى التحكم فى كل الاقباط.
والمشكلة ان الدولة ترى ان دور الكنيسة يقتصر فقط على تهدئة الجماهير والحث على الطاعة العمياء للحاكم.  ولكن اذا تجرأت الكنيسة على الخروج عن هذا الاطار المرسوم وقالت ما لا يعجب السلطة فان السلطة فى الحال تثور وتهدد وتدين وتتوعد ما تعتبره الخلط بين الدين والسياسة والذى لم تكن ترى فيه مشكلة قبلا عندما كان يصب فى صالحها.  ولذلك ليس من صالح الأقباط أن يكون للكنيسة دور التمثيل السياسى للاقباط.  وأعتقد ان هذا هو ما تريده الكنيسة أيضا، ولكن الكنيسة تضطر الى القيام بهذا الدور السياسى تحت ضغوط من الدولة وفى غياب وجود قيادة علمانية سياسية مؤثرة وفى ظل ظروف حساسة مصيرية.
لا..أنا لا أقول ان رجال الكنيسة ليس لهم الحق فى ممارسة السياسة أو ابداء رأى سياسى.  من ينادون بهذا الفكر يعتقدون ان السياسة شىء قذر لا يليق برجل الدين.  ولكن السياسة هى مجرد أداة تستخدم للتعبير عن ممارسات يقوم بها المواطن كجزء من حقوقه المدنية فى الدولة الحديثة.  وهى أداة تتوقف نزاهتها وشفافيتها على من يمارسها ولا يجب افتراض ان كل ما يتعلق بالسياسة هو بالضرورة غير أخلاقى لا يليق برجال الدين.  رجل الدين سيظل دائما المعبر عن ضمير الأمة فهو من يدين الظلم ويؤيد العدل ويقف كيوحنا المعمدان فى وجه السلطان الفاسد قائلا له "لا يحل لك".  
ولكن رجل الدين لا يستطيع التفرغ للسياسة لأنه لو فعل هذا يكون قد اختار ان يغير وظيفته ويتحول الى مهنة أخرى.  هو فى امكانه ان يترك العمل الدينى ويتفرغ للعمل السياسى ولكنه لا يستطيع ان يجمع بين الوظيفتين. ولا يجب ان  يستغل لقبه الدينى وزيه الدينى واحترام الناس له  للتأثير السياسى على أفكار الجماهير.
فى صميم المشكلة يقع استعداد الأقباط الطبيعى للاعتماد على الكنيسة فى كل شئون حياتهم. وهى ظاهرة يمكن بسهولة ان تتحول لتصبح غير صحية.  فعلى الكنيسة ان تشجع أبنائها على الفطام السياسى بالخروج من تحت جناحيها والاعتماد على أنفسهم فى الأمور الدنيوية والسياسية وتشجيعهم على تكوين القيادات العلمانية المستقلة عن الكنيسة.  كأب اعرف انه يسعد الأباء ان يروا أطفالهم يأتون اليهم ويلتمسون الرأى فيما يواجهون من خيارات.  ولكن يزعجهم أن يروا ابنائهم يستمرون فى الاعتماد على قراراتهم حتى بعد تقدمهم فى السن.  لابد ان يصل الابناء الى درجة البلوغ التى تمكنهم من الاعتماد على ذواتهم وعلى الأباء ان يساعدوهم على الوصول الى هذه المرحلة بعدم التدخل فى قراراتهم.  وعلى الابناء ان يطمئنوا والديهم انهم سيظلوا دائما موضع احترامهم وتقديرهم وانهم سيأتوا اليهم من وقت لآخر للإستفادة من خبراتهم.
نعود لنتساءل: من يكون ذلك الزعيم القبطى المنتظر الذى سيحرر الأقباط ويأخذهم الى أرض الميعاد؟  شخصيا لا أعرف من يكون ولا أظن أن أحدا يعرفه.  وكل من يظن فى نفسه انه هو ذلك الزعيم، يثبت انه غير مؤهل لهذا الدور.  ومن يعمل بغرض الوصول الى تلك الزعامة والشهرة يتعب نفسه ومن حوله ويسىء للقضية التى يظن انه يساعدها.
الزعيم القبطى الذى ننتظره هو ابن شرعي للأمة القبطية، تتمخض به في آلامها ويخرج من رحمها، لا يفرضه أحد كزعيم ولا يفرض نفسه زعيما ولا يظن فى نفسه انه زعيم.  كل هدفه ان يكون خادما للكبير والصغير يغسل أرجلهم ويضمد جراحاتهم ويبكى معهم بينما يمسح دموعهم. عندماا تراه الجماهير تستطيع على الفور ان تتعرف عليه وتجد نفسها تلقائيا منجذبة نحوه كما للمغناطيس.  فالرعية تعرف راعيها وتستطيع ان تميزه عن الأجير، وبدون ان يطلب أحد منهم تقول له أنت هو بطلنا الموعود..انت هو زعيمنا الذى نبحث عنه...وقد وجدناك.
Mounir.bishay@sbcglobal.net 
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع