الأقباط متحدون - الشهادة بين أحضان الوطن
أخر تحديث ٠٧:١٤ | السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠١٣ | هاتور ١٧٣٠ ش ١٤ | العدد ٣٠١٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الشهادة بين أحضان الوطن

ارشيفيه
ارشيفيه

 بقلم: مينا ملاك عازر 

أحب بلاده حتى الثمالة رغم أنها لم تعطه ما أعطته لآخرين، قرر خدمتها بكل ما يستطع من قوة وقدرة رغم آلامه واحتياجاته واحتياجات أسرته له، تغاضى عن هذا كله وانخرط في خدمة بلاده، جاء الانخراط في خدمتها متزامن  مع تطهر بلاده من حكام دمويين لم يقبلوا بحكم الشعب فاختاروا الإرهاب وسيلة لردع شعباً لم يردعه مئات الأعداء، فصار مستهدفاً من كل سيارة مفخخة، وكل ملثم بلثام الجبن والندالة، قد يحاولوا قتله أثناء خدمته أو في أثناء عودته لأهله، قد يسفكو دماءه دون رحمة ولا شفقة، لا لشيء إلا لأنه في نظرهم كافر، أحلوا دمه وروحه وبرروا إعدامه دون محاكمة، لا لشيء إلا لأنه ارتدى يوماً زي خادم  الوطن فنجحوا أخيراً في قتله ونثر أشلاؤه على رمال الوطن، فبكته أمه ونعاه أباه، وتألم لذلك قادته التي لم تأل جهداً لتأمينه، ولكن يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة، ولما مات نقلوه إلى مشرحة المستشفى، ولكنه لم ينقلو دمه الذي بقى على الرمال الصفراء فاستحالت حمراء، وكأنه مات حباً في الوطن، فاستحق الشهادة بين أحضانه.

شهادة لا يمنحها أحد على الأرض له، لكن منحها له الخالق الذي خلقه لأنه رأى فيه البراءة، رأى فيه عدم الاستحقاق أن يموت هكذا رغم أنها إرادة الله نفسه، لكنه حين ارادها كانت يريد منها راحة من أرض زائلة، وحياة فانية لن يحصد منها إلا الشقاء وغيره يحصد منها الرخاء، فضمه إلهه العادل إليه، وسأله ماذا تطلب فطلب لبلاده الراحة والأمان ثم طلب لنفسه الانتقام ولأسرته الصبر والسلوان فأجابه ربه لطلبه فاستراح ونام بين أحضان الأرض في طمان دون أن يسأل متى سيقضي الله أمراً كان مفعولا لأنه يثق في عدل الله ورحمته، يثق في أنه لم يكن يستحق تلك الموتة غير أن وطنه يستحقها، فلم يضن على وطنه بها حتى سمعنا أبوه يقولها لوزير الدفاع، فداك أنا وابني بغض النظر عن مدى صدق الوالد لكن من منا يضن بحياته على وطنه إن كان يحتاجها.
كل المصيبة في أن وطنه لن يستفد من تلك الموتة إلا إذا كانت دافعاً لمن بقوا على قيد الحياة للانتقام والقصاص العادل الناجز، المريح الشافي لقلوب مكلومة، فهل يثأر الوطن لدماء أبناءه؟ هل ينتقم الجنود والضباط لدماء أخوانهم؟ هل ينتفضوا ويفعلوها؟ وإن فعلوها يتموها أم تكون هبة مقاتلين لا تستمر طويلاً، ويفلت الفعلة بجريمتهم.

عزيزي القارئ، لا اقصد فيما تقدم من كلام فقط من ماتوا في أوتوبيس الجنود، ولا من أُصيبوا في كمين الشرطة، ولا من على شاكلاتهم، ولا من استشهد متجهاً من بيته لعمله مساءاً ولكن أيضاً أقصد كل من خدم الوطن حتى وإن استشهد وهو عائد من فرح، فننساه الكل بعد مرور الزمن، وتركوا غيره يسقط بنفس يد الغدر والإهمال والتقصير والجهل والتكفير. نعم تألمنا  لاستشهاد جنود الجيش والشرطة، ومن قبلهم  المدنيين من الشعب الذين ماتوا أيضاً في أوتوبيس، لكن لافرق أن أولائك ماتوا تحت عجلات قطار لم يحمهم أحد منهم، وهؤلاء استشهدوا بين براثن عدو لم يستطع أحد أن يرحمهم منه.
المختصر المفيد لم يبق كثيراً من الدماء المصرية لتراق، فكفانا إراقتها وهيا بنا نحترمها.
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter