حتى لا نتوه
الثورة المصريه واليمين المصري ... ببساطه
سوف أعيد مقدمة مقالي السابق على صفحتي ، عن الثورة المصرية واليسار المصري ، في مقدمة هذا المقال لإرتباطها الوثيق بنفس الموضوع ، وهي أن التيارات السياسية تتنوع مابين تيارات يسارية و تيارات يمينية ، ويتم هذا التصنيف على أساس القرب أو البعد عن قضايا العدالة الإجتماعية ، أو نصيب الفقراء من الثروه وعمليات التنميه ، فكلما كان التيار السياسي أقرب للعدالة الإجتماعية كان أكثر قربا من اليسار ، وبالعكسن من ذلك كلما كان التيار السياسي أكثر قرباً من النظام الرأسمالي والسوق الحر كان أكثر يمينية . وهذا تعريف علمي وعالمي وليس ذماً أو مدحاً في أحد ، وتصنف على أساسه كل أحزاب العالم . مع حفظ الألقاب لجميع الأسماء الوارد في هذا المقال ..
والحديث هنا عن التيار السياسي الثاني في مصر وهو التيار اليميني ، ويخضع لنفس المعيار ، فهناك يمين ديني راديكالي ( أي أقصى اليمين ) ويؤمن بشكل كامل بالنظام الرأسمالي والسوق الحر ، الذي يحقق مصالح الطبقة الرأسماليه بشكل مطلق بدون أي إلتفات لحقوق الطبقات الأخري إلا بالحسنات والصدقات ، ولا يؤمن بأي حقوق إقتصادية أو إجتماعية للفقراء ، ولا يؤمن بالحريات السياسية إلا لتوصيلهم إلى السلطة ثم ينقلبون عليها ، لإيمانه بأنهم خلفاء الله على الارض ، وبأنهم ينفذون أوامر الله ، وأن مبدأ السيادة للشعب يتعارض مع هذه المعتقدات ، ولا يبالون بحقوق الإنسان ، فجميع حقوق الإنسان مقيدة بما لا يعارض شرع الله كما يكررون في كل شيء ، وكذلك لا يؤمنون بحرية الفكر والعقيدة ، وهم طائفيين بإمتياز بالنسبة للمختلفين معهم في الفكر أو العقيدة أو حتي في المذاهب الدينية لنفس الدين ، وموقفهم من الإستقلال الوطني يشوبه كثيراً من علامات الإستفهام لتعارض ذلك من فكرة الخلافة التي يؤمنون بها ، فهم أصلاً ضد فكرة الأوطان ولو أظهروا غير ذلك ، لأن ما يؤمنون به يتعارض حتما مع هذه المسائل الوطنية ، ويمثل هذا التيار حزب الحرية والعدالة و تنظيم الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والتيار السلفي وجميع التنظيمات الجهادية .
والأمر الغريب أن هذا التيار القابع على صدورنا منذ أكثر من ثمانون عاماً ، لم ينجب مفكراً واحداً ، أو أديباً واحداً ، أو شاعراً موهوباً واحداً ، أو كاتباً مميزاً او موضوعياً واحداً ، أو فناناً حقيقياً واحداً ، وذلك لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا ، وهي في كل الأحوال ظاهرة تستحق التأمل والدراسة .
ويوجد تيار يميني محافظ ( يتخذ شكلاً مدنياً ) ، وهو تيار يميني راديكالي أيضاً أي ( أقصي اليمين ) ، وهذا التيار يغلب عليه الرغبه في المحافظة على الوضع الطبقي والسياسي والإجتماعي كما هو سائد دون تغيير ، ويرتبط هذا التيار إرتباطاً وثيقاً بالفساد الناتج عن الزواج بين السلطه والثروه ، ولذلك يعارض دائماً أي تغيير حتى ولو كان في شكل النظام السياسي للحكم ، وينتمي لهذا التيار غالبية المنتفعين من الأنظمه السابقة ، وتتمركز في أيديهم كل ثروات مصر ، وينتمي لها كل رجال الأعمال المحتكرين للأنشطة الإقتصادية في مصر ، وكبار الملاك العقاريين ، وأصحاب الثروات الطائلة ، وكبار تجار السلاح والمخدرات والسماسرة ، و ايضاً هؤلاء الذين يطلق عيهم مليونيرات أو مليارديرات دون ذكر نشاطهم أو وظائفهم ، وجميع رموز النظام السابق المتعاقبين ، وجميع أباطرة المحليات ، وهو ما أطلق علية بعد الثورة ( باليمين الفلولي ) ، وهو لا يختلف عن اليمين الديني إلا أن هؤلاء يفضلون ( الجلباب واللحية والمسبحة ) وهؤلاء يفضلون ( البدلة والقبعة والسيجار ) ، ويعتبر كلاً منهم سبباً رئيسيا في وجود وتغول الآخر ، فقد كانت سياسة السادات في بداية السبعينيات بإطلاق اليمين الديني الطائفي ليعمل ضد كل فصائل اليسار المناهض لسياساته ، سببا رئيسيا في تغوله بعد ذلك لدرجة قتله هو شخصيا في وسط جيشه وأمام أعين عشرات الأجهزة الأمنيه التابعة لنظامه . وكذلك كان وجود هذا التيار الظلامي والهمجي والرجعي سبباً رئيسياً في حالة الفراغ السياسي التي تعيشه مصر ، مما أتاح الفرصة لليمين الفلولي أن يغتصبوا مصر وينهبوها لأكثر من أربعون عاما ، بحجة أن البديل هو الإرهاب والطائفية ، واصبح بحكم المصالح المشتركه ، كلا منهم ظهيراً للآخر ، وبديلاً له عند سقوطه ، ليأتي الآخر مكانه يطبق نفس السياسات ويخدم نفس الطبقات ، و يعتبر هذا أحد أهم المعوقات الكبرى لتحقيق أهداف الثورة المصرية . وينظر اليمين الفلولي للديمقراطية على انها ديكور يجمل بشاعته ويبعد عنه انتقادات دولية هو في غنى عنها ، وليجنب أصدقائه الاستعماريين الجدد الحرج أمام الشعب المصري وأمام المجتمع الدولي ، وهو صانع كل ماتعيشه مصر من كوارث ومآسي وبؤس وتخلف وجوع و مرض ، وهو تيار التفريط في السيادة الوطنية والإستقلال الوطني لصالح الأمريكان والصهاينه وحلفائهم الإستعماريين الجدد . وكان يمثلهم الحزب الوطني المنحل ، ولم يتبلور لهم احزاب مستقرة حتى الآن ، ولكنهم القوة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ذات التأثير الأكبر في أغلب نواحي الحياه في مصر .
ويشكل اليمين الراديكالي ( اليمين الديني واليمين الفلولي ) ، ثنائية النظام الحاكم قبل الثورة ، فهذا له السيطرة على السلطة ، وذاك له السيطرة على الشارع ، وذلك بإتفاق ضمني غير معلن ، وهو ما قامت الثورة المصرية ضده ، وكان من المفترض انها تخلصت منه لتحل نظاماً جديداً يحقق أهداف الثورة المصرية ، وهي العدالة الإجتماعية والحرية والإستقلال الوطني .
ويوجد أيضاً تيار ليبرالي يميني ، وهو يؤمن بالنطام الرأسمالي الحر ، ولكن هذا التيار يرغب في إصلاح النظام بما يتناسب مع المنظومه العصريه والقيم العالميه من ديمقراطية سياسيه تسمح بتداول السلطه ، والحفاظ على حقوق الإنسان ، وتطوير طبيعة العمل السياسي بحيث يكون مدنياً حديثاً ، ويؤمن بحق التظاهر والإضراب ، ولكن من منطق التنفيس وتفادي حدوث إنفجارات شعبيه ، وأيضا لإيمانه بان تحسين ظروف العمال يؤدي لزيادة الإنتاج ، وكذلك يؤمن بأن محاربة الفساد تقلل من تكاليف الإنتاج ، وتحسن ظروف المنافسه في الأسواق المفتوحة طبقا للإتفاقيات التجارية ، كإتفاقية الجات وغيرها ، ويؤمن بتطوير التعليم ، وتحسين الرعاية الصحية ، وتطوير منظومة التأمين الصحي ، ويتخذ من الأنظمه الأوروبيه نموزجاً له ، وأيضا يؤمن بتتطوير التعامل معها للإستفادة من تجربتهم في التطور العلمي والتكنولوجي ، ويؤمن بالشفافية في الحكم والإدارة ، ويهتم بقضايا التنوير في المجتمع . ولكن يظل هذا التيار بعيدا عن الحقوق الإقتصادية والإجتماعية للفقراء ، ويعبر هذا التيار عن قطاعات واسعه من الرأسمالية المصرية ، وبعض الشرائح العليا من الطبقة الوسطى ، وأهم من يمثلهم حزب الوفد ويرأسه السيد البدوي ، وحزب المؤتمر ، ويرأسه عمر موسى . وكان لهذا التيار دور واضح في الموجة الثانية الكبري للثورة المصرية في 30 يونيو 2013م .
ويشكل التيار اليميني الديني الراديكالي ، والتيار اليمين المحافظ الراديكالي ، والتيار الليبرالي اليميني ما يسمى ( التيار اليميني المصري ) .
ويوجد تيار ليبرالي وسطي ، وهو يؤمن بفكرة تنمية الديمقراطية في السياسة كما في المجتمع ، بما يعني العمل على اعادة توزيع الثروة لصالح العمل والعاملين في ظل اقتصاد السوق الحر ، ويتبنى مواقف أكثر تقدمية من اليمين المتطرف واليمين الليبرالي في قضايا الحرية بكل معانيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، بمكافحة الاحتكار الاقتصادي ، وتشجيع الصناعات المتوسطه والصغيرة ، وفرض الضرائب التصاعدية ، ومنح إعانات بطالة لمدة مقابل تدريب تأهيلي ، ويطالب بإلغاء دعم الأغنياء وخاصة في مجال الطاقة ، وتوفير الخدمة الصحية وعمل مظلة تأمينية لكل المصريين ، وتشجيع الاستثمار ، ويعمل مع القوى الثورية ، والقوي اليسارية ( الاشتراكية والقومية) في مسائل كثيرة مثل الحريات العامة وحقوق الإنسان وقضايا التنوير ، ويرغب في بناء دولة ديمقراطية حديثه على النموزج الغربي ، ويؤمن بالشفافية في في الحكم والإدارة . ويعبر هذا التيار عن الطبقة الوسطى و طبقة الرأسمالية الوطنية المصرية ، وكان هذا الفصيل من التيارات الرئيسية التي شاركت في الثورة المصرية بموجاتها الكبرى في 25 يناير2011 و30 يونيو 2013 م ، وطوال هذه الفترة كان له إسهامات في تصويب مسار الثورة ، و أهم من يمثلهم حزب الدستور ويرأسه سيد قاسم المصري ، ويضم شخصيات عامه مثل احمد البرعي ، و بسنت فهمي ، وجورج اسحق ، وباسل عادل ، وجميلة إسماعيل ، وكمال عباس ، وأسسه محمد البرادعي مفجر وأيقونة الثورة المصرية بموجاتها الكبرى في 25 يناير 2011م ، و30 يونيو 2013م ، وتواصلها ايضا ً . والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي ، و يرأسه محمد ابو الغار ، وبه شخصيات عامه مثل حازم الببلاوي ، و مرفت التلاوي ، و زياد بهاء الدين ، و محمد نور فرحات ، و فريد زهران ، و زياد العليمي ، و باسم كامل . وهناك ايضاً حركة 6 ابريل وهي حركه شبابية ليبرالية وسطيه ويعبر عنهم احمد ماهر.
ويشكل التيار الليبرالي اليميني ، و التيار الليبرالي الوسطي ، ما يسمي (التيار الليبرالي المصري) ، ويجمعهم التمسك بالديمقراطية السياسية ، ومحاربة الفساد بكل أنواعه ، وكذلك محاربة الاستبداد ، والدفاع عن حقوق الإنسان ، وحقوق المرأة ، والدولة المدنية الحديثة ، واستقلال القضاء ، وتطوير الأجهزة الأمنية بما يتناسب مع مفهوم الدولة العصرية ، والإسهام في جميع مجالات الثقافة ، و قضايا التنوير ، ويتفق التيار الليبرالي المصري ، مع القوة الثورية ، واليسار المصري ، في جميع هذه القضايا ، وهو تيار سياسي أساسي في المعادلة المصرية الجديدة ، وأحد أهم مكونات الثورة ، بصرف النظر عن التباين السياسي أو الفكري مع القوى الثورية أو فصائل اليسار ، في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفقراء ، لأن الديمقراطية التي إختارها الشعب المصري لتحقيق أهداف الثورة وهي ( العدالة الإجتماعية والحرية والإستقلال الوطني ) ، تقتضي أن يكون هناك تناقس بين جميع مكونات الشعب المصري ، بالشروط التي تلتزم بها جميع ديمقراطيات العالم . وهي الحفاظ على مكونات الدولة العصرية الحديثة والمدنية والديمقراطية ، والإلتزام بقواعد الديمقراطية كاملة ، والا يكون الفكر أو الممارسة السياسية طائفية أو عنصرية أو انقسامية أو تكفيرية ، وعدم إستخدام العنف في فرض الأفكار والآراء ، ناهيك عن الإرهابيين ، إضافة الي هؤلاء المدانون في قضايا فساد أو قتل أو إفساد للحياه السياسية .
وينتمي للتيار الليبرالي المصري ، كثيراً من المفكرين والمثقفبن والأدباء والشعراء والفنانين والشخصيات العامه ، غير المنظمين داخل أحزاب ، ويعبرون عن أفكارهم وأرائهم بالطريقة التي تناسبهم .
وينتمي أيضاَ لهذا التيار الليبرالي رموز تاريخية كبيرة ، ففي السياسة مصطفى كامل وسعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وفؤاد سراج الدين ، وفي الفكر طه حسين وسلامه موسي و لطفي السيد ولويس عوض ، وفي الأدب نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ، وفي الفقة جمال الدين الأفغاني ورفاعه الطهطاوي وعبدالرحمن الكواكبي ومحمد عبده وعلي عبدالرازق ، وفي الاقتصاد طلعت حرب . وهم بالكثرة التي يستحيل معها حصرهم ، حيث ينتمي لهذا التيار أغلب قادة الفكر والثقافة والأدب والتنوير في مصر منذ بدايات القرن الماضي وحتى الآن .
ملحوظة :
1 ــ هذا المقال ليس حصراً للأحزاب اليمينية ، أو الليبرالية ، فهي أكثر من ذلك بكثير ، ولا تقييم لها ، ولا إنحياز لأحدهم ، ولكن هو مجرد وصف لواقع كما أراه ، وسوف يكتمل هذا الوصف بملاحظاتكم وتعليقاتكم على المقال .
2 ــ هذا المقال إستكمالاً لمقال سابق لي ، على صفحتي ، عن الثورة المصرية واليسار المصري ، والمقالين مجرد محاولة لتوضيح الصورة عن ( الثورة المصرية و التيارات السياسية المصرية ) ، وأتمنى من الله أن أكون قد وفقت فيما قصدت .
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع