عبداللطيف المناوى | الخميس ١٦ يناير ٢٠١٤ -
٠٤:
١١ ص +02:00 EET
بقلم عبداللطيف المناوى
كانت السمة السائدة فى استفتاءات الإعلان الدستورى فى ٢٠١١ ودستور الإخوان فى ٢٠١٢ هى حالة من التوتر والحماسة المندفعة فى الأول، والغضب والتربص فى الثانى. تذكرت هذا الوضع وأنا أقف فى طابور الاستفتاء بالأمس، وكان أكثر ما لمسته تلك الحالة من السكينة والإصرار التى سكنت كل الواقفين فى صبر انتظارا لدورهم، وتعلو الوجوه كلها ابتسامة رضا وأمل. الكل يقف فى الطابور وهم يتبادلون الحديث عن الأمل فى القادم والدعاء لمصر. تنطلق صوت زغرودة قوية عالية ويضحك الواقفون ويسأل أحدهم: «هو فيه إيه فوق علشان الزغاريد؟»، وتجيب عليه أصوات متعددة: «واحدة فرحانة علشان مصر»، لم ينزعج أحد من الواقفين من رؤية عدد من قوات الجيش والشرطة يتخذون مواقع تحسبا لأى جنون إخوانى، بل على العكس خلق هذا التواجد شعوراً بالاطمئنان والأمان. الكثير من كبار السن وقفوا انتظارا لدورهم ولم يتوقف دعاؤهم للضباط والجنود الواقفين لينظموا الدخول ويحكموا اللجان.
كانت إحدى الظواهر التى أذكرها وقت الطفولة فى الأعياد هى أولئك الأطفال الذين يرتدون زى الضباط، كانت هذه ملابس العيد. على مر السنين تراجعت هذه الظاهرة، بل اختفت تقريبا. وفى السنوات الأخيرة خاصة عندما تمكن الإخوان وبعض عملائهم من دق إسفين بين قطاعات من الشعب وجيشهم، بدا أن الجيش قد خسر كثيرا من حضوره فى نفوس شعبه، وبدا كأن هناك جفوة مرشحة للاتساع والعمق يوما بعد يوم، وكان سعى الإخوان حثيثا فى هذا الاتجاه. أحد أسباب ونتائج ما شهدته مصر من ثورة وبدء انطلاق هو عودة تلك العلاقة الحقيقية بين الشعب وجيشه. لهذا لم أستغرب أن يأتى البعض رجالا أو نساء وهم يصحبون معهم أطفالهم مرتدين زى الضباط، بدا اليوم لهم يوم عيد. ولم ينافس الفنان أحمد السقا الذى كان فى اللجنة للإدلاء بصوته سوى الجنود الذين فى اللجنة لحمايتها، كثيرون حرصوا على التقاط الصور مع السقا كما حرصوا على التقاطها مع أولئك الجنود.
يكتسب هذا الدستور أهمية كبيرة فى حسم أمورنا وبدء صفحة جديدة فى مسيرتنا، ولأنهم فى الإخوان وعملائهم يدركون ذلك فإنهم يقاتلون بشراسة من أجل الحيلولة دون نجاح الاستفتاء، لأن نجاحه سوف يسقط عنهم ورقة التوت الأخيرة التى يدعونها تحت مسمى الشرعية، وإذا كانوا يتحدثون عن الصندوق وشرعيته فها هو الصندوق يطيح بما يدعون ويخلق شرعية جديدة كاسحة غير قابلة للتشكيك فيها. يحلو للبعض هذه الأيام اعتبار التصويت على الدستور تصويتاً على الرغبة فى دفع الفريق السيسى للترشح، وقد يكون هذا صحيحا، ولكنى أعتبره يتخطى ذلك إلى أنه إعلان بإغلاق ملف الادعاءات الإخوانية بالشرعية إلى الأبد، وإعلان عن بدء انطلاقة جديدة لمصر فى اتجاه تأسيس الدولة المدنية الحقيقية.
عندما كنت أناقش من أناقش من الإنجليز، سواء فى مجال الإعلام أو السياسيين فى لندن وقت الإخوان، لاحظت ملاحظة مهمة، قبل تمرير دستور الإخوان كانوا يستمعون لما أطرح ويناقشون ويبدون قدرا من التفهم، بعد تمرير الدستور كان ردهم يتمحور حول حقيقة أنه أصبح لمصر دستور وافقت عليه أغلبية، وعندما كنت أحاول المجادلة بحجم عيوبه وكيفية تمريره كان الرد: «لكنه الدستور الذى وافقت عليه الأغلبية، وعليكم أن تتعاملوا معه فقد أصبح الوثيقة الأساسية وعلى الجميع احترامه»، هذا الموقف يفسر لماذا يقاتل الإخوان وعملاؤهم من أجل إفشال الدستور.
أظننى شعرت كأن أغنية الفنان الشعبى الجميل محمد طه تتردد فى آذان كثير ممن وقف فى طابور الاستفتاء «مصر جميلة خليك فاكر».
جاء دورى للتصويت لأضع علامة «صح» على كلمة «موافق»، وأؤكد عليها بقلمى عدة مرات.
نقلأ عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع