الأقباط متحدون - أنا لا أعبد الله
أخر تحديث ٠٤:٤٦ | الأحد ٥ يناير ٢٠١٤ | كيهك ١٧٣٠ ش ٢٧ | العدد ٣٠٦٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أنا لا أعبد الله

تعبيريه
تعبيريه

بقلم : فاروق عطيه
أعلم أنني لو كنت أعيش الآن بمصر لعُلقِت لي المشانق حتى قبل أن يقرأ أحد هذا المقال، يكفي قراءة العنوان حتى تقوم الدنيا ولا تقعد وتُكال لي التهم بالكفر والإلحاد، ويُسرع نبيه الوحش محامي المصائب لرفع دعوي قضائية علىّ بالتكفير، وريما انبرى أحد ممن لا يقرأون أو يكتبون ليهجم علىّ حتى ينفذ فيّ قانون الغوغاء بالتصفية الجسدية السائد هذه الأيام.


   أنا هنا لا أقر بالعبودية أي كان نوعها حتى لو كانت للخالق نفسه لأنه خلقنا أحرارا على صورته ولم يخلقنا عبيدا. ولتوضيح الصورة نعود لقصة خلق الإنسان في الديانات المختلفة، وأولها ما وجد مكتوبا على اللوحات الطينية باللغة المسمارية. فقد كانت الميثولوجيا السومرية أول من عالج قصة خلق الإنسان في الأدب المكتوب وذلك في نص يعود إلى النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد: قبل أن يظهر الإنسان على الأرض ويقدم لآلهته القرابين التي تقيم أَودَهُم، كان الآلهة يعملون ويكدون في الأرض من أجل تحصيل معاشهم وحين شعروا بالتعب من العمل ذهبوا إلى إله الحكمة "انكي" ليجد لهم حلاً، ولكن "انكي" لم يعط أذناً صاغية لشكواهم، فذهبوا إلى أمه للوساطة فخاطبته قائلة: "أي بني، انهض من مضجعك واصنع أمراً حكيماً.

اجعل للآلهة عبيدا يقدمون لهم معاشهم". نزل "انكي" عند مشيئة أمه وأعطى تعليماته بخصوص عملية صنع الإنسان التي شارك بها كل من الإلهة "نمو" والإلهة "ننماخ" (الأم الأرض) وآلهة الصناعة وربات الولادة، وجرى صنع الإنسان من الطين على صورة الآلهة. وعند هذه النقطة ينكسر الرقيم الفخاري وتضيع بقية القصة. ثم التقطت الميثولوجيا البابلية اللاحقة العناصر الرئيسة لهذه القصة، وصاغتها بصورة مشابهة. ففي ملحمة أترا حاسيس نجد الآلهة المكلفين بالعمل والكد في الأرض يعلنون الثورة على وضعهم ويحرقون أدوات عملهم ثم يمضون إلى الإله "إنليل" طالبين إنصافهم، فيوكل "إنليل" إلى الإلهة "مامي" (ننماخ أو ننتو) مهمة خلق الإنسان التي تنفذها بالتعاون مع الإله "انكي"، حيث يتم قتل أحد الآلهة ويعجن دمه ولحمه بالطين الذي يُصنع منه جسد الإنسان. وبذلك يتحد الإله والإنسان في عجينة واحدة. ويتم خلق الزوجين الأولين آدم وحواء، ويدعوهما أوليجار وألجار اللذين سوف يحملان وذريتهما عبء العمل عن الآلهة كعبيد لهم. فبعد الانتهاء من فعاليات التكوين، اجتمع الآلهة وتساءلوا عما بقي عليهم خلقه. فقال بعضهم لبعض: "لنذبح بعض آلهة اللامجا (وهم فصيلة من صغار الآلهة)، ومن دمائهم فلنخلق الإنسان فنوكله بخدمة الآلهة على مرّ الأزمان. سنضع في يده السلة والمعول، فيحفر الخنادق والترع، ويسقي الأرض بأقاليمها الأربعة، ويخرج من جوفها الخيرات الوفيرة".
 
 وقصة الخليقة في مصر القديمة تقول: أن رع إله الشمس كان كامناً في حضن المياه الأولى نون تحت اسم آتوم. ولخوفه على نوره من الانطفاء انطوى داخل برعم لوتس وظل يهيم على غير هدى في الأعماق المائية. ثم جاء وقت سئم فيه من حالته الشبيهة بالعدم، فانبثق بإرادته الخاصة وتجلى تحت اسم "رع". وبعد ذلك أنجب الهواء شو وهو مذكر، والرطوبة تفنوت وهي مؤنث. وهذان أنجبا بدورهما الأرض جيب وهو مذكر، والسماء نوت وهي مؤنث. وكانت السماء والأرض في حالة التصاق وعناق شبقي دائم، ولكن الهواء شو تسلل بينهما فرفع السماء على ذراعيه نحو الأعلى ووطئ الأرض بقدميه. ومنذ ذلك الحين وجيب ينوح ويبكي على فراق زوجته نوت. فقد الإله رع إحدى عينيه، فأرسل ولديه شو وتفنوت للبحث عنها. ولما طال غيابهما اتخذ لنفسه عين أخرى، لكن العين الغائبة عادت لتجد رع قد اتخذ عين أخرى. ذرفت رموت الدموع من شدة الغيظ فنتج عنها البشر رمث، ولكن رع قام بترضيتها فسلمها إلى الإله تحوت (الإله الكاتب) ليرفعها للسماء لتضيء الليل, وهكذا ولد القمر، وعندما فقد حورس عينه اليسرى في حربه مع عمه ست منحه تحوت تلك العين. قرر رع الانسحاب إلى السماء، فاستقر فوق بقرته السماوية التي يرفعها الإله شو، وسلم إدارة الأرض للإله تحوت والرموز الملكية إلى الإله جب، فتم الفصل نهائيا بين البشر والآلهة.

وبدأ من هذا الوقت حكم الفراعنة الذين تختارهم الآلهة ممثلين عنها في الأرض وشركاء لهم في السماء.
ومن هذه الأساطير الرافدينية ترسخت فكرة العبودية، عبودية الإنسان للخالق، ولم تجنح الأساطير الفرعونية ذات النحو. وليس حقيقيا أن الله خلق البشر ليكونوا عبيدا له لمجرد أن يعبدوه لكنه خلقهم على صورته ليعمّروا الأرض كما سنري في قصة الخلق التوراتية. حتى لفظ العبادة نفسه غير موجود إلا في لغاتنا السامية ففي اللغة الإنجليزية مثلا لا يطلق لفظ (سلافري) على وسيلة الاتصال بالخالق ولكن بطلق اللفظ (وورشب) ومعناها التوقير أو أداء الطقوس الدينية.   
Worship = to revere, attend a religious services
   وقصة خلق الإنسان في التوراة جاءت في الإصحاحين الأول والثاني وتقوم قصة خلق الإنسان التوراتية على ثلاثة عناصر رئيسية مضاف إليها عنصر الجنة حيث أقام الإنسان الأول. وهذه العناصر هي: خلقُ الإنسانِ من تراب ممزوج بالماء وصُنعه على شبه الإله وفرضُ عبء العمل عليه. في الإصحاح الأول من سفر التكوين: وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا، فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض. فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكراً وأنثى خلقهم. وباركهم الله وقال لهم: أثمروا وأكثروا، واملأوا الأرض وأخضعوها، وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء، وعلى كل حيوان يدب على الأرض. وقال الله إني قد أعطيتكم كل بقل يبزر بزراً، وكل شجر فيه ثمر ليكون لكم طعاماً". (1: 26- 29) وفي الاصحاح الثاني من سفر التكوين: هذه مبادئ السماوات والأرض حين خُلقت. يوم عمل الرب الإله الأرض والسماوات، كل شجر الأرض لم يكن بعدُ في الأرض، وكل عشب البرية لم ينبت بعد، لأن الرب لم يكن قد أمطر على الأرض، ولا كان إنسان ليعمل في الأرض. ثم كان ضباب يطلع من الأرض ويسقي كل وجه الأرض. وجبلَ الرب الإله آدم تراباً من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفساً حية. وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقاً، ووضع هناك آدم الذي جبله. وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل، وشجرة الحياة في وسط الجنة، وشجرة معرفة الخير والشر... وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها. وأوصى الرب الإله آدم قائلاً: من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً، وأما من شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت.

وقال الرب الإله: ليس جيداً أن يكون آدم وحده، فأصنعُ له مُعيناً نظيره. وجبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء، فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها، وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو اسمها. فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية، وأما نفسه فلم يجد معيناً نظيره. فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام، وأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً. وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة، وأحضرها إلى آدم. فقال آدم: هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي، هذه تدعى امرأة لأنها من إمرء قد أُخذت، لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً. وكانا كلاهما عريانين، آدم وحواء، وهما لا يخجلان". (2: 1-25).
   من قصة الخلق التوراتية نري أن الرب الخالق قد جبل الإنسان على صورته وجعله خليفة ليعمر الأرض ولم بجعله عبدا ذليلا له بل مخلوقا شبيها أعطاه العقل ليفكر ويميز بين الخير والشر. لذلك فأنا أحب خالفي وأجثو بين يديه وأهيم به حبا، أوقره واؤدى له كل الطقوس الدينية بكل حرية منحها لي، فقد جبلني حرا حتى لا عبده.


 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter