بقلم يوسف سيدهم
ارتفعت وتيرة الجدل واحتدم النقاش حول عمل لجنة الخمسين القائمة علي مناقشة وصياغة التعديلات الدستورية...هذه اللجنة التي صدر قرار جمهوري بتشكيلها واستقبل الرأي العام مع الدوائر السياسية أعضاءها الأصليين والاحتياطيين بترحاب وارتياح لما يمثلونه من قامات كبيرة
جديرة بالثقة في قدرتها علي الاضطلاع بالمسئولية التاريخية المكلفة بها,صارت فجأة محل شكوك وتوجس قبل أن تكمل عملها وتعلن نتيجته علي الشعب لتكون مسودة التعديلات الدستورية مطروحة للحوار المجتمعي قبل طرحها في الاستفتاء الشعبي لقبولها أو رفضها.
ولعل هذا الوضع الشائك الذي أصبح وجبة يومية شهية للإعلام وللرأي العام له سلبياته علي مناخ التركيز والهدوء الواجب توفيره للجنة الخمسين لأداء مهمتها...وأتساءل:هل كانت الحكمة تقتضي فرض السرية علي مناقشات اللجنة والاكتفاء بما يصدر عنها من بيانات أو تصريحات علي لسان متحدثها الرسمي حتي تتلافي اللغط الدائر الآن في دوائر كثيرة؟كنت أتصور أن ذلك ماسوف يحدث وما سوف يلتزم به أعضاء اللجنة أنفسهم - أصليين واحتياطيين-لأنهم الأكثر حرصا علي تجنب السهام التي قد تصوب نحوهم علاوة علي القدر الهائل من سوء الفهم الذي يتم تصديره للرأي العام بواسطة الشائعات والتناول الإعلامي المتباين في أساليبه ومقاصده وتوجهاته.
لكن للأسف لجنة الخمسين بثقل أعضائها وقاماتهم العالية ليست مثل أي فريق من فرق كرة القدم يستطيع مدربه أن يأمر لاعبيه بعدم الحديث مع الإعلام وإلا تعرضوا لعقوبات,لذلك اكتفي رئيس اللجنة السيد عمرو موسي بالتنويه بأن السيد محمد سلماوي هو المتحدث الرسمي الوحيد باسم اللجنة وأن ما يصدر عن أي من أعضائها لايمثل سوي رأيه الشخصي ولا يعبر عن عمل اللجنة أو عن مجموع أعضائها...لذلك تم ترك الباب مواربا لكل من يريد أن يتكلم من الأعضاء رهانا علي رجاحة عقلهم واستشعارهم ثقل المسئولية الملقاة علي عاتقهم وحرصهم الشديد علي إنجاح مهمتهم...فكانت النتيجة أن جميع الخلافات والرؤي المتباينة والصدامات في المواقف لم يتم احتواؤها داخل اللجنة-أو لجانها الفرعية- ووجدت طريقها بسرعة غريبة وبمعدل شبه يومي إلي الخارج حيث تلقفتها أجهزة الإعلام وصدرتها للرأي العام وللدوائر السياسية لتخلق ميادين موازية للصراعات الدستورية في كل حدب وصوب...وبينما مايزال عمل اللجنة في مرحلةالمطبخ الدستوري ولم تكتمل ملامح التعديلات ولم يجر التصويت النهائي عليها انزلق الجميع نحو الصراخ والاحتجاج والتهديد والوعيد قبل الأوان!!
كل يوم نسمع عن مساومات تجري ومواءمات تعطل انطلاق العمل وحتي هناك من يندفع ليتحدث عن مؤامرات تحاك لخداع المصريين في دستورهم,وطبعا مع قيام الإعلام بتجسيم ذلك يقع الشعب فريسة القلق والخوف أن اللجنة التي وثق فيها وعهد إليها بأمانة تصحيح دستور2012 الذي اختطفت فيه مصر لصالح جماعة الإخوان والتيارات المتشددة المتطرفة,قد يبدو أنها تفرط في الأمانة وتغامر بالمسئولية وتبتعد عن تنفيذ إرادة الشعب الذي ثار وتمرد في30يونية عاقدا العزم علي إنقاذ مصر وإعادتها إلي أصالتها ووسطيتها...وأقول مهلا...لا يمكن أن تكون الأمور متروكة لتخرج عن حدود السيطرة,ولا يمكن أن تخون لجنة الخمسين الأمانة التي وضعها الشعب في عنقها...فقط علينا أن نتفهم أن طبيعة مرحلةالمطبخ الدستوري تتضمن ذلك الشد والجذب,كما تتسع للمحاولات المتكررة لتقريب وجهات النظر سعيا لبلوغ التوافق إن أمكن,وفي النهاية عندما تبلغ اللجنة مرحلة التصويت فهناك معايير الأغلبية التي وضعتها اللجنة لنفسها والتي ستطبق بوضوح وجدية لحسم الأمور وتمرير الصياغات النهائية.
الغريب أن المجال خارج اللجنة لم يكتف بما يصله من داخلها من إثارة ولغط ومشاكل بل اندفع لينتج بنفسه مشاكل إضافية وكأن اللجنة تنقصها السهام المصوبة عليها من خارجها!!...خرج علينا الأسبوع الماضي من يفتون بأن نهاية مهلة الستين يوما التي حددها القرار الجمهوري للجنة لإنهاء عملها تنتهي في8نوفمبر -أي منذ تسعة أيام مضت-وأن ذلك من شأنه أن يهدد عمل اللجنة بعد ذلك التاريخ بالبطلان(!!) -وكأننا نتحمل الوصول إلي تلك المصير البائس-لكن الحقيقة التي يعرفها الكثيرون أن اللجنة المكلفة بوضع آليات عملها قبل مباشرة اختصاصاتها كانت قد أعلنت بوضوح أن فترة الستين يوما المحددة ليست ستين يوما متصلة بل هي تمثل ستين يوم عمل,ولم يعترض أحد علي ذلك في حينه علاوة علي ما صرح به متحدثها الرسمي بأن جميع آليات عمل اللجنة التي قررتها وافق عليها واعتمدها مجلس الدولة.
ألا يستحق الأمر إذا شيئا من الهدوء وعدم الاندفاع وانتظار إعلان لجنة الخمسين عن الصياغة التي انتهت إليها بعد التصويت من أعضائها علي جميع بنود التعديلات الدستورية؟...أري أنه لاداعي للانفعالات المبالغ فيها ولا يوجد مبرر للفزع من مؤمراة لاختطاف الدستور مرة أخري,لأن كل شئ سوف يعلن علي الشعب بوضوح وشفافية,كما أن هناك خط الرجعة الذي لا يستطيع أحد الانقضاض عليه وهو الاستفتاء علي الدستور...فإذا قبل الشعب ما ينتهي إليه دستوره فليذهب إلي صناديق الاستفتاء ليجيزه,أما إذا لم يقبله فليذهب ليرفضه...وهنا يجب أن نقف وقفة تاريخية خطيرة لتحذير هذا الشعب بصوت عال...بدون حشد أكثر من60% من القوي التصويتية علي قلب رجل واحد أمام صناديق الاستفتاء-ومن بعدها صناديق الانتخاب-لايلوم أحد إلا نفسه إذا استطاعت الأقلية المعارضة لثورة30يونية اختطاف مصر مرة أخريبشرعية الصندوق!!!...ولهذا حديث سوف يتصل ويتكرر مني لضمان تبصير الكافة ببئس المصير إذا تقاعسنا...