الحكاية رواها ناظر مدرسة الفكاهة والمسخرة.. عمنا وتاج راسنا.. الكاتب الجميل محمود أفندى السعدنى فى كتابه الشيق.. الولد الشقى فى السجن.. يحكى عن البحار المصرى الشاب الذى دخل السجن فى زفة زاعقة فى منتصف إحدى الليالى بصحبة زميل يابانى محكوم عليهما بالمؤبد فى قضية مخدرات.. لاحظ السعدنى الذى كان يقضى مدة العقوبة بالسجن الجنائى فى أحداث 71 التى سميت بثورة التصحيح.. لاحظ أن السجين اليابانى صامت تماماً.. رابط الجأش.. يتصرف بهدوء وبلا انفعال.. والمهم أنه لم تسقط من عينيه دمعة واحدة.. يحاول أن يهدئ من روع زميله البحار المنفعل تماماً.
فى الفسحة التى جمعت المساجين فى فناء السجن فى اليوم التالى.. واصل البحار الشاب البكاء والنحيب والصراخ والضجيج.. سمعه المساجين جميعاً يقول لزميله اليابانى: أنا لازم أموت نفسى.. لن أتحمل قضاء زهرة شبابى وراء القضبان أنا البحار الذى يهوى السياحة والسفر.. الموت هو الحل.
سأل اليابانى زميله الغاضب إن كان جاداً فى عزمه على الانتحار.. فأقسم البحار الشاب أنه جاد جداً.. وأنه لا يهزى وينوى الانتحار حالاً.. فأقنعه اليابانى بالانتظار يوماً أو اثنين حتى يرتب أموره ويكتب إلى عائلته.. وساعتها سوف ينتحر هو الآخر.. من باب التضامن مع زميله.. وتعبيراً عن الحزن والأسى والقرف من الدنيا الفانية.. وسوف يحدد معه موعداً لانتحارهما الجماعى..!
صباح إحدى الأيام فتح السجان زنزانة اليابانى فوجده معلقاً بالسقف مشنوقاً منتحراً.. وقد ترك ورقة صغيرة كتب فيها أنه انتحر مع زميله المصرى لأنهما لا يتحملان مشقة السجن.. هرع الحراس إلى زنزانة البحار المصرى.. فوجدوه ساخطاً غاضباً لاعناً سنسفيل الخدمة بالسجون لأن الإفطار تأخر قليلاً عن موعده.. قالوا له إن زميلك اليابانى انتحر فى زنزانته.. قال لهم إن زميله عبيط.. ويصدق كل ما يقال..!!
و.. يتعجب الولد الشقى من سلوك البحار الشاب بعد ذلك داخل السجن.. كان نهماً شرهاً للطعام والشراب.. يستمتع بما لذ وطاب من طعام السجن المتواضع.. شهيته مفتوحة باستمرار.. على أتم الاستعداد أن يقتل قتيلاً لو تأخرت إحدى الوجبات عن موعدها..!
مرسى العياط الذى ظهر ساخطاً غاضباً منفعلاً أمام هيئة المحكمة.. وذهب إلى سجن برج العرب هائجاً مهدداً حراسه بأنه بوصفه رئيساً شرعياً سيعاقبهم فى القريب العاجل لأن حجرته بالسجن بها تليفزيون ينقل القنوات الأرضية فقط.. وطالب بضرورة توفير «ريسيفر» لمشاهدة القنوات الفضائية.
قال مرسى لحراسه هائجاً صائحاً: إنه لا يقبل أبداً بالعدس كوجبة غذاء مقررة على المساجين.. وأنه يتمسك بحقه فى تناول وجبته المفضلة.. بط بالفريك.. وأنه سيشتريها على نفقته الخاصة من كانتين السجن.. وعندما اكتشفوا أنه لا يوجد بط بالكانتين فى هذا اليوم.. هاج وماج ودخل فى مفاوضات معقدة انتهت بتوفير وجبة من الفراخ المشوية حتى يتم تجهيز الكانتين لرغبات «الرئيس» الشرعى من الكباب والأغنام وطواجن المحمر والمشمر..!
العارفون ببواطن المساجين يضربون كفاً بكف.. العادة أن المسجون فى شهوره الأولى بالسجن يفقد الكثير من وزنه.. يعاف الطعاف.. يدخل فى طور الاكتئاب.. يصاب بارتفاع ملحوظ فى ضغط الدم.. يوصى الخبراء بملاحظة السجين طبياً فى شهوره الأولى حتى يتكيف ويعتاد على حياته الجديدة.. وهو ما لم يحدث مع مرسى الذى ازداد وزنه بصورة ملحوظة خلال الشهور الماضية.. وانفتحت شهيته على مصراعيها لأطايب الطعام والشراب. يؤكد الخبراء أن مرسى لو استمر على نهمه بالطعام فسوف يصاب بالتخمة والأمراض الناتجة عن الشراهة الزائدة.. أما أمراض الضغط والاكتئاب فلا حاجة له بها.. وقد قامت إدارة السجن بالواجب فاستعارت صديقه السفير رفاعة الطهطاوى من سجن طره ليكون رفيقه فى برج العرب!! و.. ألف رحمة ونور على روح صديقى الجميل محمود السعدنى.. الذى نحتفل بذكرى ميلاده هذه الأيام.. والذى وصف لنا حالة مرسى بالضبط من خلال حكاية البحار الشاب الذى دخل السجن ليستمتع بمطايب الطعام والشراب!!