الأقباط متحدون - أوهام البيعة والخلافة
أخر تحديث ١٩:٠٦ | الثلاثاء ١٩ نوفمبر ٢٠١٣ | هاتور ١٧٣٠ ش ١٠ | العدد ٣٠١٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

أوهام البيعة والخلافة

مؤمن سلام
مع وصول الإسلاميين للحكم فى أعقاب الثورات العربية، بدأت أحلام الخلافة الإسلامية تداعب خيال الإسلاميين من أجل إعادتها للحياة وإعادة إنتاج نموذج الفتوحات والسبي والجواري وليالي الخلفاء المليئة بالخمر والنساء والغلمان والاستيلاء على الأراضى والأموال من البلاد المفتوحة فيتم حل مشكلات الزواج والبطالة والفقر كما يتوهمون.
 
وفى سعيهم القديم الجديد لإحياء الخلافة الإسلامية يستعين الإسلاميين بجملة من الأحاديث التى تنسب للنبي الكريم ليثبتوا أن الخلافة أمر واجب وأن بدون الخلافة يكون المسلمون آثمون والى جهنم سيذهبون، لأنهم لم ينصبوا لهم إماما أو خليفة يحكم الأمة الإسلامية من طنجه إلى جاكرتا ومن غانا إلى فرغانه. 
ومن أمثلة هذه النصوص:
 
( من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) مسلم 4/549 
( الأئمة من قريش) رواة أحمد وأبو يعلى والطبرانى فى الأوسط ورواة البخاري ومسلم بلفظ (لا يزال هذا الأمر فى قريش ما بقى منهم اثنان) أي أن الخليفة يجب أن يكون من قريش ولا أدرى لماذا قريش؟
 
(إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما) رواة مسلم 1853
هذه عينة من الأحاديث التى يستخدمها الإسلاميون والتي لا نعلم أهي صادرة عن النبي فعلا أم أنها من اختراع الفرقاء السياسيين في العصور الإسلامية الأولى عندما كان الصراع على السلطة على أشدة، فكل مطالع لعلم الحديث يعلم أن الفرق السياسية قد دست الكثير من الأحاديث على الرسول الكريم لتعزيز مواقفها السياسية وإثبات أن موقفها هو الموقف الشرعى الصحيح.
 
ويبدوا أن مخترعى هذه الأحاديث في القديم والمتلاعبين بها في الجديد لتأييد مواقفهم السياسية نسوا أن هناك تاريخ يكتب وأن هناك مواقف تسجل تثبت زيف أحاديثهم وهشاشة مواقفهم السياسية والدينية معا، طالما أنهم ربطوا الدين بالسياسة.
 
فمن حقنا أن نتساءل مثلا إذا كانت البيعة لخليفة فرض دينى كما يدعون ومن لم يقم بها مات ميتة جاهلية أى على الكفر، فلماذا لم تبايع السيدة فاطمة الزهراء، بنت رسول الله، أبو بكر الصديق بالخلافة حتى ماتت، وكذلك زوجها على بن أبى طالب لم يبايع أبو بكر إلا بعد موتها. فهل يجرأ هؤلاء على القول أن السيدة فاطمة ماتت ميتة جاهلية لأنها رفضت مبايعة أبو بكر الذي منعها ميراث النبي هل من الممكن أن تضحى بنت رسول الله بدينها من أجل قطعة أرض؟
 
أما سعد بن عبادة الأنصاري وهو الصحابي الجليل والذي بكى الرسول لمرضه والداعي لاجتماع السقيفة "سقيفة بنى ساعده" فور موت النبي. فوفقا للإسلاميين فإن هذا الصحابي الجليل قد مات ميتة جاهلية لأنة رفض مبايعة أبو بكر وعمر حتى مات سنة 14 هـ بل لقد أعلن هذا بصورة صريحة وواضحة فتقول كتب التاريخ:
 
بعث أبو بكر الصديق إلى سعد بن عبادة  أن أقبلْ فبايعْ، فقد بايع الناس وبايع قومك، قال: "لا والله، لا أبايع حتى أراميكم بما في كنانتي، وأقاتلك بمن تبعني من قومي وعشيرتي".
 
وقوله لعمر بن الخطاب " لما ولي عمر لقيه ذات يوم في طريق المدينة فقال: إيه يا سعد! فقال: إيه يا عمر! فقال عمر: أنت صاحب ما أنت صاحبه؟ فقال سعد : نعم، أنا ذاك، وقد أفضى إليك هذا الأمر، كان -والله- صاحبك أحب إلينا منك، وقد أصبحت كارهًا لجوارك. فقال عمر : إنه من كره جوار جاره تحول عنه. فلم يلبث إلا قليلاً حتى انتقل إلى الشام، فمات بِحوران".
 
فإذا كانت البيعة والخلافة فرض كما يدعى المدعون فلماذا لم يبايع هذا الصحابي الجليل خير الأمة بعد الرسول أبو بكر وعمر بالخلافة؟
ثم ننتقل بعد ذلك لعلى بن أبى طالب وهنا سنجد عدد كبير من الصحابة رفضوا بيعته وخلافته بل ليس مجرد رفض كما فعلت فاطمة ولا معارضه بالكلام كما فعل سعد بن عبادة بل أشهروا السيف في وجهه وقاتلوه في الجمل وصفين حتى انتهى الأمر بقتله. فهل هؤلاء الصحابة الذين لم يبايعوا الإمام علي بل وقاتلوه ماتوا ميتة جاهلية؟
 
وسوف أتوقف هنا لأن التاريخ الإسلامي مليء بمواقف رفض البيعة وعدم الاعتراف بشرعية الخليفة والتي تملأ مجلدات وليس مقال، منذ معاوية وحتى نهاية الخلافة. فهل كل هؤلاء الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وحتى إنتهاء الخلافة ممن رفضوا المبايعة والخليفة هم من الكفار الذين ماتوا على الجاهلية كما يدعى الإسلاميون؟
 
الحقيقة أن الإسلاميين قد خلطوا عن جهل أو عن قصد، فالله أعلم بالسرائر، بين أن يتكلم الفقهاء عن تنصيب حاكم للدولة كضرورة من ضرورات العمران البشري وبين الخلافة كمنصب ديني.
 
ونستطيع أن نرى بوضوح أن كلام الفقهاء عن نصب إمام كان يقصد به الحكام بالمعنى العام الذي لا يستطيع أي مجتمع أن يعيش بدونه وليس الخليفة بالمعنى الذي يستعمله الإسلاميون باعتباره حاكم واحد لأمة واحدة من طنجة إلى جاكرتا. نرى ذلك بوضوح في رد الفقهاء على عبد الرحمن بن كيسان الذي قال بعدم ضرورة تنصيب إمام، فإن من يقرأ كلام الرجل سيجد أنه لا يعنى بالإمام المعنى الديني ولكن يقصد تنصيب حاكم بالمعنى العام، فالرجل واضح أنة كان يؤمن باللاسلطة (الأناركية) بمصطلحات العصر الحديث وبقدرة المجتمع على العيش بدون سلطة. ويرد الفقهاء علية ليثبتوا ضرورة تنصيب إمام ولكن أيضا لا يقصدون الإمام أو الخليفة بالمعنى الديني الذي يستخدمه الإسلاميين بل بمعنى الحاكم الذي لا يخلوا اى مجتمع بشرى منه.
 
فالإجماع على نصب إمام أو خليفة لا يقصد به المعنى المستخدم الآن، أي سلطة واحدة تحكم دولة واحدة من غانا إلى فرغانه ولكن يقصد به المعنى السياسي الاجتماعي وهو السلطة التى لا يستطيع أي مجتمع أن يعيش بدونها.
 
وما يؤيد وجهه نظرنا بشكل قاطع هو غياب أي نص ديني قطعي الثبوت قطعي الدلالة عن الإشارة لنظام الحكم أو لمنصب الخلافة، فلو كان هذا الأمر من أمور الدين لما أغفلة الله في قرأنه ولكن تركة للناس.
 
فالخالق في عليائه يعرف أن أمور الحكم والسياسة هي أمور نسبية تتغير عبر الزمان والمكان ولذلك لا يمكن حصرها بنصوص مطلقة ثابتة.
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter