مؤمن سلام
أفضل ما فعلته 25 يناير هو رفع سقف الحريات، وأسوء ما فعلته هو حالة الهلع لدى بعض العلمانيين من جماعات الإسلام السياسي وكأنهم قادرين على كل شيء، رغم تأكدي واقتناعي الشخصي أن ظاهرة الإسلام السياسي إلى زوال بعد أن استنفذت أغراضها الدولية. وقد تجلى هذا الرعب في تعليقات هذا البعض على تصريحات د. ياسر برهامي حول مسودة الدستور التى يدعى فيها أن الدستور الجديد يحافظ على الشريعة واستبدال المادة 219 بديباجة الدستور لتفسير المادة الثانية. وللأسف البعض يتعامل مع تصريحات د. ياسر برهامي على أنها تصريحات رجل دين لا يكذب ولا يحاور ولا يناور، وليست تصريحات زعيم سياسي. والبعض يعتقد أيضا أن مبدأ السمع والطاعة لا يحتاج إلى تفسيرات أو تبريرات من القائد للقطيع الذي يتبعه. وهو ما يعتبر خطأ منهجي في التعامل مع تصريحات برهامى التى يجب وضعها فى إطار تصريحات زعيم حزب سياسي يخاطب قواعد حزبه ويداعب أصوات مؤيدي التيار الديني لكسب أصواتهم فى الانتخابات القادمة عن طريق تبرير وقوفه فى خندق العلمانيين "الكفار" والعسكر "الانقلابيين." كما يتهمه الإخوان المسلمين وكما يعتقد هو في داخله.
هنا لابد أن ننبه العلماني للفرق بينه وبين الأصولي، وهو العقل. فعندما يقول برهامي أن الدستور انتصار للشريعة سيكبر الأصولي ويسجد شكرا على النصر دون بحث فى حقيقة هذا النصر ودون حتى أن يقرأ مسودة الدستور. أما العلماني الحقيقي فسيبحث ويمحص فى حقيقة هذا الادعاء، وأول البحث هو فى أحكام المحكمة الدستورية التى تفسر المادة الثانية بعد قراءة مسودة الدستور بالكامل.
يجب أن ندرك جميعا أن الدستور الجديد يقف على خط التماس بين الأصولية والعلمانية، وما سيحسم الأمر هو عملنا على الأرض لتحقيق أغلبية فى البرلمان القادم التى تستطيع أن تغير الدستور لتأخذه في اتجاه العلمانية أو الأصولية. وفى رأيي هذا الدستور الجديد قد قدم لنا فرصة كبيرة للنضال من أجل مصر الديمقراطية الحديثة من خلال باب الحقوق والحريات. هذا الباب الذي يحافظ على سقف الحريات التى اكتسبناها بعد 25 يناير، ما يجعلنا نتحرك بحرية من أجل تنوير وتوعية الأمة المصرية في اتجاه الحداثة، ثم نقوم بالضغط بعد ذلك من أجل تعديل الدستور ليليق بدولة ديمقراطية حديثة. وخاصة أن لدينا فرصة ذهبية للفوز بهذا السباق الأصولي العلماني، فلأول مرة منذ 40 عام يصبح العلمانيين والأصوليين على نفس الخط في السباق، فبعد أن كانت الدولة تترك لجماعات الإسلام السياسي تفعل ما تشاء في المساجد لغسل عقول المصريين في الوقت الذي تقمع فيه العلمانيين، أصبح لدينا الآن الفرصة للعمل بحرية مثل تلك الجماعات الدينية. صحيح هناك فروق في الإمكانيات المادية والتنظيمية إلا أننا نستطيع التغلب عليها بشيء من التفكير البراجماتي والتوافق على الحد الأدنى من أجل التنسيق والتعاون بين المجموعات المختلفة للعلمانيين وتكوين كيانات كبيرة لمواجهة الإسلام السياسي.
أرجو من العلمانيين ترك اللطم والصراخ والنزول إلى العمل بين الناس لقد قام الإخوان المسلمين بأكبر خدمة للعلمانية فى العام الماضي، ولكن لا يريد أحد استغلالها جماهيريا أو سياسيا. فالسماء لا تمطر ذهب ولا فضة ولا علمانية.