الأقباط متحدون - قلب لحم
أخر تحديث ٠١:١٧ | الأحد ٥ يناير ٢٠١٤ | كيهك ١٧٣٠ ش ٢٧ | العدد ٣٠٦٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

قلب لحم

بقلم: ليديا يؤانس
 
31 ديسمبر آخر يوم في السنه،  1 يناير أول يوم في السنه. الفرق بين التاريخين،  دقيقة واحدة لنقول العام الماضي والعام الجديد. 
دقيقة واحدة صاخبة تتراقص بين الإحتفالات والأزياء والتقاليع والغِناء والرقص والقُبلات والأحضان والصلوات والتضرُعات والتسابيح والضحك والبُكاء، وقرع كوؤوس المشروبات، ورنين التليفونات، وكلمات الرسائل الإلكترونية واللاسلكية.  
دقيقة واحدة لنِتذَكر الأحباب الأحياء مِنهُم والأموات.  
دقيقة واحدة لِتلهج الألسنه بِأُمنيات القُلوب وتبادُل الهدايا.  
دقيقة واحدة لتُِحقق فيها كلمة "حُبْ" الرقم القياسي بالنسبة لباقي كُل كلمات القواميس على مختلف لغاتها.  
دقيقية واحدة يُحتفل فيها بتقليد لا تقتدي به كل البشرية ولكن الغالبية منهم وهو إطفاء الأنوار لمدة دقيقة!  وكأن الظلام يُسدِلْ أستارُه على الماضي ليُعلن إنتهاء هذا الفصل مِنْ مسرحية الحياة،  ثم إضاءة (النور) ليُعلن ميلاد فصل جديد مِنْ مسرحية الحياة مع الأمل بإستمرار الحياة كما تَرغبُه كُل نفس بشرية.     
 
تاريخين ليسا مُنفصلان ولكِنهُما مُتصلان بشكل دائري ليُعلنا عن إستمرارية الحياة وعن تكرار هذا الإحتفال كل 12 شهر وفي نفس التوقيتان 31 ديسمبر من السنه الماضيه، 1 يناير من السنه الجديدة.  
عام مضي وعام جديد ليزيد عُمر التاريخ بِسنه،  وينقُص عُمر الإنسان بسنه إلي أن تأتي ساعة يتوقف فيها عُمر الزمان وبالتالي عُمر الأحياء في ذلك التاريخ.
عام مضي بالحِلو والمُر وعام جديد أيضاً بالحِلو والمُر لأنها سُنة الحياة!
عام مضي وأصبح ذكريات سواء أكان حُلواً أو مُراً،  وعام جديد ليُصبح حاضراً ومُستقبلاً نتمني فيه تحقيق آمالنا وأحلامنا وسعادتنا.
 
يُسعدني أن  أُهنيئ العالم كُله بعامٍ مضي و عامٍ جديد،  ونرفع قُلوبنا جميعاً بالشُكر لله علي المُر قبل الحلو لأنه يعلم ما هو الأفضل والخير للإنسان.
نشكُر الله ونقول له كللت السنه بجودك،  وسَتُكللْ السنه الجديدة بعظيم محبتك وكرمك وجودك. 
يا الله العظيم الأبدي، يا لِغني نعمتك، يا لفيض حنانك،  أنت تعلم ما لا نعلم وتفهم ما لا نفهم،  لأن أفكارك غير أفكارنا وطُرقك غير طرقنا،  ولكننا واثقون في قُدراتك وإمكانياتك وفوق ذلك محبتك لخليقتك صَنعة يديك. 
 
يا إلهنا القادر على كل شي إستقرار وسلام العالم بين يديك، هُنا وهُناك حُروب وإضطهادات وكوارث طبيعية وبشرية، نُصلي ونتضرع إليك يارب مِنْ أجل كُل الشعوب وخاصة مصر وسورية ولبنان والسودان والعراق وتونس وتركيا. نطلب بلجاجة أن تختار قادة على حسب قلبك لتستقر الشعوب وتستمر مسيرة السلام. آمين.  
 
سؤال يتداول مع بداية كل عام جديد:  ماذا تُخبئ لنا السماء هذا العام؟  أو ما هي هدية (عطية) هذا العام؟
تتوارد الأماني بين ماهو مادي وحسي وروحي،  بين ما هو شخصي وعام،  وأيضاً بين ماهو عطية بشرية وعطية إلهية!
وأي إن كانت هدية العام الجديد لك لن تَحصُل عليها ولن تستمتع بها ما لم يكن بداخلك قلباً نقياً إنسانياً!
 
العام الماضي كان عاماً مؤلماً بأحداثه وأحزانه أكثر مِنْ أفراحه وإنتصاراته بالنسبة للكثير من الناس والشعوب،   ولذا أتوقع أن يَمِن الله علي العالم بهدية فريدة مِنْ نوعها هذا العام،  لأن الله بمحبته لخليقتهُ يود دائماً أن يُعطي هدايا وعطايا عظيمة!
 
هدية الله للعالم كله هذه السنه تقول "وأُعطيكم قلباً جديداً وأجعل روحاً جديدة في داخِلكُم وأنزع قلب الحجر مِنْ لحمكم وأُعطيكم قلب لحم." 
 
القلوب مُتحجره،  حينما تقتُل وتُعذِب وتذبح وتسفك الدماء بلا رحمه .. لديك فُرصة لتحصُل علي قلب لحم بدلاً مِنْ قلبك المُتحجر ليس مِنْ أجل الآخرين ولكن مِنْ أجل نفسك أولاً لأنهُ بدون قلب لحم يحمل الصفات الإنسانيه فأنت لا تنتمي للإنسانية ولا لأي نوع من المخلوقات بل تنتمي لمملكة الشيطان والكونيات الصماء.  الشخص الذي كان يُلقي بالشباب والأطفال مِنْ فوق أسطُح المنازل قال أنا لستُ مُصدقاً ما فعلتهُ ..  ولماذا فعلته؟  .. فِعلاً .. لماذا فعلت ذلك؟  ومِنْ أجل مَنْ؟
 
القلوب مُتحجره،  حينما يخونون أوطانهم مِنْ أجل حِفنة مال!   أنهم يتسببون في دمار وضياع أبناء الوطن وإنهيار الدولة .. لديكم فرصة في أن  تتغيروا من داخلكم وتنظفوا ضمائركم ، لكي تكون قلوبكم قلوب لحمية تنبُض بالحياة مِنْ أجل حياة الآخرين وليس مِنْ أجل المال.   
 
القلوب مُتحجره،  حينما تَسرِق ما ليس مِنْ حقك سواء أكان مال أو مجهود أو فِكر أو عِرض أو حتي إنسان .. لديكُم فرصة في أن تَقتنوا قُلوباً لحمية ذات ضمير إنساني يفكر في أن سرقة ما ليس من حقك قد يؤدي إلى دمار و موت إنسان برئ لم يؤذيك حتي ولو كان موته موت نفسي،  ولكن بسلبك ماله أو أفكره أو عمله أو حبيب/حبيبة أو زوج/زوجة  قد  تُدمِر حياته وتكون نهايته بسببك.
 
القلوب مُتحجره،  حينما تتكلم عن أعراض الناس حتي ولو كُنت على حق ويقين مِما قُلتْ .. أنت لست الله لتُِدين الناس،  لأنك لا تعرف ظروف الناس وما الذي دفعهم لذلك.  ويمكن لو كنت في مثل ظروفهم لفعلت أكثر مما فعلوا،  إنزع قلب الحجر الذي بداخلك وأقتني قلباً لحمياً يترفق بالضعفاء لأننا كلنا في الموازين إلى فوق!  ودع المُلك لِصاحب المُلك،  لأنه وحده عَلاَمْ الغيوب ووحده الذي يُدين ويُعاقب ويُهدي ويُغير القلوب والنفوس.
 
القلوب مُتحجره،   حينما تُعثِر الآخرين بأن تذدريهم وتُقلل مِنْ شأنهم وتُفقِدهُم الثقة بأنفُسهم .. أنت ذو قلب مُتحجر ليس به رحمة لأنه بكلامك سيفقد الإنسان ثقته بنفسه،  ولا يستطيع أن يَشُق طريقه في الحياة،  ويُمكن كلامك يُروج إشاعات حول الشخص وإمكانياته  فيجعل الآخرين يبتعدون عنه ولا يعطونه فرصة للعمل والحياة في وسطهم وبالتالي ستكون قد تسببت في قتل هذا الإنسان روحياً وبالتالي جسدياً.
 
القلوب مُتحجره،   حينما تؤجر شخصاً للعمل لديك وتستخسر أن تُعطيه أجرته .. أنه مُستحق أجرته كما أنت تأخذ أجرك لكي تُغطي إلتزامات الحياه هو أيضاً يحتاج أُجرته لكي يواصل حياته .. أنت مِحتاج قلب لحم يُقدر إحتياجات الآخرين مِثلما أنت.
 
 القلوب مُتحجره،   حينما يتبرع شخص بأن يؤدي لك عمل أو خدمة بدون مُقابل .. ليس معني ذلك أن تتعامل معه كما تتعامل مع الآله!  أنه إنسان ويستحق أن تُقدره بكلمة شُكر أو مَودة أو تُشعِره بأنك مُمتن لِما يُقدمه لك وللعمل .. أنت محتاج قلب مِنْ لحم تَشعُر به بأحاسيس الآخرين حينما يفتقدون الإهتمام والتقدير الذي من حقهم نظير ما يُقدمونه. 
 
القلوب مُتحجره،   حينما لا تغفر للناس ذلاتهم حتي وإن أساءوا إليك،  ولا تنسي أنه لا يوجد إنسان بلا خطية .. إقتني قَلباً مِن لحم مُتسامحاً غافراً للآخرين، لأنه إن لم تغفروا للناس خطاياهم لا يغفر لكم الله خطاياكم.
 
القلوب مُتحجره،  حينما تجد أمامك الذين يستحقون أن تُساعِدهُم مثل الفقراء والمحتاجين،  ولكن بسبب قلبك المُتحجر تختلق الأعذار لنفسك حتي لا تقدم أقل القليل مما أعطاك الله،  ليكون سند ومعونة لهؤلاء لكي يستطيعوا أن يستمروا على قيد الحياة كما أنت .. حنن قلبك،  إجعل الحجر يلين،  بل إستبدل قلبك المُتحجر بقلب لحم مُتسم بالمحبة والإنسانيه،  قلب مِعطاء مُشفِق على الآخرين،  ولا تنسي أن الزمن بيلف!!!
 
سَمِعتُ قصة تقول: أنه في العُصور الماضيه تكاتفت مجموعة مِنْ مُلوك الدول وقرروا مُحاربة دولة ما.  وبُناءاًً علي ذلك قام  ملك هذه الدولة بإعداد جيوشه لمحاربة الإعداء وإنتهت الحرب لصالح هذا الملك.  
ولكن الملك قرر أن يُذِل مُلوك هذه الدُول،  بأن طلب أن يُعدوا لهُ مركبة فاخرة يجوب بها المدينة في إحتفالات النصر، وطلب أن يستبدِلوا الخيول التي ستجر المركبة بهؤلاء الملوك المهزومين. 
بدأ الموكب يسير في طريقه،   ثم لاحظ الملك أن واحداً مِنْ المُلوك وقد كان متقدماً في السن،  يقف كُل بضعة أمتار ليلتقط أنفاسه وفي نفس الوقت يُصوب عينيه على عجلات المركبه!   كل بضعة أمتار يقف ليلتقط أنفاسه و يصوب عينيه على عجلات المركبه!  
سأله الملك:  لماذا تقف مِن حين لآخر وتُركِز نظرك علي عجلات المركبة؟  رد قائلاً:  ياجلالة الملك أصل العجل بيلف!!!
قال لهُ: لستُ أفهم ماذا تقصد؟   أليس ذلك شيئاً طبيعياً ان العجل يلف!!!  رد علية الملك العجوز قائلاً:  عندما يَلِفْ العجل إللي فوق ينزل تحت وإللي تحت يطلع فوق!!!
هز الملك رأسه وأمر بوقف الموكب وطلب مِنْ قواد جيشه بأن يحضروا خيول لِتَجُر المَركَبه،  وأصعد المُلوك المهزومين وأجلسهم بجانبه في المَركَبه.  
 
عام سعيد لكُم أعزائي القُراء والعالم كُله!
وأكيد مُنتظرين هداياكُم!  ولكن مَنْ الذي سَيُعطيكُم هداياكُمْ؟ 
الله هُوّ المُعطي والمانِحْ لِكُلْ عطية مِنْ أجل محبته للجميع.
الله وحده هُوّ القادر علي إستبدال القُلوب الحجريه بقلوب لحميه،  ولكن الله ينتظر من الإنسان أن يُبدي إستعداده للتغيير لكي يكون مُستحقاً لإستقبال عطية الله وهذا لا يتم إلا مِنْ خلال قلب حساس،  قلب محب،  قلب غافر، قلب يخاف لله،  قلب مُصلي،  وقلب له علاقة شخصيه مع الله.
 
وكل سنه وحضراتكُم طيبين!           

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter