بقلم هشام حتاته
يقول لنا علم نفس الاجتماع انه اذا ضاق بك الوطن الاكبر ستلجا حتما الى الوطن الاصغر ( القبيلة ، العائلة .... او السماء ) اوالانعزال والتقوقع داخل الذات . وماحدث فى مصر من عدم قدرة الدولة على تلبية ادنى مطالب الشعب فى العيش والكرامة الانسانية ، ومع الهجمة الوهابية على العقل المصرى وحشر الناس فى المساجد انتظارا للمهدى المنتظر الذى سيملأ الارض عدلا او انتظارا للعالم الاخر تعويضا عن ظلم الدنيا ، فاصبح المسجد هو المأوى ، وفى المقابل لم يجد شريك الوطن القبطى ملجأ له سوى الكنيسة انتظارا لعدل السماء بعد حملة الكراهية والتكفير التى قادها ضده السلفية الوهابية ، واصبح ( وطنى دينى ) هو شعار المسلمين واقباط على حد سواء ، واصبح المسجد والكنسية هم الملاذ .
ومع ثورة 25 يناير 2011 خرجت جميع الطوائف وكان شعارها : عيش ، حرية ، عداله اجتماعية وكان الاقباط ضمن هذا المشهد ووقفوا فى ميدان التحرير يحمون زملائهم المسلمين اثناء الصلاة ويتقاسمون معهم رغيف الخبر وجرعة الماء .
سرق الاخوان الثورة .. وظهر على الساحة السلفيون الوهابيون بعدائهم المزمن للاقباط ضمن عدائهم لكل الديانات الاخرى ، وكانت جمعه قندهار الشهيرة ، واتاحت لهم جماعه الاخوان فيما بعد حرية التعبير عن مخزونهم الثقافى البدوى من تكفير واقصاء للآخر القبطى الذى كان شريكا فاعلا فى الثورة ليحصرها فى الاسلام السياسى وحده .
وراينا موجة حرق الكنائس ، ورأينا المظاهرات وقطع الطريق لمجرد تعيين محافظ قبطى لاحدى محافظات الصعيد لتنصاع الدولة لهم ويتم تجميد تعيين المحافظ .
دفع الاقباط الكثير من الدماء فى ماسبيروا وغيرها مطالين بحقهم فى الوطن وفى الثورة التى شاركوا فى صنعها ولكن لسان حال السلفيين كان يقول : كيف لاهل الذمة ان يتساوا معنا فى الحقوق والواجبات ؟ ووجدت جماعة الاخوان المسلمين نفسها بين التعهد لامريكا باحترام الاقليات الدينية وبين خسارة السلفيين بما يمثلونه من شراكة فى الفكر وتأثير فى الشارع . انظر مقالى (الاخوان بين السندان الامريكى والمطرقة السلفية )
ومع بداية ديمقراطية صندوق الانتخابات ظهر الصوت القبطى مؤثرا فى نتائج الانتخابات حيث كان المرجح الاساسى بقوته التصويته التى لاتقل عن حمسة ملايين صوت انتخابى لصالح الفريق شفيق مماجعله يتفوق على مرشح الجماعه محمد مرسى – ولولا الضغوط والتهديد بحرق مصر لفاز شفيق فى هذه الانتخابات - مما زاد الامر اشتعالا بين السلفيين والاقباط
وكان للوجود القبطى الكثيف فى كل الفعاليات ضد حكم مرسى اثره الفعال فى الحشد الجماهيرى مما ادى فى النهاية الى ثورة 30/6 التى اعادت الثورة مرة اخرى الى اصحابها الاصليين من انصار الدولة المدنية ومنهم الاقباط ليشارك ممثلوا الكنيسة فى لجنة وضع الدستور ويحدوا من ديكتاتورية حزب النور فى فرض رؤيته الظلامية على الدستور وخصوصا الماده 219 ، وان كانت ظلال هذه المادة ظلت موجودة بشكل او بآخر فى الدستور الا ان الدستور لاول مرة يعترف فى ديباجته بالفترة القبطية ضمن فترات التاريخ المصرى .
دفع الاقباط كثييرا من الدماء وخربت كثيرا من كنائسهم ولكنهم فى النهاية اصبحوا شركاء فى الوطن ، وفى سابقة هى الاولى من نوعها يقوم المستشار عدلى منصور رئيس الدمهورية بزيارة البابا تواضروس فى مقر الكاتدرائية ومعه العديد من الوزراء والمسئولين الحاليين – وليس السابقين كما جرت العادة من قبل - للتهنئة باعياد الميلاد ، وايضا اصبحوا قوة تصويتيه لها تأثيرها القوى والفعال فى المشهد السياسى رأينا بوادرها فى سعى الفريق سامى عنان الى الالتقاء بممثلى الكنسية لدعمه فى الترشح ناسيا انه كان ممن سلموا الوطن لجماعة الاخوان الارهابية وحلقائها من السلفية الوهابية .
لقد عانى الاقباط الكثير من الاضطهاد ، ودفعوا الكثير من الثمن من دماء ابنائهم وحرق كنائسهم ، ولكنهم فى النهاية اصبحوا شركاء فى هذا الوطن على قدم المساواه مع اخوانهم المسلمين ... انهم دفعوا ثمن الحرية