سارة علام | السبت ٢٥ يناير ٢٠١٤ -
٠٠:
٠٨ م +02:00 EET
ارشيفيه
ترتبط الثورة معى بأم محمد بائعة الخبز التى كانت تجلس أمام رصيف منزلنا فى أحد الشوارع الجانبية بالهرم، أقرئها السلام كل صباح وأنهل من دعائها المجانى الذى توزعه على المارة والعابرين.
أم محمد سيدة فى السبعين، تعول أسرة ابنتها المتوفية منذ سنوات، ومنذ سنوات أيضًا تجلس على الرصيف نفسه صيفًا وشتاءً، فلا تمنعها شمس حارة أو ريح باردة.
صباح الثلاثاء ٢٥ يناير، مررت بها كعادتى وكنت أسخر من دعوات الثورة على "فيس بوك" إلا أن وجدت نفسى فى التحرير أشارك جيلى أحلامًا ومن فرط ما آمنا بها قتلتنا.
وفى صباح الجمعة ٢٨ من يناير، كنت قد واظبت على التظاهر قبل أن تتضح معالم الثورة فسألتنى "يعنى إيه ثورة ؟"، قلت لها باطمئنان عشان يبقى لك معاش ومتفضليش قاعدة هنا، تفاءلت السيدة الطيبة، وقالت يارب يا بتى.
أخذت أم محمد من يدها لتصوت فى كل ما مر بنا من انتخابات واستفتاءات سبقت الـ٣٠ من يونيو قبل أن يضربنا اليأس، وكانت تستجيب وتأمل أن أحقق وعدى وإن لم تفصح.
فى كل مرة أقول لنفسى وأنا اصطحبها: خلاص قربت.. خلاص هانت، وفى كل صباح أراها، تجلس يعصف بها برد الشتاء فتنكمش، أطأطئ رأسي، أخجل من حديثنا عن الدستور والانتخابات والرئيس والفضائيات بينما تجلس هى ولا تملك رفاهية النوم مرضًا إن تعبت لأنها لا تنتظر راتبًا نهاية الشهر مثلي.
أخجل، كلما أتذكر أننى ضمن فئات قليلة فى المجتمع ارتفعت مرتباتها بعد الثورة، بحكم كثرة العمل بينما لم يفكر أيًا منا فيها وفى أمثالها.
أخجل، كلما رنت فى أذنى شعارات ثورة مسروقة.. عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.
أم محمد، تبيع العيش ولا تأكله، الحرية تأتى وتذهب والعدالة ضاعت ما بين الشعارين، وجيلى يقتله اليأس، تمزق شبابه ما بين الموت والسجن، وترك النصف الآخر نفسه للفضائيات يقايض الثورة الكبيرة ببعض شاشات لا تسمن ولا تغنى عن حلم ولكننا سنصبر، ربما اتسعت بلاد لنا كما نحن بأحلامنا وأوجاعنا وأيامنا وأوهامنا.
نقلا عن اليوم السابع
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع