الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠١٣ -
٢١:
٠٧ ص +02:00 EET
ارشيفيه
بقلم : نوري إيشوع
أختليتُ بنفسي في زاويةٍ خاوية، رافقتني كآسيّ البيضاءَ ذات الصفاء، لا تجامل لا تعرف أبداً الكذبَ و الرياء، قابلتُ بها نفسي وجهاً لوجهٍ، بعيداَ عن عالمنا الأرضي المرعب، أنعزلتُ بعيداً بعد أن أرتشفني كآسٍ دون هوادة، كأساً أنيساً، إعاد لي الذاكرة التي أفقدتنا إياها مشاغل الحياة اليومية ومتاعب أختراعات البشروحيوانية، صحوتُ من غفوتي السرمدية، مرت بي الذاكرة كشريطٍ سينمائي الى غابة إنسانية موحشة، أديان شيطانية، تبيح القتل على الهوية، سادة تقدم الطفولة أضاحي للسادية، شرائع تنتهك الأعراض تحت إسماءٍ إلهية، أسلحة فتاكة تجتاز الحدود بقرارات أممية و تقدم للسفاحين كهدية، بنوك تفتح أبوابها دون جوازات سفر لهاتكي أعراض المحصنات كحيوانات هائجة، غازية كذئابٍ وحشية، تدمر الحضارة، تحرق الربيع و تحول السهول الى صحارى، تزغرد للقتل و تعقد أعراس النحر بقلوبٍ صخرية، تكّبر بإسمِ ربٍ دمويٍ، حياته جنون و طلاسم و سحر و آياته صفت ببراعة بكلماتٍ و قوافٍ شعرية!
أستيقظتُ من سباتي التي خدرتني به سنين الواقع المرير، أحلام يقظة مغطاة بأثواب مزركشة بالحرير، على حقيقة عالمٍ مزيفٍ عنوانه الجريمة المنظمة و رفعة
السمو الحقير، لا شرف لا كرامة لا ضمير، كل ما في الأمر، جيوبه معبأة بالدولارات و قيادته البارعة لسفينة الصحراء، البارجة سيدة البعير.
كأساً بلورية شفافة، أظهرتي لي أضحوكة الحياة البشرية، بشاعتها و كل ما فيها من فظاعة و سخافة وحشية، ضواري تعيش الأمان، تسكن في قصور ملكية، سيدات بنات أصول، أضحين جواريٍ تخدمن العبيد و يقدمن للعبدات الطاعة و التحية، أسياداً أصبحوا نازحين في ربوع الثعالب و يرفعون الإيادي للعون و يطلبون النجدة لأمراء البداوة و قطاع الرق و راواد البدائية.
التاريخ كان تاريخاً و اليوم جعله تجار الدم ألعوبة عبث بإيادي أعداء التاريخ الذي أرادوا قتل الأبجدية، تدمير المدنية و إعادة البشرية الى عصور الرقيق و قطاع الطرق و السبايا ورسائل التهديد بالإبادة الجماعية، إما الِهداية لى تعاليم ربهم الشيطانية و إما أسركم أنتم و أسركم و أولادكم كجواريِ و سبايا تعيشون كسجناءٍ في قماقم إبدية.
رشفتُ كآسي حتى الثمالة، أيقظني من أحلامي يقظتي، فانتكست ذاكرتي و عادت بي الى عالمي السحري الوهمي المتوحش، فضعتُ بين أحلامي المخملية، لا أوجاع، لا آلالام ، لا غابات بربرية، هاجرتُ زاويتي و أبتعدتُ عن نفسي فناقضتُ نفسي و تهتُ في براري الحياة و تاهت روحي بين قطعان شاردة تدوس باقدامها المدنية، فنسيتُ بإرادتي واقعي المرير و تبعتُ بحريتي قوافل آكلي اللحوم البشرية، فصرتُ واحداً منهم لإنني أبيتُ أن أرفعَ صوتي عالياً، رافضاً العدالة اللإنسانية و أعتليتُ المنابر بإسم الحقيقة الضائعة، فضعتُ و ضاعت حقيقتي في دروبِ الثوار الجهادية، فنحدروا و انحدرنا جميعا بعالمنا الى هاوية إبليسية!