الأقباط متحدون - نجيب محفوظ وجنة الأطفال
أخر تحديث ٠٧:٥١ | الاربعاء ١١ ديسمبر ٢٠١٣ | كيهك ١٧٣٠ ش ٢ | العدد ٣٠٣٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

نجيب محفوظ وجنة الأطفال

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

 بمناسبة عيد ميلاد نجيب محفوظ الروائى الفيلسوف اقرأوا هذه القصة من مجموعة «خمارة القط الأسود» بدون تعليق:

 
الطفلة: بابا..
 
الأب: نعم!
 
الطفلة: أنا وصاحبتى نادية دائماً مع بعض.
 
الأب: طبعاً يا حبيبتى فهى صاحبتك.
 
الطفلة: فى الفصل، فى الفسحة، وساعة الأكل.
 
الأب: شىء لطيف، وهى بنت جميلة ومؤدبة.
 
الطفلة: لكن فى درس الدين أدخل أنا فى حجرة وتدخل هى فى حجرة أخرى.
 
لحظ الأم فرآها تبتسم رغم انشغالها بتطريز مفرش، فقال وهو يبتسم:
 
الأب: هذا فى درس الدين فقط..
 
الطفلة: لِمَ يا بابا؟
 
الأب: لأنك لك دين وهى لها دين آخر.
 
الطفلة: كيف يا بابا؟
 
الأب: أنت مسلمة وهى مسيحية.
 
الطفلة: لِمَ يا بابا؟
 
الأب: أنت صغيرة وسوف تفهمين فيما بعد.
 
الطفلة: أنا كبيرة يا بابا.
 
الأب: بل صغيرة يا حبيبتى.
 
الطفلة: لِمَ أنا مسلمة؟
 
عليه أن يكون واسع الصدر وأن يكون حذراً ولا يكفر بالتربية الحديثة عند أول تجربة، قال:
 
الأب: بابا مسلم، وماما مسلمة، ولذلك فأنت مسلمة.
 
الطفلة: ونادية؟
 
الأب: باباها مسيحى، وأمها مسيحية، ولذلك فهى مسيحية.
 
الطفلة: هل لأن باباها يلبس نظّارة؟
 
الأب: كلا، لا دخلَ للنظّارة فى ذلك، ولكن لأن جدها كان مسيحيا كذلك.
 
وقرر أن يتابع سلسلة الأجداد إلى ما لا نهاية حتى تضجر وتتحول إلى موضوع آخر، لكنها سألت:
 
الطفلة: من أحسن؟
 
وتفكر قليلا ثم قال:
 
الأب: المسلمة حسنة، والمسيحية حسنة.
 
الطفلة: ضرورى واحدة أحسن.
 
الأب: هذه حسنة، وتلك حسنة.
 
الطفلة: هل أعمل مسيحية لنبقى دائما معا؟
 
الأب: كلا يا حبيبتى، هذا غير ممكن، كل واحدة تظل كباباها ومامتها.
 
الطفلة: ولكن لِمَ؟
 
فى الحقيقة، إن التربية الحديثة طاغية.. وسألها.
 
الأب: ألا تنتظرين حتى تكبرى؟
 
الطفلة: لا يا بابا.
 
الأب: حسن، أنت تعرفين الموضة. واحدة تحب موضة، وواحدة تفضل موضة، وكونك مسلمة هو آخر موضة، لذلك يجب أن تبقى مسلمة.
 
الطفلة: يعنى أن نادية موضة قديمة؟
 
الله يقطعك أنت ونادية فى يوم واحد. الظاهر أنه يخطئ، رغم الحذر، وأنه يُدْفَع بلا رحمة إلى عنق زجاجة، وقال
 
الأب: المسألة مسألة أذواق، ولكن يجب أن تبقى كل واحدة كباباها ومامتها.
 
الطفلة: هل أقول لها إنها موضة قديمة وإنى موضة جديدة؟
 
فبادرها:
 
الأب: كل دين حسن، المسلمة تعبد الله، والمسيحية تعبد الله..
 
الطفلة: ولِمَ تعبده هى فى حجرة وأعبده أنا فى حجرة؟
 
الأب: هنا يعبد بطريقة وهناك يعبد بطريقة..
 
الطفلة: وما الفرق يا بابا؟
 
الأب: ستعرفينه فى العام القادم، أو الذى يليه، وكفاية أن تعرفى الآن أن المسلمة تعبد الله، والمسيحية تعبد الله.
 
الطفلة: ومن هو الله يا بابا؟
 
وأخذ، وفكر مليا، ثم سأل مستزيدا من الهدنة:
 
الأب: ماذا قالت «أبلة» فى المدرسة؟
 
الطفلة: تقرأ السورة وتعلمنا الصّلاة، ولكنى لا أعرف، فمن هو الله يا بابا؟
 
فتفكر وهو يبتسم ابتسامة غامضة، وقال:
 
الأب: هو خالق الدنيا كلها.
 
الطفلة: كلها؟
 
الأب: كلها.
 
الطفلة: معنى «خالق» يا بابا؟
 
الأب: يعنى أنه صنع كل شىء.
 
الطفلة: كيف يا بابا؟
 
الأب: بقدرة عظيمة...
 
الطفلة: وأين يعيش؟
 
الأب: فى الدنيا كلها..
 
الطفلة: وقبل الدنيا؟
 
الأب: فوق..
 
الطفلة: فى السما؟
 
الأب: نعم.
 
الطفلة: أريد أن أراه.
 
الأب: غير ممكن.
 
الطفلة: ولو فى التليفزيون؟
 
الأب: غير ممكن أيضاً.
 
الطفلة: ألم يره أحد؟
 
الأب: كلا.
 
الطفلة: وكيف عرفت أنه فوق؟
 
الأب: هو كذلك.
 
الطفلة: من عرف أنه فوق؟
 
الأب: الأنبياء.
 
الطفلة: الأنبياء؟
 
الأب: نعم.. مثل سيدنا محمد..
 
الطفلة: وكيف يا بابا؟
 
الأب: بقدرة خاصة.
 
الطفلة: عيناه قويتان؟
 
الأب: نعم.
 
الطفلة: لِمَ يا بابا؟
 
الأب: الله خلقه كذلك.
 
الطفلة: لِمَ يا بابا؟
 
وأجاب وهو يروض نفاد صبره:
 
الأب: هو حر، يفعل ما يشاء.
 
الطفلة: وكيف رآه؟
 
الأب: عظيم جدا، قوى جدا، قادر على كل شىء..
 
الطفلة: مثلك يا بابا؟
 
فأجاب وهو يدارى ضحكه:
 
الأب: لا مثيل له.
 
الطفلة: ولِمَ يعيش فوق؟
 
الأب: الأرض لا تسعه ولكنه يرى كل شىء.
 
سرحت قليلاً ثم قالت:
 
الطفلة: ولكن نادية قالت لى إنه عاش على الأرض.
 
الأب: لأنه يرى كل مكان، فكأنه يعيش فى كل مكان.
 
 ماذا فعل الأب فى مواجهة فضول طفلته؟ هذا ما ستعرفه حين تستكمل قراءة القصة فى مجموعة «خمارة القط الأسود».
 
نقلا عن الوطن

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع