الأقباط متحدون - محاكمة الثوار؟!
أخر تحديث ٠٤:٢٩ | الأحد ٨ ديسمبر ٢٠١٣ | هاتور ١٧٣٠ ش ٢٩ | العدد ٣٠٣٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

محاكمة الثوار؟!

ارشيفيه
ارشيفيه

 القول إننا نقف أمام منعطف تاريخى أو نقطة مفصلية فى المسيرة المصرية ليس فيه مبالغة من أى نوع، ولن ينفعنا كثيراً ضرب الأمثلة من الثورات التى سبقتنا والتى استمرت عقوداً طويلة، فإما انتهت هذه بهزيمة فى حرب، أو سقوط مدوٍ للدولة ومكانتها. فمن المؤكد أن امتداد الثورة الفرنسية حتى منتصف القرن التاسع عشر لم يقع فى صالح فرنسا بل أدى إلى هزيمتها من ألمانيا فى ١٨٧٠، ثم فى الحربين العالمية الأولى والثانية. مثل ذلك لا نريده لمصر، فالثورات فى التاريخ لها جانب فتح الطرق السياسية المغلقة، وتحقيق الانطلاقة فى حياة الأمم إلى آفاق لم تعرفها من قبل. وبعد ثلاث سنوات تقريبا من «الثورة المستمرة» ربما آن الأوان لوقفة يكون فيها مراجعة وتقييم لما جرى، وبعد أن جرت محاكمات سياسية وجنائية كبرى لنظامى يوليو/ مبارك، وحتى نظام الإخوان المسلمين والمجلس العسكرى، فربما يكون من الحكمة أن ينظر «الثوار» فى المرآة، واللحظة الراهنة، ويقرروا بعدها ما إذا كان الأوان قد آن لكى يأخذ هذا البلد أنفاسه، وتبدأ عملية للبناء السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى لابد منها إذا كان لأى من شعارات ثورتى يناير ويونيو أن تتحقق.

 
المسألة ببساطة هى عما إذا كانت مصر بعد ثلاث سنوات من التظاهر والثورة والفورة قد اقتربت من أن يكون فيها «عيش» أكثر، و«حرية» أوفر، و«عدالة اجتماعية» أفضل، و«كرامة إنسانية» أعظم، أم أن المصريين فى الحقيقة قد ابتعدوا فى كل ذلك عما كانوا عليه قبل عهد الثورات. الواضح أن المصريين قد صاروا أكثر فقراً عما كانوا عليه، وبينما كان نسبة فقراء مصر فى يناير ٢٠١١ حوالى ٢١٪ من السكان فإنها الآن زادت على ٢٦٪، وخلال عامين فقط أضيف إلى فقراء الدولة ٥٪ من عدد سكانها الذين زادوا بالمناسبة بنسبة 2.4٪ سنويا، زادت نسبة الفقر فى مصر، ومعها زاد العدد المطلق للفقراء بضعة ملايين إضافية. ولا يمكن القول إن الحرية قد زادت بينما تقوقع المصريون فى منازلهم، جالسين على كنباتهم خوفاً وذعراً من الأمن المهدد، والشوارع والطرق المقطوعة، وذيوع الجريمة والبلطجة. ربما زادت قدرة المصريين على لعنة الرؤساء والوزراء، ولكنهم باتوا يخافون من كل ما عداهم الذين لا يعرفون متى يهبون، ومتى يقطعون الدراسة، ومتى يحتلون الميادين. ولا يمكن الحديث عن العدالة الاجتماعية بينما لم يعد لدى الشعب ما يوزعه، وربما جمعت وزارة الدكتور الببلاوى شجاعتها لكى تحقق شعارات الثورة فى وضع الحدين الأدنى والأقصى للأجور، ولكن الثابت أن الأجور على الجانبين قد قلت قيمتها ولم تعد قادرة على سد احتياجات أساسية للمواطنين بعد أن تواضعت معدلات النمو إلى درجة مخجلة. ويصبح من قبيل المبالغة الحديث عن الكرامة الإنسانية ليس فقط لأن الكرامة لا تتوافق مع زيادة الفقر، ولكن الأهم مع التراجع فى المكانة المصرية نتيجة الضعف والهوان، الذى ظهر فى تراجع الاحتياطيات النقدية المصرية من ٥٢ مليار دولار فى يناير ٢٠١١ (٣٦ ملياراً احتياطياً نقدياً، و٩ مليارات من منح ومساعدات وفوائد حرب الخليج، و٧ مليارات استثمارات البنك المركزى فى البنوك المصرية)- إلى ١٣ ملياراً فى نهاية عهد الإخوان، والآن إلى قرابة ١٩ ملياراً، كما ظهر فى هروب مئات الألوف من المصريين إلى دول أخرى، والأدهى والأمر محاولة جماعات إرهابية استباحة سيناء.
 
هل كان لكل ذلك أن يحدث لولا حالة «الثورة المستمرة» التى عاشتها مصر؟ لن نعود هنا إلى محاولات جماعة الإخوان المسلمين ومن لف لفهم لزعزعة الاستقرار فى البلاد، فهؤلاء قرروا شن الحرب على الأمة، وعزلتهم عن الجماهير المصرية تمضى على قدم وساق، والحرب على الإرهاب تحرز نجاحاً كل يوم، ومحاولتهم شل الجامعات المصرية سوف تخفق إذا ما عرف «الثوار» أن هناك مسافة كبيرة ما بين «الثورة» ذات الطبيعة التقدمية بالضرورة، والقوى الرجعية التى تريد شد البلاد إلى الوراء. ولكننا لا يمكن أن نبتعد عن «الشباب» الذى انتقل بحديث التغيير فى مصر من المستوى «الإصلاحى» الذى كان فيه، إلى المستوى «الثورى» الذى جرى الحديث عنه طوال السنوات الثلاث الماضية. الفارق ما بين «الإصلاحى» و« الثورى» أن الأول تدريجى بطىء يخاف من الانفلات والفوضى، ويحسب كثيراً فتضيع منه الفرص، أما الثانى فهو جرىء ومقتحم وجسور، وسقفه فى التقدم أعلى، ولا يخاف من المعارك التى ينبغى خوضها، وعلى الأرجح- كما حدث لدينا- أنه ينتمى إلى زمن فكرى وتكنولوجى قادم أكثر من انتمائه إلى زمن ولى وراح. كان ذلك على الأقل ما رفع الآمال والتوقعات بعد ثورة يناير، ورغم العثرات فإن ثورة يونيو قالت بإمكانية المراجعة والتصحيح، ولكن بعد هذه الثورة وتلك فإن معاودة الخروج إلى الشارع مرة أخرى، والضغط على مؤسسات وهنت قوتها ومواردها، ليس فيه ثورة ولا تغيير، وإنما دفع البلاد دفعاً إلى حافة الانهيار.
 
صحيح أن الشعب المصرى يعرف الطيب من الخبيث، والإرهابى من الثائر، ولكنه يعرف أيضاً أن نهاية الثورات أن تتحول إلى مؤسسات ودساتير وقوانين وقواعد تترجم مبادئ الثورة إلى سياسات واستراتيجيات. وبصراحة فإن «الثورة» لا يمكن أن تتحول إلى مهنة، بل إنها أثناء جريانها تحاول وضع «المرجعية» التى تسير عليها الدولة فيما بعد. هكذا كان الحال مع الثورة الأمريكية عندما وضعت إعلان الاستقلال، والدستور الكونفيدرالى ثم الفيدرالى، ووثيقة الحقوق المدنية. لم تكن الثورة خروجاً مستمراً إلى الشارع، أو حرباً طويلة مع خصوم خارجيين، وإنما كانت اجتهاداً من أجل المستقبل. والآن تجرى فى مصر محاولات من أجل ذلك تحديداً عندما وضع الدستور الجديد الذى أسس للدولة المدنية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وإقامة الدولة الديمقراطية الحديثة. وكما هو الحال فى كل الدساتير فإن الاقتراب أو الابتعاد عنه وارد فى كلياته وجزئياته، ولكن ما هو غير وارد أن يخرج «الثوار» مرة أخرى باحثين عن محاولة لثورة رابعة فى الحياة المصرية، وإذا عز التأييد الشعبى للثورة القادمة كما هو حادث الآن، فإن الحلم باق لدى الجماعة «الثورية» أن يكون هناك ما يكفى من الفوضى التى تبدو كما لو كانت ثورة.
 
الثورة بطبيعتها لها جانب هدام لنظام طال بقاؤه أكثر مما ينبغى لمسيرة البلاد، ولكن جانبها الأعظم والأكثر تاريخية، هو ما تبنيه فى عقول البشر من أفكار تقدمية، وما تبنيه على الأرض من فرص كبرى للنمو والعمل والإنتاج. وحتى فى بلدان ديمقراطية، فإن ثورة «الشباب» و«الطلبة» خلال النصف الثانى من الستينيات، لم تؤد فقط إلى الخروج الأمريكى من فيتنام، وإنما إلى هز المؤسسات القائمة، وإعادة النظر فيها، وفوق ذلك كله وضع الأسس لما نعرفه الآن من ثورة صناعية ثالثة. وبالنسبة لشباب مصر فإن ذلك هو الاختبار الأعظم، وما كان حتى الآن لا يزيد على فشل كبير جاء من خلاله الإخوان إلى الحكم، وجرى التراجع على كل الجبهات، ولا يمكن أن يحل مشكلة الفشل القيام بنفس ما أدى إليه فى المقام الأول (التظاهر، والاعتصام، واحتلال ميدان التحرير، والإضراب عن العمل). الوقت هو وقت الاجتهاد، والحشد من أجل العمل، وباختصار هو وقت «السياسة» التى تجرى فى ساحتها المنافسة بين الأفكار والسياسات لا بين قنابل المولوتوف، والقنابل المسيلة للدموع.

نقلا عن المصري اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع