بقلم مهندس عزمي إبراهيم
عَمداً يَدَّعي الأخوانيون والسلفيون، وخطأ يظن بعض المسلمين، أن مسيحيي مصر يحاربون الإسلام وكل ما هو مسلم!! والحقيقة الصادقة والواضحة للجميع هي أن الأقباط أبناء مصر الأوفياء المسالمين، في دفاعهم عن وطنهم وعن قضيتهم والمطالبة بحقوقهم، لا يتصدون للإسلام ولا للمسلمين المعتدلين العادلين العاقلين، بل ولا لأي طائفة دينية أو غير دينية. ولكن من حقهم بل من واجبهم الوطني أن يتصدّوا للمتطرفين الذين يحاولون بإصرار فرض مفهومهم وتفسيراتهم في الدين والشريعة، على غيرهم من مسلمين وغير مسلمين، سواء بدَسِّها في الدستور المصري أو نشرها في الشارع المصري. وحيث أن الأخوان لا وجود لهم ظاهرياً في الساحة السياسية واستُبْدِلـَت أصواتهم بأصوات السلفيين، فهنا أوجه مقالي صريحاً للسلفيين.
أخي السلفي. وأدعوك أخي مجازاً، فأنت بتصرفاتك المُتعَسِّفة ودعاواتك المتطرِّفة وأفكارك المُتنحيِّة عن صالح الوطن لست بأخي. ودعني أعرِّفك بنفسي أولاً. عَلـَّمني ديني أعظم وأرقى آية في تاريخ البشرية قاطبة، دينياً واجتماعياً وقانونياً، وهي أن "اللـَـه محبـَّـة". عَلـَّمني ربي أن أحب جميع الناس حتى من لا يؤمن به، بل حتى أعدائي. فقد قال السيد المسيح ما لم يقله بشر: "أحبوا أعداءَكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مُبغضيكم، وصَلـُّوا من أجل الذين يسيئون إليكم" كما قال أيضاً: "إذا كنتم تحبون من يحبونكم فأي فضل لكم؟". وهذا هو جوهر المسيحية وصُلب الإيمان المسيحي. وهو عكس (العين بالعين والسن بالسن) و (قاتلوهم) و (اقتلوهم) و (وليجدوا فيكم غلظة) و (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ) و (فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ
وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) و (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِاليَوْمِ الآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ). فعلاوة على افتقاد السماحة الإلهية في تلك الأوامر، بل احتوائها قسوة وإجبار وإكراه، هناك مقابل مُساوٍ للإيمان بـ "الله ورسوله ودين الحق" وهو ثمنٌّ ماديّ عَينيّ ماليّ وهو الجزية، من يسلم يُعفى منها!!!!
أنا هنا لا أقارن العقائد فلا تفهم مقصدي خطأ. فكلٌ إنسان حًباه الله عقلاً. وكلٌ يحاسب نفسه أمام ضميره. وكلٌ يحمل وزرَه أمام خالقه. إنما أنا هنا أضع جوهر عقيدتي أمام عينيك قبل أن أدخل في قضيتي معك. أضع النقط على الحروف صريحة فيما سيضرني مما تريد تطبيقه علىَّ من عقيدتك رغم أنفي وأنف أحفادي في دستور الوطن الذي هو قاعدة القوانين وتسألني ألا أتصدى لها ولك.
مما سبق، أول فرضٍ يفرضه عليًّ ديني هو ألّا أعتبرك عَدواً. ولا أعتبر أي طائفة من المسلمين أو غير المسلمين، أو حتى من الملحدين أعداءاً. وأن أحِبُّك حتى لوكنت عَدواً!! ولكنك تستفزني بجرأة وصفاقة وتجرح احساساتي وتتغاضى عن إنسانيتي وسماحتي وسماحة ديني. في حين أني كنت أتوقع منك لو كنت مؤمناً بدينك حقاً، أن تتبع مقولات كتابك ورسولك: (لا إكراه في الدين) و (ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) و (لكم دينكم ولي دين) و (وما أنت عليهم بمُسيطر) و (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ الناسَ حتى يَكونوا مؤمنِينَ؟) ومثلها كثير، لو تقرأ، ولو تستوعب، ولو تختار الطيب المتسامح من دينك، لا المتشدد المتعسف!! واللوم ليس عليك فقط بل وعلى من أبدع (الناسخ والمنسوخ) فنسخ تلك الطيبات التي تجعل من الدين ديناً ومن الإنسان إنساناً!!
كتبت الكثير من قصائدي ومقالاتي أتصدى فيها بصراحة لمضطهدي الأقباط بعقر وطنهم. ومع ذلك فهناك الكثير من قصائدي ومقالاتي تثبت محبتي وسماحتي لأخوتي المسلمين صادقاً فيما كتبت، ولم يكن ذلك عن خوف أو محاباة أو تقِيـَّة، نشرت في اليوم السابع، وبوابة الوفد، وبوابة الشروق، وجريدة النهار، وصوت حزب شباب مصر، والحوار المتمدن، والمعهد العربي، ودنيا الوطن ودنيا الرأي. وقد حازت إعجاباً وقبولا واسعاً من إخوتي المسلمين، ونقلت بعديد من المواقع الإسلامية منها مواقع سعودية وبحرينية وسورية وفلسطينية علاوة على المواقع المسيحية. أذكر منها "أخي المسلم أحبك حتى لو ما تحبني" و"ورثنا الدين" و "بوتقة أديان" و "أنت شقيقي" و "ابني جامع" و "نصيحة للسلفي" و "ممكن يا مصري" و "مصر وبس" و "إللي بنى مصر"
وأعلنها هنا عالية صارخة، لا خوفاً ولا محاباة ولا "تقيـَّة"، بل تنفيذاً لإيماني وعقيدتي: أحِبّ جميع أخوتي المسلمين المعتدلين العاقلين المتحضرين المحبين للتعايش والتجاور والتواطن والمساواة والاحترام المتبادل. وانا أحِبّك يا أخي السلفيّ الوهابي لا لأنك سَوِيٌّ أو لأنك خَيِّرٌ أو مسالم، بل لأني أنا تابع لإلهي، إله المحبة، السيد المسيح، وتابع لتعاليمه الصافية النقية السَّمِحَة. ولكني بكل صراحة، لا أحترمك ولا أحترم أهدافك ولا سلوكياتك!!!
أنا لا أخاف منك ولا أخاف من شـَرَّك فأنا أقوى منك، لا بشومتي وسيفي وقنبلتي، ولا بمظاهراتي الفوضوية، ولا بندءاتي العدوانية ولا بسبابي وسلاطة لساني، ولا ببلطجة تصرفاتي. لكن بسماحتي وسماحة عقيدتي وسماحة الرب الذي خلقني وأكرمني بإيماني وأعبده وأقدسه
أنا لا أخافك، ولكني أخاف على مصر منك. فمصر وطني ووطن الأقباط وكل المسلمين وغير المسلمين، الأوفياء العاقلين العاملين المنتجين المبدعين المتحضرين المخلصين لها والناظرين إلى غدٍ أفضل لها ولهم ولأحفادهم. أخاف منك على مصر فأنت بصراحة لست أهلا لها ولا أميناً عليها. لا تنسى يا سلفي أنك أنت من ((أشركت بها)) فأنت من رفعت أعلام السعودية بصفاقة على أرض مصر العظيمة العريقة. وأنت من طاردت أبناءها سيدات ورجال بنات وشباب بحجة دعواك البلطجية الفوضوية "النهي عن المنكر والأمر بالمعروف" حتى رفعن عليك الشباشب!!
العالم يبدع ويخترع ويعمل ويزرع ويصنع ويتاجر وينتج في كل يوم ليتقدم إلى الأمام نحو العلم والثقافة والتحضر والتعايش والتفاهم، واحترام الآخرين، واحترام آراء الآخرين، وعقائد الآخرين. وأنت، وكل تجارتك وإنتاجك كلام في كلام، جوهره تخلف وجهالة، تحاول جَرّ مصر إلي الخلف قروناً. وإلى أين!؟ إلى عصر الصحارى والجفاف العقلي والفراغ الفكري والضميري. إلى عصر السيف وقطع الطرق والغزو والسبي والعبيد والإماء وسفك الدماء واغتصاب النساء. أي لا انتاج ولا اختراع ولا معمل ولا مصنع ولا علم ولا فن. بل ولا احترام للإنسان والإنسانية بأية صورة!!
يا سلفيّ، أسألك... أي خير تتمناه لمصر!!؟ دعني أوجه نظرك إلى أمر تغفله ولا تدركه، أو لعلك تدركه وتتغاضى عنه. لكني وأقباط ومسلميي مصر المخلصين نراه بَيِّناً واضحاً كالشمس لا لبس فيه:
** أولا: أنت تدعو بالتدخل في حريات ومعتقدات ومقدسات الآخرين والتسلط عليهم وعلى حياتهم ومصائرهم، وهم أفضل وأنفع للوطن بل وللبشرية منك. إن الله خالق الكون لم يُوَكِّلك ولم يُكَلفك بشئون الآخرين!! والسبب بسيط جداً لو تفقه ولو تعي. إن الله يدرك ما في القلوب، ولا يَخدعه جلباب وقميص وطاقية وقبقاب وزبيبة وحجاب ونقاب. وإن الله يُفرحه ارتقاء البشرية وخدمات البشرية أكثر من صلوات ودعاء وبسملة وأذان وميكروفون. ناهيك عن البغضاء وسباب وازدراء خلق الله حتى في الصلاة والمساجد!!!
** ثانياً: تدعو إلى التحكم في نساء طائفتك، وفي النساء عموماً، وإهدار كرامتهن بل وإلغاء دورهن في الحياة العامة وفي خدمتهن للبشرية إلا لتفريغ شهوات رجال طائفتك. ولو أعطين الحرية والكرامة والمساواة بالرجال كما في الأمم المتحضرة لكانوا أفضل منك وأنفع لمسيرة البشرية وبالأخص لرفعة بلادنا بالشرق. بل لكانوا أفضل عِلماً وخُلقاً ودِيناً منهن اليوم. أعجب كيف يتقدم مجتمع نصفه مسجون في قيود الظلام والتخلف السلفي!!
** ثالثاً: تسب الغرب وتوصمه بالكفر والفسق، وتغض النظر عن الآلاف بل الملايين من مواطني البلاد الإسلامية (جميعاً) يسعَون إلى الحصول على شهادات أكاديمية ثقافية حضارية عالية من بلاد الغرب ويفتخرون بها. وانظر إليهم بالآلاف بل بالملايين يقفون صفوفاً أمام السفارات الأجنبية ليحصلوا على تأشيرات هجرة لبلاد الغرب الكافر كما تسميه. والعلم الله وحده، يعلم من هو المؤمن ومن هو الكافر!!
تسُبّ الغرب صباحاً ومساءاً وكل ما تستعمله في صباحك ومساءك، بلا خجل، من إنتاج الغرب وإبداع أبنائه. انظر إلى الساعة في معصمك، والمحمول في جيبك، والميكروفون في يدك، ومكبر الصوت في يد زميلك أو تابعك، وشاشات التلفزيون والفضائيات والفيديو التي تبث دعاواتك وسبابك وسمومك فيها ومنها وعليها. وانظر في بيتك وما فيه من ثلاجة وغسالة ونشافة وتكييف وسخان وفرن وخلاط وتليفزيون وكمبيوتر وتليفون. وانظر إلى ما تستعمله من سيارة وطيارة وباخرة، ونظارة نظر ونظارة شمس، وأدوية وأجهزة طبية رائعة تجري إليها مهرولا عند مرضك وحاجتك.
كل هذه بعض مما تستعمله، وهي نتاج الحاضر والعصور السابقة والحديثة ولن تنتهي، فالأبحاث والإختراعات مستمرة بواسطة علماء العصر المخلصين لتقدم البشرية. وكل هذه لم يوجد منها في عصر سلفيتك قدر ذرة. فإذا كنت تتشبه بالرسول والصحابة والسلف الصالح، فالرسول والصحابة والسلف الصالح لم يستعملوا أياً منها. فأي سلفية تدعو إليها!!؟ كل ما تتشبه به كسلفي هو لبس الحجاب والنقاب والجلباب والقبقاب واطالة اللحية وحلق الشارب، وكلها مجرد قشور في قشور، ومن سطحيات وسفاسف الأمور.
إذا كنت جاداً في سلفيَّتك حقاً، لماذا لا تأخذ سيفك وأفكارك ولسانك وتترك سيارتك الفاخرة وشقتك المليئة بالعصريات بالعمارة الفخمة العالية وتسكن بخيمة في الصحراء ومعك معزة وكلب وناقة؟؟. فسلفيتك إذن، علاوة على أنها تدعو إلى التخلف والعزلة والتقوقع والجهل والانحدار الثقافي، هي سلفية سطحية كاذبة، ودعوى مغرضة وغطاء لا يستر نواياك.
ولكني... لأني مؤمن بحرية الإنسان في الرأي والعقيدة، أقول لك: أنت حر فيما تعتقد وما ترجوه لنفسك. ولكنك لن تجُرَّ مصر وأبناء مصر المؤمنين الأحرار مسلمين وغير مسلمين إلي عصر الصحارَى والجفاف العقلي والفراغ الفكري والضميري. إلى عصر السيف وقطع الطرق والغزو والسبي والعبيد والإماء وسفك الدماء واغتصاب النساء. أي لا انتاج ولا اختراع ولا معمل ولا مصنع ولا علم ولا فن. بل ولا احترام للإنسان والإنسانية بأية صورة.
أخي السلفي: كفاك خزياً وعاراً أنك أشركت بمصر، ورفعت أعلام بلد أجنبي، السعودية، بصفاقة وبلطجة وغباء على أرض مصر العظيمة العريقة. وتلك خيانة عظمى عقابها في الأمم الحرة العادلة الشنق والاعدام أو السجن مدى الحياة. فاتّقِ الله في هذا البلد الأمين، وكف عن محاولاتك الخبيثة للعَبَث في دستوره المأمول. اتركه لمن يضع فيه عدل الله، عدل القانون، عدل الإنسانية، لا عدل القبيلة فما ذاك بعدلٍ، بل ظلمٌ صريح وصلفٌ واستبدادٌ.