الأقباط متحدون - قطع رأس «أبو الهول»!
أخر تحديث ٠٦:٣٤ | السبت ١ فبراير ٢٠١٤ | طوبة ١٧٣٠ ش ٢٤ | العدد ٣٠٨٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

قطع رأس «أبو الهول»!

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

 من المفارقات الهستيرية أن تعلن، وبكل اعتزاز، من تسمي نفسها «جماعة أنصار بيت المقدس»، مسؤوليتها في مصر، عن انفجار أدى إلى تدمير هائل في أهم متحف للفن الإسلامي في العالم. الجماعة، لا ترى فرقا جوهريا، على ما يبدو (رغم كل ما يحمله اسمها من وزن ودلالات) بين أنابيب غاز فجرتها في سيناء، وكنوز تاريخية إسلامية، لا تقدر بثمن، أجهزت عليها في القاهرة. حفل الجنون يقضي أيضا بأن نشهد أشرس حملة ممنهجة لتدمير الآثار في المنطقة العربية، تترافق بانسجامية عبثية، مع أعنف هجمة للمطالبة بالعودة إلى «الجذور» و«الأصالة». وبذلك قد تنتهي الثورات العربية المطالبة بـ«الكرامة» و«الحرية» بفضل جشع اللصوص وشرههم ومفخخات الإرهابيين وحقدهم، إلى نتيجة مذلة ومخجلة، هي صفر آثار أو ما يقارب!

اشتكى العرب من حرب الإلغاء، ومحاولة تزوير التاريخ، التي شنتها إسرائيل، منذ 65 سنة على آثارهم في فلسطين، شكلوا اللجان، جمعوا التبرعات، وفشلوا في إنقاذ حتى مسجدهم الأقصى من العبث. وبدل انتشال فلسطين وجدوا أنفسهم يتفرجون على تدمير وسط بيروت، قبل أن يساهموا بحرارة في تجريد العراق من أغلى ما يملك، أي عمقه التاريخي.

بلاد الرافدين مهد الحضارات الأولى، أرض بابل وسومر وأكاد وآشور، سلبت روحها. من أراد للعراقيين أن يصبحوا بلا جذر ولا وتد، مجرد نبتة يذروها الريح، وشعب هائم ينحر بعضه بعضا؟ بدأنا نكتشف أن قوات التحالف كان يحلو لها أن تقيم ثكناتها العسكرية في أهم المواقع الأثرية وأكثرها شهرة. في أور التاريخية بعظمتها، وبين المقابر الملكية، كانت تصول الدبابات والمدرعات وتجول، والسيناريو العسكري البشع والمستهتر عينه، كان يدور في بابل (إحدى عجائب الدنيا السبع).

التقارير تتحدث عن 15 ألف موقع أثري عراقي تعرضت جميعها للسرقة والتدمير، بعد الغزو الأميركي عام 2003، هذا عدا اختفاء 15 ألف قطعة أثرية، إثر نهبها من المتحف العراقي. وهو ما حدا بالأثريين في العالم لوصف ما تعرض له العراق بـ«أكبر عملية سرقة آثار حدثت في التاريخ».

البعض ارتاح واطمأن لفكرة تحميل الأميركيين المسؤولية، وهم بالتأكيد مسؤولون عما فعلت أيديهم، لكن ما يرتكبه العرب، بحق إرثهم، لهو أفظع وأشنع.

لم يرحم أحد أسواق حلب الساحرة ومسجدها الأموي البديع، ولا آثار معرة النعمان، وكنوز تدمر. مدن بيزنطية ورومانية بأمها وأبيها تباد في سوريا، بينما الصمت مريب حول ما يحدث في اليمن السعيد وليبيا.

ثمة عطش مزمن لمصّ روح الماضي، للقضاء على الذاكرة، لمحو كل أثر يدلل على فسيفساء بشرية عظيمة تناغمت على هذه الأرض.. من كل دين ولون تعاقبوا وتآلفوا وتعايشوا، وذهبوا تاركين لنا قلاعهم ومعابدهم وآلهتهم. في زمن الفصل المذهبي والتناحر الأخوي، والتشظي الثقافي، تصير شواهد الحضارات السالفة بتسامحها وتصالحها، أو حتى تتابعها، عبئا ثقيلا على الإلغائيين، يتوجب حذفه.

لا يتوانى داعية عن إصدار فتواه بإعدام الآثار المصرية محللا بيعها، أو حتى طمسها حين تجسد أشخاصا. يريد الرجل، باسم الدين، أن يتخلص مما لم يؤرق المسلمين طوال 1400 سنة. يتبدى له، وهو مرتاح الضمير، أن من حقه أن يفتي بمصير إرث لا تملكه مصر وحدها، وإنما هو جزء من ذاكرة الإنسانية جمعاء.

لم يأمر خليفة المسلمين عمر بن الخطاب يوم فتح مصر، بتحطيم ما خلفه الفراعنة والرومان ولم ينتقم من معابدهم، كما لم ينهل عمرو بن العاص بمعوله، على ما تركوه، بعد أن دخل أرض الكنانة. كان لا بد من انتظار «المجتهدين الجدد» لنرى من لا يحتمل رؤية متحف أو حتى مكتبة.

مع كل مفصل أمني في مصر، غارة جديدة تشن على الآثار. مع بدء الثورة كان دور «المتحف المصري»، ثم في خضم الفوضى التي رافقت الإطاحة بالرئيس محمد مرسي جاء دور «متحف ملوي» في المنيا، حيث سرقت نحو ألف قطعة أثرية وحطمت أخرى، والآن جاء دور السيارات المفخخة التي تستطيع أن تضرب أكثر من عصفور بحجر، والمتاحف أحدها. وما بين المتحف والآخر، يستباح موقع هنا، ومقبرة أثرية هناك، ويختلط أمر اللصوص برغبات الجهلة، تعاضدهم الفوضى، ويساعدهم انصراف الناس إلى أولوياتهم الحياتية التي ما عادت تتجاوز أكل العيش.

الأصل أن التذابح متأتٍ من ارتجاجات الهوية، وضبابية في إدراك الانتماء. مزيد من التدمير لمدننا القديمة، وبيوتنا وأسواقنا وممتلكاتنا الأثرية، يعني تجريدنا من بقايا ذاكرة هي معطوبة في الأصل، وتركنا في عراء الفراغ.

الحفل الهستيري لا يزال في أوله. واستمرار القول إن البشر أغلى من الحجر، وإن آلاف الأبرياء يموتون فما حزني على الأثر، سيذهب بالبشر والحجر معا. وعندها سيخرج علينا من لا يقبل بأقل من إحراق المومياوات وقطع رأس «أبو الهول».

نقلا عن الشرق الاوسط


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع