بقلم: القس نصيف هارون فلتس- سيدني
منذ اكثر من عام تقريبا، تحديدا وقت الانتخابات الرئاسية السابقة 2012، التي أعُلنت لصالح مرشح الاخوان آنذاك د. محمد مرسي العياط. كتب كثير من اصدقائي الذين يدْعَّون الحكمة السياسية والقدرة الجيدة على قراءة الاحداث عشرات التعليقات بواسطة شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك والتويتر وغيرها، والتي ترفض انتخاب شفيق رئيسا - ولم اكن مؤيدا له- لانه من النظام السابق. كانت حجتهم ان نجاح الفريق شفيق يعني العودة الي حكم العسكر "المؤسسة العسكرية"، كما أنه من رجال مبارك، الحرس القديم، النظام البائد...الخ. قاد مثل هذه الاراء وغيرها الي التغرير والتضليل ببعض البسطاء لانتخاب البديل "مرسي"، املاً انه سيكون أخف قسوة وأشدة رحمة ولاسيما انه يمثل جماعة ذاقت التعذيب والتهميش والسجن في عهد النظام البائد، هكذا كانوا يقولون ويمنون انفسهم.
فالدكتور مرسي ينتمي لجماعة دينية "تعرف الله"، وتناسى اصدقائي الاحباء وغيرهم تاريخ الاخوان المظلم والشرير. تناسوا أعمال التخريب والقتل والتكفير للاخر. تناسوا أقوالهم المنشورة والمعلنة في الصحف وقتها وقبلا. قال مرشدهم الاسبق: "طز في مصر" أو " أفضل ان يحكمني مسلم ماليزي افضل من مواطن مصري مسيحي". جماعة الاخوان كفرت المجتمع انظمته وكل من لا ينتمي الي جماعتهم وعشيرتهم. تناسى اصدقائي منهج الاخوان في العنف والغش والتلاعب بالدين لصالح أغراضهم وهذا ما يسجله التاريخ عنهم. فالاخوان المسلمون لا يهتمون الا بمصالحهم الشخصية ولوكانت على حساب الوطن ولا مصلحة الوطن، وهذا ما يتثبته التاريخ السابق وتؤكده سنة واحدة تحت حكمهم. سنة واحدة كانت كافية ليخرح جموع المصريين ثائرين منددين بحكمهم ومنهجهم - بما فيهم اصدقائي الذين رحبوا بحكمهم هربا من حكم المؤسسة العسكرية.
نعم، كانت سنة واحدة لحكم الاخوان كافية ومبرر قوي لخروج اكثر من 30 مليون مواطن في ثورة 30 يونيو 2013 تطالب برحيل الرئيس المعزول محمد مرسي. يوم ان خرج المجتمع المصري عن بكرة ابيه مطالبا بحياة امنه واستقرار بعيدا عن هذه الجماعة الارهابية. دفع المجتمع المصري الثمن والكنيسة المسيحية كان لها النصيب الاكبر في هذا الثمن من حرق وتدمير لأكثر من 82 كنيسة ومباني خدمات خاضعة لكنائس ومكتبات مسيحية حُرِقت بالكامل. واستيقظ اصدقائي منددين ورافضين - هم أنفسهم- ولست مندهشا من ذلك.
ولكني اندهش اشد الاندهاش الان، فها هم اصدقائي مرة ثانية يبلعون الطعم ويقعون في ذات الفخ، مصدقين للاشاعات التي يروج لها الجماعات الارهابية "الاسلامية" بدعوة المقاطعة، وانهم لن ينزلوا للادلاء باصواتهم. لكن اقولها لكم وللجميع الاخوان كاذبون دائما، سينزلون اول الناخبين.
لست اكتب هذا المقال لتوجيه الناس الي موقف معين او التصويت بنعم او لا. فقد ذهبتُ للتصويت على الدستور في مقر القنصلية العام في استراليا كعائلة، وزوجتي وانا لأننا نحب هذا الوطن ونطلب امنه وسلامه، ولاننا نؤمن بالواجب السياسي وحقوق المواطنة الكاملة وواجبات الوطن علينا. رغم انني أرفض التأثير على الناخبين من القيادات الدينية بتوجيهم الي التصويت بنعم او لا، فهذا سلب لارادة الموطن الحرة.
الدين عندما يختلط بالسياسة يفسد كلاهما الاخر. نعم لست مع القيادات الدينية ورجال الدين الذين يدعون الناس للذهاب الي الصناديق لقول نعم. كلنا يعلم ما مصير هذه الدعاوى من زرع فتن وخلق العدواة بين اطياف المجتمع، هذا بخلاف خلق مواطن هزيل ضعيف لا يقدر على اتخاذ قرار بنعم او لا.
ادعوة رجال الدين والمفكرين وغيرهم من المهمومين بشئون الوطن وقضايا الي تنوير المواطن البسيط ببواطن الامور، فاعتقد انه اكثر من 50% من الذين سوف ينزلون للاستفتاء على الدستور لم تتح لهم الفرصة لقراءة الدستور لو اتيحت الفرصة فليس هناك الوقت الكافي، وان كان الوقت والفرصة فليست لهم الخبرة الكافية لفهم مواده وابوابه كافة، وما مدى تاثيره على مستقبل مصر وعلاقاتها الخارجية والداخلية.
فالدستور أعم وأشمل من القانون. الدستور هو الذي ينظم القوانين والاحكام كما ينظم العلاقات الدولية الخارجية ومؤسسات الدولة الداخلية..الخ. فهل المواطن العادي - الذي قد يكون لا يعرف القراءة والكتابة- قادر على اتخاذ قرار اذا تُرِك لشأنه؟ بالطبع لا. هنا يأتي دور مؤسسات المجتمع المدني والاعلام وغيرها من المؤسسات ورجال الدين والفكر في عقد الندوات وعمل شروحات او فيدوهات بسيطة واعلانات للتوعية والتنوير وبالضرورة توخي الحيادية والموضوعية في ذلك. وأعتقد ان هذا الدور كان ينبغي ان يسند الي لجنة الخمسين الذين وضعوا الدستور في صياغته النهائية والتي وافق عليها رئيس اليلاد المؤقت المستشار عدلي منصور.
تنوير وتثقيف المواطن سياسيا هام جدا ليس فقط في مناسبة معينة بل لخلق مواطناً مستنيراً قادراً على التمييز واتخاذ القرار بنفسه. اؤيد بشدة مثل هذه الامور كما ارفض التعامل مع الناس بسياسة القطيع وقيادتهم بكلمة او توجيه من شخصية مشهورة او مؤثرة.
اصدقائي الاعزاء احترام رأيكم الرافض التصويت، الداعي الي المقاطعة، وتعلنون هذا صراحة كما تعلنون رفضكم لتوجيه وتدخل رجال الدين في العملية السياسية. دعني اهمس في اذأنكم أليس اعلان مقاطعتكم توجيها للناخب وتأثير عليه ايضا؟ أليس اعلان رفضكم للتصويت - كما حدث في انتخابات الرئاسة 2012- توجيها بل سلب لارادة الناخب؟ لماذا نعطي انفسنا الحق في شيء ما ونمنع ذات الحق عن الاخر؟
اختم حديثي هذا بدعوة جميع المصرين الي النزول الي صناديق الانتخابات للاستفتاء على الدستور. لا تنسوا انها خطوة في خارطة الطريق لمستقبل مصر، حتى وان كان في هذا الدستور بعض الثغرات. ادعوك ايها الموطن المصري الحر ان تمارس حقك دون التأثير عليك من احد، بنعم او لا. فنعم للتنوير والتثقيف ولا للتوجيه والارغام وسلب الارادة بموفقة ومباركة رجال الدين او غيرهم. تذكروا ان الدين والسياسة متى اختلطا يفسد كلاهما الاخر.