بقلم : د.صبرى فوزى جوهره
قصة من كتاب المطالعة الفرنسية قرأتها عندما كنت فى مرحلة الدراسة الابتدائية تحدثت عن ثعلب عجوز خرج للنزهة فى الحقول فجذبت انتباهه عن بعد كرمة جميله وارفة فسعى اليها حثيثا واعدا ذاته باكل شهى وفير. و عندما اقترب منها اشتد اشتياقه لحبات العنب الناضج المكتنز المتدلى من عروق الكرمة العالية, وازداد اصراره على الافادة من هذه الفرصة النادرة و الاستمتاع بلذة طعام حلو المذاق مفضل لديه. عائق واحد بدى له سريعا وهو ان العناقيد المحملة بالثمار الشهية كانت جميعها محملة على عروق الكرمة العالية. لم يفت ذلك من عضده, فقرر القفز الى اعلى بعزم شديد لعله يستطيع ان ينال مبتغاه. و لكنه فشل فى الوصول الى العنب. اعاد القفز و كرر الوثب مرات عديدة بائت كلها بالفشل حيث انه لم يكن على علم بعد بمقولة البرت اينشتاين التى اشرت اليها فى مقالى الاخير الذى نشر فى هذا الموقع بتاريخ الثالث من نوفمبر لهذا العام تحت عنوان "ليس الدين وحده هو افيون الشعوب" والتى تقول ان قمة الغباء هى ان يعاود انسان نفس الاسلوب و يتوقع نتائج مغايرة. لم يكن ثعلبنا العتيد على علم بهذه الحقيقة البسيطة, فعاود القفز مرات و مرات حتى انهكت قواه تماما و لم يجد بد عندئذ من التخلى عن محاولة الحصول على العنب. توقف قليلا ليلتقط انفاسه السريعة, ثم نظر الى العناقيد شامخة العلو مدعيا الازدراء و قال: لست ادرى لما كانت كل محاولاتى هذه للحصول على مثل هذا الحسرم المرير.
تذكرت هذه القصة بعد سنوات عديدة عندما قرأت مقال الاستاذ منير بشاى, ذلك الصديق العزيز و القبطى الغيور ذو الباع الطويل فى مجال الكفاح فى سبيل استعادة حقوق الاقباط المغتصبة فى وطنهم. كان الاستاذ منير قد تمثل فيما كتب بكلمات جمال عبد الناصر, المغتصب الاول والفاشل الاعظم فى تارخ مصر الحديث التى دعى فيها الى "وحدة الهدف" بعد ان فشل فى تحقيق "وحدة الصف". قليلا جدا ما اختلف مع افكار الاستاذ منير, و لكنى استأذنه فى الخلاف مع رأيه الاخير.
ليس هناك قبطى واحد على قيد الحياه, بين الملايين التى لا يعرف حقيقة اعدادها سوى الله, لا "يوافق" على "الهدف. فمن من القبط بمن فيهم المدعون و خونة القضية و المنتفعون والمنافقون و لاعقى الاحذيه و قبحاء الخلقة و الخلق الذى يخالف الرأى الجمعى فيما يتعلق "بالهدف"؟ فعلى سبيل المثال لا الحصر, يتفق الجميع بلا استثناء ان اقباط مصر واقعون تحت اضطهاد مزمن ممنهج قبيح منذ ما يقرب من خمسة عشر قرن و انهم "يهدفون" الى رفع هذا الاضطهاد و يشاركهم فى هذا الرجاء عدد من المصريين المسلمين. كذلك ليس هناك قبطى واحد لا يرجو فى قرارة نفسه الغاء المادة الثانية من الدستور المصرى و ان كان الكثيرون منهم لا يفصحون عن هذا علنا اعتقادا منهم باستحالة تحقيق هذا الامر تحت الظروف الراهنة. كذلك ليس هناك قبطى واحدلا ينتفض غضبا و توجسا من الرضوخ لشريعة بالية متهالكة لا يتفق على محتواها و معناها مسلمان موحدان بالله من المليار مسلم المنتشرين فى اركان الارض. كما ان ليس هناك قبطى واحد يرتضى لذاته وضع "الذمية" تحت "ذمة" ناس ما عندهمش ذمة و لا يستطيعون الدفاع عن انفسهم ناهيك عن الدفاع عن اقباط لا يحملون تجاههم مشاعر الود. و يمكننا القياس على ما سبق عند مراجعة كل "هدف" من اهداف الاقباط المعلن عنها تكرارا وللجميع.
"وحدة الهدف" اذن متوفرة لم ينسخ و لم يستبدل منها جزء او كل, هى تامة الوضوح فيما تضمر و تعلن دون حاجة الى اجتهاد او تفسير او جدال او تأويل او محاولات الترقيع و الرتق و الموائمة و الالتفاف حول نقائص او افكار عدوانية بالية لا تصلح لهذا الكوكب فى مثل هذا الزمن.
فماذا عن "وحدة الصف"؟ هل يعنى فشلنا المذرى فى تحقيقها الى الان ان ليس لنا حاجة بها؟ لا اعتقد ذلك. فما كنا لنبدو بمثل هذا الوهن و قلة الحيلة و المهانة امام حثالات الكارهين و السلفيين و الاخوان المسلمين و المتآمرين من اغبياء السياسة الدولية و غيرهم لو كان لنا صوت موحد قوى مسموع على النطاق العالمى يشكل و يصب "الهدف" فى قالب واضح واثق الحجة قوى المنطق لا ريب فيه يزيد من وزن الاقباط داخل مصر و خارجها, يحتسب دائما بعين الاعتبار حيث ان فى مقدوره ان يؤثر على نتائج الانتخابات فى مصر ان شاء لها ان ترى انتخابات حره فعلا فى يوم ما, وفى الولايات المتحدة راعية المطززين و الخونة فى مصر, و يهيئنا للتعامل بذكاء و فاعلية مع ما يستجد من احداث متوقعة و غير متوقعة فى المحيط المحلى والاقليمى و الدولى مستقبلا بمقدره تفرض احترامنا و الانصات و الاستجابة لوجود القبط على الاعداء قبل الاصدقاء. هذا بالطبع الى جانب المشاركة فى تحسين اوضاع الاقباط المادية و السياسية داخل مصر و اضفاء الشعور بالثقة عليهم لمواصلة الكفاح و الحفاظ على ما قد يكتسب من الحقوق و الاحساس بانهم ليسوا كاليتامى على مائدة اللئام.
و لن اتحث هنا عن حتمية وجود كيان مدنى عالمى يساعد و يشارك فى الحفاظ على هوية الاقباط فى بلاد الانتشار (الدياسبورا) ان كان لهم ما يريدون الحفاظ عليه. و فى اعتقادى الشخصى ان هناك الكثير مما يجب و يسعى الكثير من اقباط الخارج للحفاظ عليه من التراث و الهوية.
اما عما يحدث فى مصر الان فالموضوع يتعلق بالشعور بالنخوة و العزة و رفض المذلة و التمسك بالحق فى ارض وطن كان لنا اولا و قبل غيرنا, اثبتت الايام اننا اخلص الابناء اليه بالرغم مما نعانيه منه و فيه
ملخص القول: الهدف "موحد" و الحمد لله, فهل نسعد بما "ننعم" به الان و تستسلم الى نوم عميق و سبات الغيبوبة و لا نحاول "توحيد الصف" ربما باساليب جديدة حتى لا نقلق روح اينشتاين فى السماء؟
ربما كان من الاجدر بنا ان نبحث عن هذه الطرق الجديدة لتوحيد الصف بدلا من التمثل باقوال طاغية فاشل كمم افواه الرجال و استحوذ على ثروات الاقباط و مهد السبيل لمن تبعوه من المهرجين و الفاشلين و السارقين و الخونة للاستمرار فى اذلال القبط و دفع مصر بثقلها كاملة الى جحيم ينفرط فيه الصف و يتبخر الهدف.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع