يعرفون رائحتها جيداً، خلطة من «المسك والعنبر» تسبقها دوماً إلى أى مكان تذهب إليه، يدرك وقتها سكان شارع «أبوطالب» برملة بولاق أن «الحاجة أميرة» قادمة، وهى تحمل الجردل الألومنيوم المملوء بالمياه لبيعها، يتسابقون للاقتراب منها ليس فقط لشراء المياه التى هم فى أشد الحاجة إليها ولكن لشم رائحتها التى تغطى لبرهة على الرائحة التى امتلأ بها الجو بسبب أكوام القمامة التى ملأت الحارات من حولهم.
تعشق «الحاجة أميرة» اسمها، رغم أنه ليس اسماً على مسمى، فهى تسكن أفقر عشوائيات القاهرة، وتعمل بمهنة تتطلب منها الاستيقاظ من الخامسة صباحاً لكى تلحق نصيبها من «جراكن المياه» التى تُباع لسكان المناطق الفقيرة التى لم تدخلها مواسير المياه ولا الصرف الصحى: «اللى اختار الاسم أبويا الله يرحمه.. كان نفسه يشوفنى أميرة بس الفقر منه لله بقى». عندما تتحدث «أميرة» يظهر فمها متسعاً خالياً من أى أسنان كاشفاً عن عمر تجاوز الـ65 عاماً، وهو ما يظهر بوضوح على ظهرها الذى انحنى من حمل الجرادل الثقيلة المملوءة بالماء من كورنيش النيل وأحياناً من بولاق الدكرور إلى رملة بولاق يومياً، التعب الشديد دفع «أميرة رملة بولاق» فى إحدى المرات إلى التوقف عن العمل بهذه المهنة والاقتصار على نصبة شاى تسترزق منها لكن «اللى كانت بتجيبه كان على قد اللى رايح»، بحسب قولها، لتعود مرة أخرى إلى مهنة الشقاء لكن مع مساعدة من بعض أبناء الحتة فى نقل الجرادل، خاصة أنها لم تعد ترى إلا بعين واحدة: «مفيش حد يساعدنى، أهلى كلهم ماتوا وابنى الوحيد معاق.. هعمل إيه».
20 جنيها هى مكسب «أميرة» فى الأسبوع من بيع المياه وأحياناً تكون أقل من ذلك فهى تبيع المياه لبعض أهل الحتة «شكك» بسبب ظروفهم المادية: «أصل الناس هنا على قد حالها مش لاقيين اللقمة.. هبقى أنا والزمن عليهم!».
تصمت «أميرة» قليلاً وتخرج من جلبابها قارورة صغيرة هى «خلطة المسك والعنبر» تضع بضع نقاط منها على جلبابها الأسمر المغطى بالرقع ثم تنظر إلى جدران حجرتها الصغيرة قائلة: «الحمد لله على كل شىء، غيرى مش لاقى ياكل.. بس كان نفسى أحقق حلم أبويا وأبقى أميرة».