الأقباط متحدون - طاحونة الدم وضجيج الكلام
أخر تحديث ٢١:٢٥ | الخميس ١٤ نوفمبر ٢٠١٣ | هاتور ١٧٣٠ ش ٥ | العدد ٣٠١٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

طاحونة الدم وضجيج الكلام

صوره تعبيريه
صوره تعبيريه

 لم يعد من الصعب على أى متابع متوسط الذكاء أن يعرف عناوين الموضوعات التى تنشغل بها مصر غداً، فعندما أوقفت قناة سى بى سى برنامج باسم يوسف، توقعت مع بقية الناس أن يشتعل النقاش وتنفجر التعليقات بين مؤيد ومعارض حول باسم وبرنامجه ونظام الحكم كله أيضاً، وعندما نشرت صحيفة الوطن

الكويتية قصيدة عرجاء للشاعر مختار عيسى بعنوان «نساؤنا حبلى بنجمك» تلقفها الجميع لا فرق بين رواد الفيس بوك وبين صناع الميديا فى مصر من المحترفين.. الكل وجد فى الموضوع ما يستحق الكلام والخلاف حول مدى حق الشاعر فى نظم قصيدة عن البطل المنتظر وتجسيد ذلك فى شخصية الفريق السيسى، وتوصيف ذلك مرة بأنه «نفاق سياسى رخيص» ومرة أخرى بأنه أمر يندرج تحت حرية الإبداع، وعندما أحرز اللاعب أحمد عبدالظاهر هدفاً فى مباراة الأهلى أمام فريق أورلاندو الجنوب أفريقى رفع يده بإشارة رابعة، فانفجرت التعليقات واشتعل سوق الكلام، وكالعادة تجد فى السوق مختلف الآراء والتنويعات

والتراشقات والتهكمات، ووسط هذا الطوفان اللغوى تختفى التعليقات الجادة القليلة التى تتحدث عن قواعد اللعبة، وهل هذا خرق لها أم؟.. الجميع ينشغل بالكلام دون تحليل مضمون الحدث ووضعه ضمن سياق، حتى دعاة العقل والموضوعية يستخدمون تعليقات جاهزة لمهاجمة الطرفين أو يتهمون الإعلام بأنه يبحث دوماً عن «جنازة ليشبع فيها لطم» كما يقال.

 
هكذا يتراشق الجميع من دون دراسة لمثل هذه الظواهر، وأسبابها، وماذا يمكن أن نستنتج منها، أنا طبعاً لا أطالب بإهمال أى حدث أو خبر أو مفارقة، ولا أدين الانشغال بما يحدث فى المجتمع، لكن السؤال: هل لدينا مؤسسات ومثقفون وإعلاميون تهتم بدراسة وتحليل هذه الأحداث بأسلوب أكثر رصانة من تعليقات جمهور صفحات التواصل الاجتماعى؟.. وفى حدود معلوماتى فإن لدينا فى مصر عشرات من مراكز الدراسات والوحدات البحثية المتخصصة فى دراسة الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بشكل علمى محايد، والأهم دراسة تأثيراتها على تماسك المجتمع وضمان عدم التمادى فى فكرة الانقسام الذهنى والوجدانى، بل الخصام النفسى الذى يخرج بالطرفين عن الموضوعية والعقلانية نفسها.
 
ولكى أوضح فكرتى أكثر، ستجدون (حسب رؤيتى فى هذا المقال) أن حمى الكلام ستنتشر خلال الأسبوع المقبل حول الذكرى الثانية لأحداث محمد محمود، وكالعادة بدأت مواقع التواصل الاجتماعى التسخين ونصب سرادقات الكلام، فى البداية ظهر الاختلاف حول التسمية هل هى احتفالية أم ذكرى؟، ثم الاختلاف حول المكان هل تقام الفعاليات بشارع محمد محمود نفسه أم فى التحرير؟ وبدأت الأسئلة تتناثر والتعليقات من الناس العاديين تدخل فى مناطق التخويف والخطر من

اندلاع أحداث عنف وأعمال شغب تقوم بها عناصر مندسة، وبالتالى تكثر الأسئلة عن فكرة السماح للإخوان وتحالف دعم الشرعية بالمشاركة، ووسط هذا اللغط يخرج علينا صحفى معروف ليؤكد من منصة إحدى الفضائيات ضرورة منع الإخوان من المشاركة، بل يتجاسر ويقول «لو حدث وشاركوا سيكون الضرب فى المليان!» فى الوقت الذى أعلنت فيه حركات جديدة مثل «كمل جميلك» أنها ستشارك وتطالب بدعم ترشيح الفريق السيسى لانتخابات الرئاسة، فيما تغيب تيارات وشخصيات ثورية رأت عدم جدوى المشاركة فى مثل هذا التوقيت قبيل شهور قليلة من الانتخابات البرلمانية، ومع تصاعد الحرب الكلامية يصرح مجلس

الوزراء بعدم التجديد للطوارئ وإنهاء فترة الحظر مع نهاية اليوم، فهل يعنى هذا أن الأمن وضع خططه لهذا اليوم من دون حاجة لإجراءات استثنائية؟.. أم أن الكل يتكلم ويهيئ الساحة لسقوط شهداء جدد لندخل فى دائرة مفرغة تفتح أبواب الدم والكلام اللانهائى عن القصاص، وفى النهاية لا يحصل المجتمع إلا على كلام فى كلام.. لن أزيد أكثر من ذلك ربما نستطيع أن نفكر معاً بشكل عملى بعيداً عن طاحونة الدم وضجيج الكلام.
 
المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع