الأقباط متحدون - مصر ناقة حلوب للغزاة العرب
أخر تحديث ٠٣:١٧ | السبت ٢٥ يناير ٢٠١٤ | طوبة ١٧٣٠ ش١٧ | العدد ٣٠٨٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

مصر ناقة حلوب للغزاة العرب

 فاروق عطية

 
م يكن غزو مصر لنشر الدين الإسلامي كما يروّجون, لكنه كان لامتصاص خيراتها وارسالها إلي موطن الخلافة, ويمكن التأكيد علي ذلك من الجدل الذي دار بين عمرو بن العاص والخلفاء حول الخراج في مواقف عديدة, لكن للأسف حين يؤرخ المؤرخون يتغاضون عن الحقيقة مبتعدين عن أمانة وحيدة التأريخ ظنا منهم أنهم يذلك بنصرون الإسلام ويعضدوه.
 
وسوف أدلل ببعض المواقف التي ذكرت في كتب التاريخ [‏الطبري: تاريخ الأمم والملوك ج 5. ابن الأثير: الكامل في التاريخ ج2  ساويرس بن المقفع: الدر الثمين في ايضاح الدين, ومحمودعباس العقاد: عمرو بن العاص]‏.
 
   كان هدف الغزاة العرب الأول هو نهب ثروات الدول المحتلة، متخذين من الدين ذريعة ليس إلا، بدليل ما أشار إليه ساويرس بن المقفع يأنّ الهروب من الجزية كان أكبر عامل على انتشار الإسلام، فحين نضب المعين واستبد الفقر بأهل مصر تحت تأثير الجزية والضرائب الباهظة ووجدوا ألا خلاص إلا بدخول الإسلام حتى ترفع عنهم الجزية، وهذا ما اضطر عمرو بن العاص أن يطلب من الخليفة عمر بن الخطاب أن يجيز له فرض الجزية على من أسلم من مسيحي مصر لأن دخول القبط إلي الإسلام قد أضر بالجزية, فأجازه, وبالرغم من ذلك ظل المصريين يدفعون الجزية رغم إسلامهم، كما ظلت الأرض كافرة.
 
   وعندما ملأ الشك الخلبفة عمر بن الخطاب والظن بأن عمرا يؤثر نفسه ببعض الخراج ولا يرسله كله لأرض الخلافة أرسل له من يحاسبه وبشاطره ما اكتنزه من مال. غضب عمرو غضبا شديدا حتى فقد السبطرة علي لسانه وقال للرسول:"قبّح الله زمانا عمرو بن العاص لعمُمر بن الخطاب فيه عامل. والله إني لأعرف الخطاب يحمل فوق رأسه حزمة من الحطب وعلي إبنه مثلها ! وما منهما إلا في نَمٍرة لا تبلغ رسغيه ! والله ما كان العاص بن وائل يرضي أن يلبس الديباج مزررا بالذهب". كان عمرو بن العاص منذ الغزو بقوم بوظيفتي قائد الجيش وصاحب الخراج، لكن عندما شك عمر بن الخطاب في أمانتة واستقل ما يجبيه من مصر, وكان أيضا يستبطئه في جمع الخراج, كتب له في هذا الشأن‏:‏ ‏"‏وأعجب ما عجبت أنها ـ أي مصر ـ لا تؤدي نصف ما كانت تؤديه من الخراج قبل ذلك على غير قحط ولا جدب". وأرسل ابن الخطاب عبد اللَّه بن سعد بن أبي السرح ليكون مسؤولا عن الخراج ويظل عمرو قائدا للجيش وأميرا للحرب, وعندما اعترض عمرو علي ذلك رضخ عُمر وولي عبد الله أميرا علي الصعيد (وعينا علي عمرو).
 
   وعندما تولي عثمان بن عفان الخلافة من بعد مقتل عمر بن الخطاب عزل عمرو بن العاص، وولي عبد الله بن سعد بن أبي السرح علي مصر سنة 24 هـ. و يقال أن سبب العزل أن عمرو طلب من عثمان عزل عبد الله بن سعد عن ولاية صعيد مصر، فرفض عثمان و عزل عمرو و ولي عبد الله بن سعد بن أبي السرح ولاية مصر كلها. أي أنه أعطاه السلطة التي كانت مخولة لعمرو من قبل، ذُكر أيضا في كتاب الاستيعاب لابن عبد البر, وفي كتاب البداية والنهاية للحافظ ابن كثير: "كان سبب عزل عمرو بن العاص عن ولابة مصر أن الخوارج من المصريين كانوا محصورين من عمرو بن العاص مقهورين معه لا يستطيعون أن يتكلموا بسوء في خليفة ولا أمير، فما زالوا حتى شكوه إلى عثمان لينزعه عنهم ويولي عليهم من هو ألين منه، فلم يزل ذلك دأبهم حتى عزل عمرا عن الحرب وتركه على الصلاة، وولى على الحرب والخراج عبد الله بن أبي سرح".
 
   ولما عزل عثمان عمرا من ولابة مصر استدعاه وأنبه قائلا: استعملتك علي ظلمك وكثرة القال فيك. فرد عليه عمرو: قد كنت عاملا لعُمر بن الخطاب ففارقني وهو عنيّ راض. واحتدم الجدل بينهما فهم عمرو بالخروج غاضبا وهو يقول: رأيت العاص بن وائل ورأيت أباك.. لوالله العاص كان أشرف من عفان. فما زادعثمان علي أن قال: مالنا وذكر الجاهلية  !
 
   ثم بعث عبد اللَّه بن سعد إلى عثمان بمال من مصر قد حشد فيه، فدخل عمرو على عثمان فقال عثمان‏:‏ يا عمرو هل تعلم أن تلك اللقاح ‏[‏اللقاح‏:‏ جمع اللقحة وهي الناقة الحلوب الغزيرة اللبن، وقد شبَّه مصر بها، ودرَّت أي أخرجت لبنها[.‏‏ درَّت بعدك‏؟‏ فقال عمرو‏:‏ إن فصالها هلكت‏.‏ يريد عثمان أن يقول أن مصر قد كثر خراجها على يد عبد اللَّه بن سعد، فقال له عمرو‏:‏ إن فصالها هلكت أي أن أولاد اللقاح قد هلكت بحرمانها من اللبن، يعني أن في ذلك إرهاقًا لأهالي مصر وتحميلهم ما لا يطاق. وهذه الزيادة التي أخذها عبد اللَّه، إنما هي على الجماجم فإنه أخذ عن كل رأس دينارًا خراجًا عن الخراج فحصل لأهل مصر بسبب ذلك الضرر الشامل‏.‏ وكانت هذه أول شدة وقعت لأهل مصر في مبتدأ الإسلام، ويقال‏:‏ إن عبد اللَّه جبى خراج مصر في تلك السنة 14‏ ‏ملبون دينارًا بعد أن كان 12 مليونا في زمن عمرو بن العاص، وهذا ما دعا عثمان إلى توجيه اللوم إلى عمرو، فكان جوابه ما ذكر‏.‏ 
 
   اختلفت سياسة عبد الله بن أبي السرح عن ولاية عمرو بن العاص فقد تشدد في جمع الضرائب و عامل المصريين بقسوة ترتب عليها أن حرض أهل الأسكندرية دولة الروم علي غزو مدينتهم. فعاد الروم يحتلون الأسكندرية و بعض مدن الوجه البحري، فبعث العرب المتمصرون إلي الخليفة عثمان بن عفان يطلبون منه تكليف عمرو بن العاص بقتال الروم البيزنطيين. فاستجاب عثمان و أرسل عمرو بن العاص والياً علي الأسكندرية و أمره بقتال الروم، و نجح عمرو في مهمته وطرد الروم سنة 25 هج / 646 م. 
 
كما أغار النوبيون علي مصر من الجنوب، فأعد عبد الله بن أبي السرح جيشاً بقيادة عقبة بن عامر و طردهم من حدود مصر ووصلت جيوشه إلي دنقلة من أرض السودان، و بعد قتال شديد انتصر المسلمون علي أهل دنقلة – الذين سماهم العرب الأساود (تحرفت فيما بعد إلي السودان). و عقد معاهدة البقط Pacton  سنة 31 هج و من بين شروطها ارسال 360 رجلاً من السود سنوياً (عبيدا) لوالي مصر مقابل إرسال ما يحتاجونه من غلال. و تعهد أهل دنقلة بفتح بلادهم للمسلمين، و بني المسلمون مسجداً في دنقلة و تعهد الأساود بكنسه و رعايته و إيقاد القناديل فيه بالليل. استمرت ولاية عبد الله بن سعد حوالي عشر سنوات، حتي قُتل عثمان بن عفان عام 35 هـ، و قام علي بن أبي طالب بعزل عبد الله و ولي قيس بن سعد بن عبادة.
 وتتابع الخلفاء وتتابع الولاة علي مصر وظل الهدف واحدا لا يتغير هو امتصاص ونهب ثروات البلاد وقوت شعبها مهما عاني المصريون من الفقر والحاجة. وذُكر المقريزي أنّ الخليفة عبد الملك بن مروان كتب إلى أخيه وواليه على مصر عبد العزيز بن مروان، أنْ يضع الجزية على من أسلم من أهل الذمة حتي لوأدي ذلك لتوقف أسلمة المصريين !!
‏ 
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter