الأقباط متحدون - بين عاصفتين
أخر تحديث ٠٦:٣٨ | الاثنين ١٨ نوفمبر ٢٠١٣ | هاتور ١٧٣٠ ش ٩ | العدد ٣٠١٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

بين عاصفتين

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

الدكتور محمد مسلم الحسينيبين
 

إرتجّ الدار وتلاطمت أبوابه.... إظلمّ النهار وارتبكت ساعاته.... صرخت العاصفة، فهرعت مذعورا صوب النافذة أستطلع ما حصل! شاهدت أشجارا يدفعها الريح... تقاوم بحزم واصرار كي لا تسقط... كانت تأبى السقوط... فمن يسقط هذا اليوم لن يعينه الآخرون على النهوض! كانت أوراق الأغصان تتهاوى واحدة تلو الأخرى كما تتهاوى أعناق الأبرياء بين فكي مقصلة الظالمين! رفعت رأسي صوب السماء،

فرأيت غيوما سوداء داكنة تتآمر مع الريح... تتوعد ببرقها.... تهدد برعدها.... تحجب نور السماء عن وجه الأرض وتنذر بالمزيد.... تساءلت مع الذات : لماذا النزاع... لماذا الصراع... ومن المستفيد...؟ لماذا تقلع الأصول من جذورها....لماذا تقتل البراعم في مهدها... لماذا تقطف الورود من أغصانها....لماذا يضيع حق الوجود !؟... لماذا هذا التجنيّ... ولماذا هامات البواسق تنحني وخفائف الاوراق يرفعها الريح !؟

ولماذا رغم هذا الريح تختنق المبادىء بينما تشتعل الحقائق وتحترق الأخلاق !؟. بقيت أتساءل مع النفس بتعجب وتحسس وانفعال، حتى هبت في داخلي عاصفة هوجاء أشرس من عاصفة الريح ! أحسست بتمرد في داخلي على داخلي وبعنف من نفسي على نفسي وبتراشق محتدم بين الأفكار في عقلي ... سؤال يصفع جواب وجواب يركل سؤال... حتى ضاقت روحي وتململ صبري وتبعثر نظامي وارتج كياني ! كان أقسى الأسئلة وأكثرها ضراوة في ساحة معركة الأفكار هو : لماذا نحن على كوكب كهذا تباينت فيه الثقافات وتعارضت به الأفكار فأصبحنا لا نحتمل بعضنا ولا نحترم الآراء والخصوصيات...؟

حتى صار البريء يقتل فينا والضعيف يهلك معنا والأمانة تسرق عندنا والحقوق تضيع بيننا ! لماذا لا تنقلب العاصفة الى نسيم يداعب وريقات الأزهار وينشد مع صوت العندليب؟ فتزدان المحبة في القلوب بزينة الوان أجنحة فراشة مسافرة الى واحة الأمان والاطمئنان... ولماذا هذه الأمطار الهاطلة في حنق وعنف حتى الفيضان؟ اليس الأحرى بها أن تتوزع بين الواحات اليابسة فتروي الأنهار العطشى وتسقي البذور اليابسة؟

فتخلق أجيالا مرفهة تنمو بعلياء وثقة لتنتج أطيب الثمار.... ولماذا تتكدّس الغيوم هنا فتحجب عنّا نور الشمس وتبقينا في عتمة دائمة؟ ما لها لا تهاجر الى هناك.... كي تقلّ حرقة الشمس قبل أن تحترق الأعشاب والأخشاب.... وبين ضجيج العاصفتين سمعت صوت الذات ينصح ويقول : يا عاصفة الرياح والغيوم... اكشفي عنّا الضر والهموم... خففي الضغط علينا وانشري القسط بيننا وأرحمي ضعفنا وقلّة حيلتنا.... وأنت يا عاصفة الأفكار.... إرحمي أهل الديار.... واجعلي المحبة مقياسا والاخلاق نبراسا والرحمة لباسا.... إرجعي الى رشدك وحكمتك فأنت بيت العلوم والحكمة... إرجعي قبل أن ينتحر التأريخ خجلا... وتموت الجغرافية وجلا....ويعلن الشيطان الأنتصار
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع