تعبير " الدولة الفاشلة " – في تقديري - لم يعد ينطبق علي مصر .. لإن هذا المصطلح يفترض " الدولة " أولا حتي تفشل، بينما أصدق تعبير عن الحالة المصرية هو ما حمله (مانشيت) " جريدة الوطن " : " مصر .. قطار بلا سائق "، تعليقا علي قتل قطار " دهشور " 27 وإصابة 36 من عائلة واحدة (قبطية)، في نفس اليوم الذي أغتيل فيه (علي أيدي جماعة إرهابية) المقدم " محمد مبروك " المسؤال عن ملف الإخوان المسلمين بالأمن الوطني والذى حرر محضر التحريات فى القضية المتهم فيها الرئيس المعزول محمد مرسي (بالتخابر)!
هذه " الفوضي " وهذا الخراب المستشري في بر مصر يشير إلي أن " الغلبة " – في الأمد المتوسط علي الأقل – سوف تكون للجيش، حيث يتبني الجنرالات استراتيجية " كل شئ أو لا شئ ". أما ما يجري من (تمثيليات) في لجنة الخمسين لصياغة الدستور الجديد أو ما بات يعرف بدستور " عمرو موسي " فهو (ترضية) لبعض التيارات الدينية وغيرها من أجل الموافقة علي منح صلاحيات أكبر (حصانة) للقوات المسلحة، مثل ملاحقة (المدنيين) ومحاكمتهم أمام محاكم عسكرية مع عدم ملاحقة " الجنرالات " قضائيا، فضلا عن تأسيس (امبراطورية اقتصادية ضخمة) دون حسيب أو رقيب من الشعب، مما سيؤدي إلي قيام حكم " ديكتاتوري " أكثر صرامة مما كان علي مدار ستين عاما (1952 – 2012)!
" المشكلة الأحدث " في دستور عمرو موسي هي إن هذه " الصلاحيات الخاصة " للقوات المسلحة فتحت شهية القوي الأخري، وبدأ مزاد (المطالب الفئوية) والمصالح الشخصية وصار (تمرير مادة) للمحامين وأخري للصحافيين أو إلغاء مجلس الشوري أو تفصيل قوانين للانتخابات القادمة علي مقاس الأحزاب الكارتونية التي لم يسمع بها غير أصحابها، هو كل ما يتمناه معظم أعضاء لجنة الخمسين الموقرة، وكأن الالتفاف حول " السلطة " وليس " الوطن " هو أبرز ملامح هذا " الأوكازيون السياسي "! لكن يبدو أن الأمر علي (المدي الأبعد) في مصر – وكما هو مخطط له بعناية – لن يكون لصالح " الجنرالات "، فقد وقع الجميع في (فخ الغرب) ومثلما فشلت الأنظمة العسكرية (شبه العلمانية) في القرن العشرين في (تسوية مقبولة) بين ثوابت الدين ومفاهيم الحداثة(المتجددة)، ستعاود الكرة من جديد طالما ظلت (شبه علمانية) .. المتغير (الجديد والخطير) هو إن الغرب حين ساند (الإسلاميين) في أعقاب ثورات ما يعرف (بالربيع العربي) عام 2011 " دق أكبر اسفين " بين (النظم العسكرية) في البلدان العربية و(الإسلاميين)، حيث لم يعد الإسلام السياسي بمختلف تنويعاته (يعادي الغرب) ولا حتي (الصهيونية العالمية) بقدر ما يعادي (النظم العسكرية – السياسية) التي تنكبت عن (الدين القويم) وأقصتهم عن الحكم بما أنزل الله!
الحالة المصرية ليست فريدة وإنما هي جزء من دراما إقليمية حيث أصبح الصراع الداخلي في معظم هذه البلدان علي (شكل الاستبداد) وليس علي علي (مضمون الديمقراطية)، فإما الدكتاتورية العسكرية أو الفاشية الدينية ولا يوجد طريق ثالث غير (الفوضي)، التي تغير (الآن) موازين القوي الداخلية لصالح شكل معين (يتخلق أمامنا) من الاستبداد الجديد.
بيد أن هذه التغييرات الداخلية التي سوف تشهدها المنطقة (تباعا)، يجب أن تقرأ علي شاشة أكبر، لأنها جزء لا يتجزأ من تشكيل (المحاور الجديدة) في الشرق الأوسط، فضلا عن كونها أبرز تجليات عملية (إعادة هيكلة) الفضاء الجيو- سياسي للعالم في القرن الحادي والعشرين. ولا أستبعد (دول الخليج الغنية) من ذلك .. فلم تعد إيرادات النفط العالمية قادرة علي إخماد " تذمر " المواطنيين من انعدام الحريات المدنية، وربما يمثل تحدي المرأة السعودية للحظر علي قيادة السيارة أحدث هذه المظاهر الاجتماعية. فقد تخلت الولايات المتحدة بالفعل عن أغلب النظم السياسية التي كانت تدعمها في السابق، ولم تعد (تأبه) بالتدخل في سياسات بلدان الشرق الأوسط عن طريق (فرض الديمقراطية) أو الانحياز لطرف علي حساب الطرف الآخر، وإنما أخذت تبتعدعن هذه المنطقة (الخطرة) المهددة بالانفجار في أي لحظة. وحسب " سوزان رايس " مساعد الرئيس الأمريكي لشئون الأمن القومي ونقلا علي لسان " أوباما " تفسه : " فإننا نخطو خطوة للوراء ونقيم مجددا تصوراتنا حول الشرق الأوسط "
نقلا عن ايلاف