من الجرم أن ينسب ما تشهده مصر فى بعض كليات بعض الجامعات المصرية إلى الحركة الطلابية أو تاريخها، لأنه سيكون ظلماً وتشويهاً لتاريخ طلاب مصر.
إن ما تشهده مصر الآن من مظاهرات مخططة يشارك فيها بعض الطلاب هو جزء من مخطط إجهاد الدولة لإفشالها وإسقاطها، هذا الجزء يأتى بعد أن فشلت جماعة الإخوان المسلمين فى إشاعة الفوضى فى الشارع وتراجع قدرتهم على الحشد واستمرار نزيف الشعبية، بعد حالة الفوضى التى أرادوا أن ينشروها والدماء التى سالت وتسيل بسبب العمليات الإرهابية أو الصدام مع المواطنين والأمن، وأتى قرار اعتبارها منظمة إرهابية ليرفع. الجامعات تتميز بحصانة وحرمة معينة فى التاريخ السياسى المصرى وفى العقلية المصرية، وأيضاً تتمتع الجامعات بما يطلق عليه «الحرم الجامعى»، هذا الحرم اكتسب تاريخياً
حصانة، حتى لو كان مظهره شديد الفقر أحياناً. هذه «الحرمانية» لم تمنع من قبل التدخلات السياسية والأمنية، ولكن فى كل المرات كان التدخل سبباً فى حرج لمن يقوم به، وكان إجراء أخيراً تدفع ثمنه الإدارة المسؤولة إعلامياً ومجتمعياً. تميزت الحركة الطلابية المصرية تاريخيا بأنها كانت تعبيراً متقدماً عن أهداف المجتمع الذى خرجت منه، استطاع فى مرات متعددة أن يعبر عن تطلعاته السياسية والاجتماعية، وفى مرحلة النضال الوطنى ضد الاستعمار البريطانى كان فى طليعة المناضلين. حتى فى الفترة الناصرية ظلت الحركة الوطنية إما فى موقع المحاسب للنظام على أخطائه ودفعه لتصحيحها كما حدث فى مظاهرات 1968، أو مطالب بإصلاحات سياسية. وهكذا استمر الحال فى فترة السادات التى انقسم أداء الحركة الطلابية فيها إلى مرحلتين: الأولى مرحلة ما قبل حرب أكتوبر
1973 وما بعدها، إذ تركزت الحركة فى مرحلتها الأولى على الدعوة للحرب على إسرائيل ودفع النظام لاتخاذ القرار، بينما ركزت المرحلة الثانية على رفع الشعارات الإصلاحية اجتماعيا وسياسيا، كان التيار الدينى الذى بدأ يظهر بين جنبات الجامعة، متمثلا فى أسر طلابية أطلق عليها «جماعات الوعى الدينى»، تحولت فيما بعد إلى الجماعة الإسلامية، وكانت نشأة وبداية هذه الجماعات بدعم وحصانة مباشرة من أجهزة الدولة السياسية والأمنية فى ذلك الوقت، لمواجهة المد اليسارى والناصرى فى الجامعات، واعتقد المسؤولون وقتها أن السبيل الوحيد هو حصارهم بتيار دينى طلابى، لكنهم لم يعلموا أنهم بذلك أخرجوا عفريتا من قمقمه.
أما فترة مبارك فقد شهدت تراجعا حادا فى حضور وتأثير الحركة الطلابية، وفى أسباب ذلك يمكن الحديث طويلا، لكن ما يمكن الإشارة إليه فى هذا المجال هو أن هذا التراجع كان منطقيا مع سلوك الدولة فى تلك المرحلة التى مارست فيها أسلوبا حاصرت به القوى المدنية فى المجتمع، خاصة مع ما ساد من توجه واضح للمسؤولين عن أنه لا سياسة فى الجامعة. كانت النتيجة فى الجامعة نتيجة هذا الحصار كالنتيجة خارجها. حصار القوى المدنية وتفريغها من قياداتها وتقزيمها أدى إلى حدوث حالة من الفراغ كانت القوة الوحيدة القادرة على ملئه هى القوى المحسوبة على الإسلام السياسى، وساهمت فى هذا أيضاً سياسة النفاق لهذه القوى والتعامل بسياسة الاحتواء أو ما اعتقده المسؤولون فى ذلك الوقت. لم يبق فى الساحة سوى الدولة والإسلاميون، وفى الجامعة كانت منقسمة بين الإسلاميين واللامبالين.