بقلم:مي عزام
الأساطير هى أول تدوين للتاريخ الإنسانى، ومحاولة لتفسير الكثير من الظواهر فى الشرق كما فى الغرب لها قواعد وقوانين لا تحيد عنها، فالأساطير مليئة بالأسرار والألغاز والأماكن المحظورة، هناك دائما صندوق اللعنات والحجرة الأربعين والثمرة المحرمة، والعين المسمومة والأبطال.
أبطال الأساطير يتميزون بأنهم لا يسعون للمجد، ولكن يختارهم القدر دون غيرهم ليحملوا الأمانة، وحتى يتأهلوا فهناك دائما طريق طويل محفوف بالمخاطر، وحين يصل البطل لا يكون هو ذات الشخص، الذى بدأ الرحلة، الرحلة تقويه وتجعله مستنيرا، يخلع عنه الغرور والامتلاك، فالامتلاك هو العائق الأول أمام المجد، طريق البطولة لن تجد فى نهايته كنز «على بابا»، ولكن مجرد شهادة تقدير مختومة بحب الناس، الذين أنقذهم، وربما مات من أجلهم.
رغم أن سبارتكوس ليس بطلا أسطوريا، لكننى أعتبره كذلك شخصية الخيال فيها أكثر من الحقيقة، يذكر عنه أنه عبد أتقن المنازلات القتالية، التى كانت تجد جمهورا كبيرا فى روما، ثم ثار على مالكه، وتمرد وقاد جيشا من العبيد، انتصر أكثر من مرة على كتائب من الجيش الرومانى، وجاءت نهايته أمام كراسوس، القائد العام للجيوش الرومانية، وانتهى الحال بقتله فى أحد مشاهد فيلم سبارتكوس لستانلى كوبريك، يدور حوار بين أحد القراصنة وسبارتكوس فيقول له الأول: «أنت تعرف أنك ستخسر أمام جيوش روما ولا فرص لديك»، فيرد محرر العبيد قائلا «يخسر البشر جميعا عندما يموتون، ولكنهم يموتون جميعا، لكن خسارة العبد والرجل الحر مختلفة، عندما يموت رجل حر يخسر متعة الحياة، بينما يخسر العبد ألمه، والموت هو الحرية الوحيدة، التى يعرفها العبد لهذا لا يخشاها.. ولهذا سنفوز» عرض عليه القرصان أن يهربه هو وقادة المتمردين إلى بلد يستقبلون فيه بحفاوة ويعيشون ملوكا بالكنوز، التى استولوا عليها، ولكن سبارتكوس رفض فهو ليس طالب مال، ولا سلطة ولكن يريد لنفسه ولغيره الحرية.
الأبطال يموتون كما يموت العامة، وكذلك الشجاع والجبان، والغنى والفقير، المريض وصحيح البدن، الموت يلازمنا جميعا من البداية حتى النهاية، فالموت إجبارى عكس الحياة، فهى اختيار على مدار الساعة، وهنا تأتى المفارقة، عليك أن تعيش وأنت تعرف أنك حتما ستموت، ولأنك تعرف نهايتك عليك أن تختار طريقة حياتك حتى لا يصيبك الندم حين تأتى هذه النهاية.
الحياة تفرق بين الناس، أما الموت فهو يجمعهم، ويعيدهم إلى حيث كانت البداية. من الأرض خلقوا، وإلى الأرض يعودون.
كثيرا ما أفكر فى هذه المرحلة، التى نعيشها، ويدور فى بالى كل ما سبق، وأتساءل من البطل، الذى ستكتب مصر قصته بعد عشرات أو مئات السنين، وتصنع أسطورته، من الذى سيتم اختياره دون رغبة منه، من ثبت فى الميدان واختبرته الأيام؟ من انحاز لفقراء الشارع ولدم الشهداء؟ من باع ما يملك ليشترى ما لن يتركه للورثة؟ من ستبكيه الجموع حين يرحل، ومن ستفديه الأرواح حين يطوقه الخطر؟
الميدان ينتظر بطلا من هذا النوع، نحتاج بطلا تصنعه المصاعب، ويختاره القدر، لا يصارع على منصب ولا يتدنى من أجل مصلحة له أو لأحد من عشيرته أو معارفه، بطلا لا يهرب من الميدان حين تكثر النوائب، نريد عاشقا للحياة لا يخاف الموت.. فهل نجد مثل هذا الرجل؟ وهل هذا هو زمنه؟.. أم أنه لو جاءنا سنقتله كما قتل بنى إسرائيل أنبياءهم؟
ربما ما أتمناه محض خيال كاتبة تعشق الأساطير.. لكنها ما زالت تؤمن بالقدر.
نقلا عن:المصري اليوم