مصطفي النجار | الاثنين ٩ ديسمبر ٢٠١٣ -
٥٧:
٠٧ ص +02:00 EET
ارشيفيه
يقولون لك إن الواقع غير المأمول، وإنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان. يقولون لك إن التدرج سُنَّة الحياة، وإن ما كتبناه اليوم نستطيع أن نعدّله غداً، فإذا سألتهم: لماذا لا تعدّلونه الآن طالما أنكم ترون أنه يستوجب التعديل؟ فلن يجيبوك حينها، وسيسرعون إليك قائلين: دعنا نحقق الاستقرار أولاً، ثم نتناقش بعد ذلك. تقول لهم إن الاستقرار لن يتحقق، ومن سبقوكم قالوا نفس قولكم ولم يتحقق الاستقرار بل سقطوا، سيقولون لك: يجب أن تقدِّر الظروف التى نمر بها، فنحن نواجه الثورة المضادة وعودة النظام السابق، ولا بد أن نقطع الطريق عليهم بالتصويت بـ«نعم» على الدستور مهما كان محتواه.
تقول لهم: وما ذنب الأجيال القادمة أن نشوِّه مستقبلهم بسبب مخاوف حمقاء لدينا، منها ما هو حقيقى ومنها ما هو وساوس تم تضخيمها؟ سيضيقون بك ويتحولون إلى النهش فيك، واتهامك بأنك من مؤامرات الجيل الرابع من الحروب، وبأنك تدعم الإرهاب، وتريد إعادة النظام السابق، ومعاد للدولة، وكارهٌ للجيش والشرطة، وجزء من مؤامرة كونية تستهدف إسقاط مصر وتشويه دستورها الجديد الذى هو أعظم دستور فى الدنيا!
تذكر متى سمعت هذه العبارات وهذا المنطق؟ لقد سمعته بنفس النص من الإخوان وأنصارهم حين كانوا يروِّجون لدستورهم الذى رفضناه وذهبنا للصناديق وقلنا له (لا).. لا اختلاف بين المدرستين فى المنطق وضحالته، والتبرير وسخافته، والتخوين ووقاحته!
لجنة من المفترض أنها مدنية فتخرج لك دستوراً يخجل من النص على مدنية الدولة، ويتحدث عن حكومة مدنية، وفارق كبير بين العبارتين، ولكن استخفافهم بنا سوَّل لهم تبرير ذلك. جمعت اللجنة بين الخطيئتين العُظميين، وهما تديين الدولة، وعسكرة الدولة، لتهدم مفهوم مدنية الدولة من أساسه!
نُسقط الإخوان ونرفض دستورهم فتأتى اللجنة المعجزة لتقر دستور الإخوان وتضيف عليه فضائح أخرى تضرب روح الديمقراطية فى مقتل حين تُحصِّن أفراداً ومؤسسات بنص دستورى، لتجعل إرادة هذه المؤسسات فوق إرادة الشعب بدعوى الاستقلال، والحقيقة أنه ليس استقلالاً مهنياً بل استقلالاً عن الدولة واستعلاء على إرادة الشعب مصدر السلطات الوحيد.
هناك من يستطيع أن يقبل ما يتنافى مع قناعاته، وهناك من يستسلم للواقع الذى يحاول آخرون إجباره عليه، وهناك من سيطر الخوف عليه لدرجة قبول أى شىء ولو كان منافياً لمواقفه السابقة وأفكاره، وهناك أصحاب ضمائر لا يقبلون المساومة فى المبادئ، ولا يخضعون للتهديد، ولا ينجح ابتزازهم بالخوف، لذلك فهم يرون أن وجود مادة واحدة فى الدستور تقنن الظلم وتعادى الديمقراطية سبب كاف لرفض هذا الدستور ولو احتوى دُرراً فى أجزاء أخرى.
الحقوق والحريات ليست وجهة نظر، والضمائر الحية تأبى أن تتحمل عاقبة ظلم محتمل لإنسان واحد بإقرارها استثناءات ستصبح هى الأصل. ليس من حق أحد أن يأخذ قراراً بإقرار ظلم هو يعرف يقيناً أنه ظلم، والعجيب أن من رفضوا هذا بالأمس يكتبونه بأيديهم اليوم!
سالت دماء الشهداء من أجل دستور يعبر عن الثورة ويحقق الديمقراطية، ولكنهم يعودون بنا إلى مستوى سقف تعديلات مبارك الدستورية وكأن ثورة لم تقم.
كل هذا العبث ويقولون لنا «صوِّتوا بنعم».. فهل سنصوِّت بـ«نعم»؟
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع