الأقباط متحدون - مَنْ يتغاضى عَن عُنْفِ طِفْلِهِ صغيراً
أخر تحديث ٠١:٢٩ | الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠١٣ | ١٨ كيهك ١٧٣٠ ش | العدد ٣٠٥٣ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

مَنْ يتغاضى عَن عُنْفِ طِفْلِهِ صغيراً

بقلم : مهندس عزمي إبراهيم

إذ تقترب منا ذكرى شهداء كنيسة القديسين تقف أمام ذاكرتنا صورة لم تختفي يوماً عن أذهاننا، ولا لحظة ولا طرفة عين. هي صفحة صفراء نسجتها يَـد الـ لا-إنسانية ومشاعر العنصرية والبغضاء، بل والكفر بسماحة الله ومحبة البشر. نقشت حروفها  أصابع العنصرية المقيتة بالـدم والحبر الأسود. وقرأتها مصر بعيون دامعة وقلوب مفجوعة مكسورة في صباح أول يناير 2011، إثـر الاعتداء الإرهابي على كنيسة القديسين بالإسكنرية عند نهاية الاحتفال بقداس رأس السنة. هي حَدَثٌ دمويٌ ترك خلفه عدداً من الأبرياء الضحايا بين ثكالى ويتامى وأرامل وأموات وعجزة وجرحى وحزانى.
 
فبينما كان العالم كله يُرنم ويُسَبِّح للـه خالق الجميع، رب الحب والسلام، في رأس السنة مستبشراً بقدوم عام جديد أفضل، إذ بالإرهابي الإسلامي الفاجر (المسلم) يُخطط ويُفجِّر المقدسات ويقتل الأبرياء لكي يدخل الجنة!!! هل نلومه!!؟ نعم، نلومه وندينه. ولكنه ما نفذ إلا ما غرس بعقله وقلبه وضميره شيوخ الإسلام وفتاوي التكفير الإسلامي!!!!!!
 
ولم يكن هذا الحدث هو الحدث المفرد في ظلم الأقباط في الأربعة عشر قرنا الماضية. فقد سبق وتبع ذاك الحدث الإجرامي الذي هز مشاعر العالم أجمع، أحداثٌ عديدة مماثلة وأسوأ. أحداث دموية متدنية متعمدة من (إسلاميين أو متأسلمين)، أو هي في الحقيقة وبمنتهى الصراحة، بلا مواراة ولا مجاملة ولا طبطبة، أحداث إجرامية متعمدة من (مسلمين) ضد الأقباط أبناء مصر. ورغم مرور سنوات على تلك الأحداث لم تحرك الدولة بحكومتها وشرطتها وقضاتها ونياباتها وكلهم أيضاً (مسلمون) إصبعاً لمحاكمة وإدانة ومعاقبة مجرم مسلم واحد من المسئولين والمتورطين في تلك المجازر!!!
 
نعم هم قبل أن يكونوا متأسلمين متطرفين هم مسلمون، ولا داعي لتغطية الإجرام بحجاب ونقاب وقناع لا يستر عورة. فعين اللـــه التي تخترق الظلام لا يصعب عليها اختراق الضمائر والقلوب والأقنعة. فكما قال كتاب المسلمين "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مُبين." (سورة الأنعام 59) فالله إذن لا يخفى عليه مقصد أو نية أو حدث أو خافية.
 
من يتغاضى عن عنف ابنه تجاه أطفال الغير صغيراً، سيمارس الطفل عنفه على أبويه كبيراً. فها نحن اليوم، أخيــــراً، بعد صمتٍ مشينٍ طويــــل، وتغاضٍ وتهاون سافر عن المتطرفين المسلمين، بل وتواطؤ صريح من شيوخ وحكومة وقضاء وشرطة ونيابة ومعظم أجهزة الدولة، حكومة تلو حكومة، مع الإرهابيين في أفعالهم الغير بشرية تجاه فصيل مسالم من أبناء مصر... أقول أنه بعدما طالت أصابع الفوضى الدينية والأخلاقية سُمعة الإسلام، وطالت نار العنف والإرهاب سلامة المسلمين والوطن، أعلن د. شوقي علام مفتي الديار المصرية في بيان هذا الأسبوع "إن ما يقوم به الإرهابيون من تفجيرات في مصر هو محاولة رخيصة لزعزعة أمن الوطن من أجل إعاقة مسيرة التقدم والاستقرار. وأن مَن يعتدي على النفس البشرية أيًّا كانت فإنه ينسلخ من وطنيته وقيم دينه (واكرر من وطنيـــته وقِيـَـــم دينــــه)، وجزاؤه هو جزاء المفسد في الأرض."
 
حقيقة فطرية، ليس هناك "ديــن" من الأدين السماوية أو غير السماوية، يُحرِّض تابعيه للتفجير والحرق وسفك دماء الأبرياء المسالمين لمجرد أنهم يدينون بدين آخر أو يتبعون عقيدة أخرى، حتى لو كان الضحايا مشركين وكفاراً وملحدين.". فيا مسلمين ويا قـادة الإسلام وشيوخه الأجلاء، لقد حان الوقت أن تفتحوا عيونكم وأفكاركم وقلوبكم وتدركوا أنكم في عصر المشاركة والتعايش وتعدد العقائد والاحترام المتبادل، لو تفقهون، ولو تبذرون المبادئ السامية السمحاء في عقول وقلوب المسلمين جميعاً!!!
 
وحقيقة أخرى لا ينكرها إلا كاره للحق وللحقيقة، وهي أن المسيحيين، الأقباط، أبناء مصر البكر، لا مهاجرين إليها، ولا وافدين عليها، ولا خائنين لها، عانوا على مدار عقود بل قرون الكثير من ظلم وإرهاب المسلمين والمتأسلمين معاً. هذا الوطن الحبيب نحن من ترابه الطاهر، وجدودنا وشهداؤنا من ذرات هذا التراب النقي. وليس لإنسان مؤمن مسالم أو أو مدَّعي الإيمان أو ملحد مجرم إرهابي على سطح البسيطة له أحقية فيه أكثر منا، ولا يمكن لإنسان أو عنف أن يُنسينا محبة وغلاوة مصر.
 
قد يُغضِب مقالي بعض المسلمين الطيبين الخيّرين. فلهم أقول "ما ساءنا إرهاب الشريرين قدر صمت الخيِّرين عليه." فالساكت عن الشرير شريك له في شره. وفي هذا المجال يحضرني قول مارتين لوثر كنج "لست فقط محاسباً على ما تقول، أنت محاسب أيضاً على ما لم تقل حيث كان لابد لك أن تقول."!! وكذلك قوله الحكيم "في النهاية لن نذكر كلمات أعدائنا، بل صمت أصدقائنا."!!
وختاماً، كم أثمِّن قول الشاعر السوري المسلم، علي أحمد سعيد، المعروف باسم أدونيس "ليس هناك ما هو أكثر جحيمية من أن يَقتل إنسان إنساناً آخر، لا لشيء إلا لكي يَدخل الجنة."

 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter