الأقباط متحدون - لماذا نحن نعشق الديكتاتورية
أخر تحديث ١٤:١٥ | الخميس ١٢ ديسمبر ٢٠١٣ | كيهك ١٧٣٠ ش ٣ | العدد ٣٠٣٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

لماذا نحن نعشق الديكتاتورية

صوره تعبيريه
صوره تعبيريه
فاروق عطيه 
 قال صديقي المشاكس: لاحظت أن معظم أعضاء لجنة الخمسين المنوط بهم تعديل الدستور يخشون الديموقراطية ويتشبثون بكل قوة بثوب الديكتاتورية البالي، والفرق بين المتنازعين يكمن في أن البعض يفضلها ديكتاتورية دينية والبعض الآخر يفضلها ديكتاتورية عسكرية، وجميعهم يهربون من الديموقراطية، ويتضح ذلك بجلاء في محاولات الهروب من الإقرار بمدنية الدولة والتشبث بوصفها دولة إسلامية، وتمسك البعض بعدم مناقشة ميزانية القوات المسلحة أو الرقابة عليها كما يتمسكون بضرورة أن يكون اختيار القائد العام أو عزله مخولا فقط للقيادة العامة للقوات المسلحة دون غيرها، وهذا يدعوني للتساؤل لماذا نحن كمصريين نعشق الديكتاتورية ؟
 
   أعتقد أننا فعلا نعشق الديكتاتورية من طول ما مارسناها، فنحن لم نمارس الديموقراطية سوي فترات قليلة تعتبر في حكم التاريخ معدومة، ولدينا مثل شعبي يقول اللي نعرفه أحسن من اللي منعرفوش. فمنذ فجر التاريخ في العصور الحجرية والبرونزية حين انتقل أجدادنا من كهوف الجبال ليعيشوا فيوادي النيل واستأنسوا الطيور والحيوانات ومهدوا الأرض وزرعوها واستقروا منشئين القري والمدن والأقاليم، كان الناس يعيشون في قبائل يحكمها رئيس القبيلة الذي لا راد لقراراته. وحين وحّد مينا البلاد تحت سلطانه كأول فرعون لمصر الموحدة، بالطبع كان يحكم ديكتاتوريا بصفته الفرعون وقائد الجيوش وابن الآلة. واستمر حكم الفراعين حكما تفويضيا من الآلهة ولامتلاكهم قوة الجيش وسلطان كهنة الآلهة، ورغم هذا الحكم الديكتاتوري كان الشعب راضيا ومخلصا لفراعنته ومتعبدين وخاضعين لكهنة المعابد حتى يضمنوا الحياة الآخرة وكانت القوانين الصارمة تعطى الشعب كل الحقوق طالما يلتزمون بكل الواجبات، وسيادة العدل بين الرعية كانت تفرضه الإلهة ماعت ولا تفريق بين الناس حسب اللون أو الجنس أو النوع.
 
   وحين ضعفت الدولة وأصابها الوهن والهزال طمع فيها الغزاة وابتليت بالاستعمار الفارسي، تلاه الاستعمار الاغريقي الذي بدأه الاسكندر المقدوني الذي هزم الفرسوطردهم من مصر 333 ق.م.، وقد توج الإسكندر نفسه ملكا على نهج الفراعنة ووضع أساس مدينة الإسكندرية، ثم حج إلى معبد آمون في واحة سيوة• حكم البطالمة مصر وهم السلالة التي انحدرت من بطليموس أحد قادة الإسكندر المقربين، حيث تولى حكم مصر 15 ملكا بطلميا. وقد قامت بالإسكندرية حضارة إغريقية مصرية عظيمة أهمها: جامعة الاسكندرية ذات الشهرة العالمية، ومكتبة الإسكندرية، مكتبة ضخمة كانت تعد أعظم مكتبة في العالم احتوت على أكثر من نصف مليون لفافة بردىووصل عدد الكتب بها أكثر من 700 ألف كتاب، وللأسف قد أحرقت تماما على يد عمرو بن العاص يعد فتح مصر. كما أقاموا معابد فيلة بأسوان، كما ضم بطليموس الأول إلى مصر عدد من الملحقات وهي برقة، جنوب سوريا، فينقيا، فلسطين وقبرص.وقد ظلت دولة البطالمة قوية في عهد ملوكها الأوائل ثم حل بها الضعف نتيجة لضعف ملوكها• واستغل الرومان الموقف حيث سعت روما لبسط نفوذها على مصر وقضت على البطالمة سنه 30 ق.م. أيام حكم الملكة كليوباترا السابعة التي كانت آخر ملوكهم.
 
دخل " أوكتافيوس" وجيوشه المنتصرة إلى الإسكندرية سنة 30 ق.م،فأنتحر "ماركوس أنطونيوس"ثم كليوباترا وأصبحت مصر رسمياً تحت الحكم الروماني،وكانت أخر أقطار المنطقة التي سقطت في أيدي الرومان، بذلك أصبحت مصرولأول مرة في تاريخها الطويل تابعة لإمبراطورية أخريوإن كان لها وضعا متميزا وفريدا بين ولايات الإمبراطورية الرومانية الأخرى.أصبح الإمبراطور الروماني هو الملك الرسمي للبلاد،له ما كانلفرعون من قداسة وتأليه تخلع عليه الألقاب الفرعونية المألوفة، وهو الذي يعين الوالي (حاكم عام الاسكندرية ومصر)ولم يعد لمصر سياسة مستقلة أو تاريخ مستقل.وفي عهد الإمبراطور دقلديانوس (284-305م) قٌسمت الإمبراطورية إلى امبراطوريتين، غربية عاصمتها روما وشرقية وعاصمتها بيزنطة (القسطنطينية فيما بعد) ووقوع مصر تحت نفوذ الإمبراطورية الرومانية الشرقية أو البيزنطية.خلافا لحكم البطالمة الذين اعتبروا أنفسهم فراعنة وأحبوا المصريين كما أحبهم المصريون، كانت فترة حكم الرومان من أبشع فترات الاستعمار حيث أذاقوا المصريين شتي أنواع الاضطهاد والتنكيل خاصة بعد انتشار المسيحية في مصر. في البداية ترك الرومان للمصريين حرية العقيدة وعاملوهم باللين، فلم يتدخلوا أو يحدّوا من حرية المعتقدات، وكانت مصر كغيرها من الولايات الرومية تدين بالوثنية، وظل المصريون ينعمون بهذه الحرية إلى أن ظهرت المسيحية في فلسطين، وكانت مصر في طليعة البلاد التي تسربت إليها المسيحية في منتصف القرن الأول الميلادي، على يد القديس (مرقص),وأخذ هذا الدين ينتشر في الإسكندرية والوجه البحري ثم انتشر تدريجيا في أنحاء مصر خلال القرن الثاني الميلادي فثارت مخاوف الرومان الوثنيين، وصبوا العذاب صبا على المصريين الذين اعتنقوا المسيحية وتركوا الوثنية الدين الرسمي للدولة.ثم بلغ الاضطهاد ذروته القصوى في عهد الإمبراطور دقالديانوس الذي أراد أن يضعه رعاياه موضع الألوهية فقاومه المسيحيون فعمد إلى تعذيبهم، فصمد المصريون لهذا الاضطهاد بقوة وعناد أضفى عليه صفة قومية، وقدمت مصر في سبيل عقيدتها أعدادا كبيرة من الشهداء مما حمل الكنيسة القبطية في مصر أن تطلق على عصر هذا الإمبراطور (عصر الشهداء). وقل الاضطهاد عندما اعترف الإمبراطور قسطنطين الأول: (306-337م) بالمسيحية دينا مسموحا به في الدولة كبقية الأديان الأخرى. وفي سنة 381م أصدر الأمير تيودوسيوس الأول مرسوما بجعل المسيحية دين الدولة الرسمي الوحيد في جميع أنحاء الإمبراطوريةوعلى الرغم من ذلك، لم تنج مصر من الاضطهاد لوقوع خلاف وجدال بين كنيسة الإسكندرية وكنيسة روما لخلافات عقائدية وبذلك تعرض المصريون لألوان العذاب لاعتناقهم مذهبا مخالفا لمذهب الإمبراطورية.
 
أخر ايام الحكم البيزنطي كثرت المشاكل السياسية ولاضطرابات في مصر وفيبيزنطة نفسها فانتهز الفرس الفرصةوغزي ملكهم خسرو برويز (كسري) سنة 619 مصر واستولي عليها وظلتفي ايد الفرس بضع سنين. أرسلهرقل أسطوله إلىالإسكندريةفاضطر الفرس لسحب قواتهم سنة 627م وعادت مصر للسيادة البيزنطية.في سنة 620متولّي الكرازة المرقسية البطريرك الثامن والثلاثين بنيامين الأول. أرسل هرقل لمصر حاكما مدنيا وبطريرك ملكاني هو "سيروس" أو "قوروس" الذي سميفي التاريخ الاسلاميباسم المقوقسورفض بابا مصر الاعتراف بسلطة البطريرك الملكاني سيروس فتعرض لاضطهاد كبير اضطره لترك الاسكندرية والهرب إلىوادي النطرون ومنها إلىالصعيد واختبأ هناك كما طلب ذلك من اساقفته، فمنهم من اختبأ ومنهم من اتبع سيروس تحت فظاعة الضغوط. عين هرقل اساقفه ملكانيين في نواحي مصر واضطهد المصريين اليعاقبة اضطهادا كبيرا وهاجم البيزنطيين الكنائس والاديرة ونهبوا الأوانيالمقدسة وصادروا الاراضي والممتلكات وساموا الأقباط كل أنواع العذاب والقتلوالتنكيل.
 
هجم العرب على مصر بقيادة عمرو بن العاص بجيش قوامه 4000 محارب دخل الجيش العربي مصر من رفح واستولى على لاريس (العريش) في 12 ديسمبر 639 وزحف على الفرماابعد حصون مصر من ناحية الشرقواستولوا عليهافي 13 يناير 640م وهدموا اسوارها، واستمر زحفهم حتي استولوا على كل الدلتا وحصن بابليون ومنها إلي جنوب مصر حتي تم طرد كل البيزنطيين من مصر 17 سبتمبر642م. واستقبل المصريون الكارهون لكل ما هو بيزنطي الغزاة الجدد بكل ترحيب. تم اجراء معاهدة صلح بين سيروس وعمرو، فرض فيها على المصريين دفع جزيه سنوية مقدارها دينارين على كل رجل مصري بالغ (6 مليون رجل)بمقدار 12 مليون دينار مضاف إليها ضريبة على ملاك الأراضي(3 اردب قمح وقسطين زيت وقسطين عسل وقسطين خل)، ويلتزم المصريين بإعطاء كل عربيجبه صوف أو ثوب قبطي وخفين وبرنس أو عمه وسراويل سنويا، وبنى العرب مدينة الفسطاط واعتبروها مركز وعاصمة لهم وعن طريق دواوينها العربية تمت عربنة مصر خطوه خطوه. استمرت اليونانية كلغة رسميةلمصر حتىسنة 706مكما ظلت القبطية لغة المخاطبة حتى في مدينة الفسطاط نفسها. 
 
أعاد العرب فتح قناة سيزوستريس بين البحر الأحمر والنيل لنقل الغلال والبضائععن طريق البحر بدلا من الجمال، وكأنه لم بتغير شيء، واستمر مسلسل نهب مصر فقط تغير خط السبر من بيزنطة إلى الجزيرة العربية،وسمح العرب بدخول قبائلهمالبدويةللاستقرارفي مصر لعمل توازن نسبى مع المصريين (استعمار استيطاني)الذين تسببوا في الكثير من الاضطرابات والمشاكلفي مصر في العصور اللاحقة.ولما تولي عثمان بن عفان الخلافة ولّي عبد الله ابن ابى سرح على مصر بعد عمرو بن العاص حيث بدا التعسف وزيادةالضرائبترهق المصريين،وأصبحت مصرأقدم بلد في التاريخ وأم الحضارةمجردبقرة حلوب في نظر المحتلين. وتتايع علىمصر ولاة هدفهم الأوحد هو نهب غلتها وملئخزائن الخلفاء بعد ملئجيوبهممن كد وعرق المصريين حتى لو أدي ذلك لمجاعتهم، ولم ينجو من الضرر حتى الذين تحولوا للإسلام وأصبح كل قبطي حتى من أسلم كرها أو اقتناعا مواطنا من الدرجة الثالثة. واستمر حال المصريين من سيئ لأسوأ مع تتابع الخلافات من أموية لعباسية لفاطمية نهاية بالخلافة العثمانية.
 
في 12 أيريل 1798م قام نابوليون بونابرت بحملة عسكرية على مصر والشرق بهدف قطع الطريق ما بين بريطانيا ومستعمراتها في الهند ولاستغلال مواردها في غزواته في أوروبا. استمرت الحملة 3 سنوات(1798-1801م) وفشلت واسفرت عن عودة القوات الفرنسية الي بلادها يعد هزيمة أسطوله من القوات البحرية الانجليزيةبقيادةنلسونفي موقعة أبوقير البحرية(2أغسطس 1798م).
 
تولي محمد على باشا حكم مصر عام 1805 بعد أن بايعه أعيان البلاد ليكون واليًا عليها بعد ثورة الشعب على سلفه خورشيد باشا، ومكّنه ذكاؤه واستغلاله للظروف المحيطة منالاستمرار في الحكم حتى 1848م. خاض في بداية حكمه حربًا داخلية ضد المماليك والإنجليز إلى أن خضعت له مصر بالكامل، ثم خاض حروبًا بالوكالة عن الباب العالي في جزيرة العرب ضد الوهابيين وضد الثوار اليونانيين الثائرين على الحكم العثماني في المورة، كما ضم السودان. وبعدها تحول لمهاجمة الدولة العثمانية وحارب جيوشها في الشاموالأناضول، وكاد أن يسقطها لولا تعارض ذلك مع مصالح الدول الغربية التي أوقفته وأرغمته على التنازل عن معظم ما ضمه من أراضي .أدرك محمد علي أن نهضة دولته يجب أن ترتكز على منظومة تعليمية تكون العماد الأساسي لتوفير الكفاءات البشرية التي تدير هيئات دولته الحديثة وجيشها القوي. لذا فقد بدأ بإرسال طائفة من الطلبة الأزهريين إلى أوروبا للدراسة في مجالات عدة، ليكونوا النواة لبدء تلك النهضة العلمية. كما أسس المدارس الابتدائية والعليا، لإعداد أجيال متعاقبة من المتعلمين الذين تعتمد عليهم دولته الحديثة، وبني نهضة شاملة في الاقتصاد والزراعة والصناعة. واستمر الحكم في أسرته وراثيا والذي انتهي يطرد آخر ملوك مصر فاروق الأول بقيام حركة ضباط 23 يوليو 1952م.
 
   من خلال حكم أسرة محمد علي عرفت مصر الديموقراطية تدريجيا بعد أن مشي الشعب بقيادة نخبته الواعية المتطلعة للمزيد على الأشواك حتى حصلت على دستورها 1923م، بهذا الدستور عرفت مصر طريق الديموقراطية وتبادل السلطة بين الأحزاب، ولكن لم يستمر ذلك طويلا حتى قام الضباط بحركتهمالغير مباركة لتتوقف مسيرة الديموقراطية والعودة إلى تكبيل الشعب من جديدبأصفاد الديكتاتورية وتكميم الأفواه. وفي عهد حكم السادات غازلنا بشبه ديموقراطية عن طريق انشاء حزب السلطة وحوله أحزاب ديكوريه كرتونية واستمر حالنا من سيئ إلي أسوأ حتى قيام نكسة 25 يناير أو فورة الخريف العربي واستيلاء الفاشية الدينية على السلطة، تلاها خروج الملايين وتفويض السيسي للقضاء على الفاشية وحكم المرشد.
 
   يعد هذا الزمن الطويل الذي عاشته مصر في ديكتاتورية كابدناها لآلاف السنين لم نشهد فيها الديموقراطية ونتعايش معها غبر لحظات تكاد لا تذكر على صفحات التاريخ، هل أن الأوان أن نمارس الديموقراطية الحقيقية أم نظل نرزح تحت نير الدكتاتورية الفاشية الدينية وحكم ضباط الجيش بلا أمل؟ نتمنى أن تكون الأيام حلبي بما نتعشم ونريد ولله المشيئة وحسن المآل.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter