فلم يكن لنظام القوى السياسية في العراق ان ينشأ بصورته الحالية دون تدخل أجنبي.
لقد كان حزب البعث الذي تزعمه صدام حسين ونزعته القومية العربية بمثابة رد فعل لأنانية الحكم الاستعماري.
ويوجد تشابه كبير بين الوضع في العراق وسوريا، حيث لا مستقبل لأي من الدولتين داخل حدودهما الحالية.
لكن من الواضح أن مستقبل الشعبين في أعقاب انتفاضات الربيع العربي يتعقد على نحو متزايد.
لقد شهد العراق تجربتين استعماريتين كانت الأولى على يد البريطانيين، ثم شهد احتلال الأمريكيين بعد ذلك.
حتى وإن لم تكن هناك نية أمريكية وراء إعادة إحياء التجربة الاستعمارية ، فإن العراقيين شعروا ان الاحتلال الامريكي غزو جديد.
كلتا القوتين صبغت السياسة في العراق بصبغة طائفية، البريطانيون حينما أشرفوا على بناء الدولة، ثم الأمريكيين ودورهم في بناء الهيكل السياسي الذي خلفوه ورائهم.
فالتوترات الطائفية في كل من سوريا والعراق تمزق نسيج المجتمعين الهشين بالفعل .
فلم ينج العراق من تأثير الحرب الأهلية في سوريا التي تأثرت هي الأخرى بالفعل بما يحدث في العراق في دائرة لا يدري أحد متى تنتهي.
والأكثر أهمية هو أن أحدا لا يرغب في وقف دائرة العنف إذا تطلب ايقافه تدخلهم الفعلي.
قال دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، عام 2002 "صديقي، إن كنت تعتقد أننا سننفق مليار دولار من أموالنا هناك، فأنت مخطئ بحق."
وكان رامسفيلد يقصد بقوله "هناك" العراق. فقد كان رامسفيلد مقتنعا، قبل أسابيع من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، أن العراق لن يكون استنزافا للأموال الأمريكية.
تفشي الفساد
وبعد عشر سنوات من الغزو الامريكي خلصت دراسة أجرتها جامعة براون إلى أن الحرب كلفت الولايات المتحدة 2.2 تريليون دولار.
وعلى الرغم من إراقة الدماء وما أنفقته أمريكا في العراق، فقد أصبح نفوذها محدودا للغاية، بل وأصبح العراق في حالة من الفوضى وتأججت الحرب الأهلية في شتى أرجاء البلاد.
لقد تفتت العراق بسبب عدم اتخاذ خطوات لإصلاحه.
تورطت الولايات المتحدة في اجتياح العراق، ومن وجهة نظر عراقية فإنها رحلت عن البلاد كما كما دخلتها وهي في حالة شديدة من الفوضى. وكان قرار الخروج من البلاد قرارا صائبا لان الوجود الأمريكي أصبح غير مرغوب فيه.
لكن في الوقت الذي ينحى بالكثير من اللائمة على الولايات المتحدة، لا يختلف الأمر من حيث انحاء اللائمة على السياسيين العراقيين المكلفين بمهامهم. فلقد أثبتوا أنهم عاجزون عن بناء مؤسسات ديمقراطية يمكنها تحمل المسؤولية. لقد تفشى الفساد.
وإن لم يكن ذلك بالسوء الكافي، فقد شهد هذا العام زيادة كبيرة في أعمال العنف الطائفي، كان معظمها هجمات تفجيرية شنتها القاعدة في العراق. وتقدر الأمم المتحدة مقتل ما يربو على خمسة الاف شخص هذا العام فقط.
خسارة أمريكية
كتب الجنرال ديفيد بيتريوس، أشهر العسكريين الأمريكيين في العصر الحديث، رأيا نشرته مجلة ( فورين بولسي) حث فيه زعماء البلاد على العمل قبل فوات الأوان.
كان عنوان مقال الرأي الذي كتبه بيتريوس "كيف كسبنا العراق"، وأشك أن يكون الجنرال قد اختار هذا العنوان لأن الولايات المتحدة لم تكسب في العراق.
كانت "زيادة" القوات الأمريكية لكبح جماح العنف خطوة ناجحة لأنها هيأت بيئة سمحت للأمريكيين بمغادرة البلاد، لكنها لم تحل أي من مشاكل العراق.
وفي محاولة للتصدي لزيادة العنف، جاء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى واشنطن طلبا للمساعدة العسكرية، إذ قال إنه بحاجة إلى محاربة المتطرفين.
والمشكلة أن الكثير من العراقيين يرون المالكي جزءا من المشكلة وليس جزءا من الحل.
واتهمت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، من بينهم السيناتور جون ماكين، المالكي الذي يحظى بجانب كبير من دعمه من الطائفة الشيعية، "باتباع أجندة طائفية فاشية" وهو ما يدفع السنة إلى "الارتماء في أحضان القاعدة في العراق."
كان العراق سببا دفع الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى بذل قصارى الجهود تفاديا للتورط في الصراع الدائر في سوريا.
كما كان العراق سببا دفع معظم الأمريكيين إلى الاتفاق معه بشأن هذه القضية.
لقد أنهكت الأعباء المالية والجسدية والعاطفية الناتجة عن الحرب في العراق وأفغانستان الأمريكيين.
تردد أوباما؟
يتضح جليا حال الإنصات إلى ما يدور من جدل هنا أن الامريكيين مقتنعون تماما بأن أي خطوة عسكرية في الشرق الأوسط ستكون خطوة أولى ومنحدرا سيفضي حتما إلى خوض حرب أخرى في بلد آخر ينكر جميل الولايات المتحدة .
وثمة انتقادات تتهم أوباما بالمبالغة في استخلاص دروس من العراق، وهو ما دفعه، بحسب اعتقادهم، إلى التردد وعدم اتباع سياسة واضحة بشأن القضية السورية.
وهناك شئ من عدم الانصاف في هذا الاعتقاد نظرا لوجود سياسة، وهذه السياسة هي "لن نتورط" في الأمر، وفي ظل فترة ولاية هذا الرئيس ليس من المرجح حدوث أي تغيير.
يعرف العالم أن أمريكا فقدت شهيتها في القيام بمغامرات خارجية، وهو معلوم به على وجه اليقين في الشرق الأوسط