اغتيال المقدم محمد مبروك ليس مجرد حلقة فى سلسلة الخسة والندالة والغدر الإخوانى الذى يمنح مظلة لكل تيارات الإسلام السياسى التكفيرية، ولكنه خطوة خطيرة فى سبيل تصفية كل من لديه معلومة تكشف عمالة مرسى وتدين خيانته وتعريه كأول جاسوس فى العالم يحكم وطناً، فالشهيد مبروك كان الشاهد الأول فى قضية تخابر مرسى التى ستلف حبل المشنقة حول رقبته ورقبة تنظيم الضباع الذى لا يعرف إلا لغة الدم،
وحتى لا ننسى كعادتنا المزمنة وحتى نتغلب على الذاكرة السمكية التى تنسى الصياد الواقف على الشاطئ ممسكاً بسنارته وتقع فى نفس الخطأ بشكل يومى وتلتهم الطعم ولا تنقل خبرتها لأجيال السمك، ولذلك فالسمك ليس له تاريخ، والفئران التى تقع فى نفس الفخ بنفس الطريقة ليس لها تاريخ، ولكن المفروض أن الإنسان تميز بذاكرته التى تكتب وتحكى التاريخ، وحتى لا نصبح أسماكاً أو فئراناً، علينا أن نتذكر أن تيار الإسلام السياسى بكل أطيافه والذى فرخه تنظيم الإخوان هو الذى وضع بذرة الإرهاب وأن حادث اغتيال مبروك ليس الأول ولن يكون الأخير،
وحتى لا ننسى كالأسماك والفئران تذكروا تلك السلسلة الجهنمية التى بدأت باغتيال الخازندار وبلغت ذروتها فى أوائل التسعينات، تذكروا أنه فى صباح يوم 22 مارس 1948 خرج القاضى أحمد بك الخازندار من منزله بشارع رياض بحلوان ليستقل القطار المتجه إلى وسط مدينة القاهرة حيث مقر محكمته، وكان فى حوزته ملفات قضية «تفجيرات سينما مترو»، والتى اتهم فيها عدد من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، وما إن خرج من باب مسكنه حتى فوجئ بحسن عبدالحافظ سكرتير البنا وزميله محمود زينهم يطلقان عليه تسع رصاصات فيرديانه قتيلاً، نقفز مباشرة عبر جسور الدماء والخيانة والغدر صناعة الإخوان وأحفادهم إلى يوم 9 أبريل عام 1994 عندما قتل اللواء رؤوف خيرت، مسئول النشاط الدينى فى أمن الدولة، بقنبلة يدوية وهو داخل سيارته،
ومن عجائب القدر أن الجاسوس مرسى أفرج عن قاتله فى رشوة وإكرامية إخوانية لحلفائه الإرهابيين، والتسعينات وما أدراك ما التسعينات، نذكركم سريعاً ببعض الحوادث التى لا يمكن أن نحول أصحابها إلى مجرد أرقام فى حرب الإرهاب المسعورة،
كانت البداية عام 92 باغتيال المقدم أحمد علاء مسئول النشاط الدينى فى الفيوم ثم المقدم مهران عبدالرحيم مسئول النشاط الدينى فى أسيوط وبصحبته نجله محمد الذى يبلغ من العمر ثمانى سنوات، كما أُحرقت سيارة العقيد محمد البدوى مسئول النشاط الدينى بالمنيا وخُطط لقتله لكن المحاولة فشلت. كذلك فشلت محاولة اغتيال اثنين من ضباط مباحث أمن الدولة بالإسكندرية بينهم مسئول النشاط الدينى الذى كان له دور ملحوظ فى قضية «العائدون من أفغانستان» الأولى، ولكنهم نجحوا فى اغتيال مفتش أمن الدولة فى أسيوط العميد ممدوح عثمان وحاولوا اغتيال مفتش أمن الدولة فى أسوان. وبدأت سلسلة من عمليات تنظيم الجماعة الإسلامية ضد ضباط الشرطة فى محافظات الصعيد، بدأتها بأسيوط ثم المنيا فسوهاج فأسوان؛ قتل على إثرها مجموعة كبيرة من قادة الأجهزة الأمنية منهم اللواءات: محمد الشيمى وعبدالحميد غبارة ورفعت أنور وجمال فائق، وكذا العمداء: ممدوح عثمان وشيرين فهمى وعصام الزمزمى، والعقيد مجدى فائق والعقيد أحمد شعلان، بالإضافة إلى عدد كبير من الضباط والجنود، هذه مجرد نقطة فى بحر الإرهاب الأسود للإخوان والجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد وجماعات التكفير التى ترتكب كل هذه الجرائم تحت مظلة احتكار الدين والحفاظ على الشريعة والشرعية، مجرد شرارة لإيقاظ الذاكرة، فلنودع ذاكرة الأسماك والفئران إلى الأبد حتى لا يخدعنا مجرم أو خائن أو مغيب باسم المصالحة مرة أخرى.
نقلا عن الوطن