قصة: عـادل عطيـة
استلقى التراب على ورقة شجرة دائمة الخضرة، لا يتغيرّ لونها بتبدّل الفصول، وقد وضع قدم على قدم، وجعل من يديه المعقودتين وسادة تحت رأسه.
كان يتأمل حال الدنيا، ولسبب ما راودته هذه الفكرة؛ فنظر إلى جاره التراب الرمادي المستلقي على الورقة المجاورة، وقال له:
أنا أعرف أن هذه الورقة، وغيرها من أوراق الأشجار، تبغضني، وتغتاظ مني، وربما تحسد الإنسان؛ لانها لا تستطيع أن تتخلص مني مثلما يفعل الإنسان، الذي يبغضني هو أيضاً مع أنه مخلوق مني!
أنتبه التراب الرمادي إلى حديث التراب الأسود، وعلّق ساخراً:
بل ان الإنسان، نسى كذلك أن غبارنا هو الذي يعطيه الانطباع الجميل بزرقة السماء!
سخرت أوراق الشجرة من تعليق التراب الرمادي، وقالت في نفسها:
يا لها من مأساة عندما يتحدث البعض بأنصاف الحقيقة!.. أليس هذا التراب، الذي يتشدق بعظمته، يعرف أنه يصيب العيون بالحساسية، وأنه يُعذًب المصابين بمرض الربو!
وبينما الجاران: التراب الأسود والتراب الرمادي، يتبادلان الحديث، إذا بغيمة وراء غيمة، يأتين ويتجمعن في كتلة سحاب ضخمة، ثم ما لبث أن أشتد عودهن، وابتدأن ترعدن وتبرقن.
فزع التراب الأسود من هذا المشهد؛ لأنه تيقن أن المطر على وشك الهطول، وسوف تجرفه المياه الجارية معها إلى سطح الأرض، وربما يكون مصيره في بالوعة من البالوعات في ظلام مميت.. وقال بأسى، وحزن: سوف تعود للورق الخضراء نظافتها ورونقها، وسوف تشمت فيّ!
عندما رأى التراب الرمادي ما عليه التراب الأسود من خوف وفزع، أخذ يواسيه، قائلاً:
لا تفكر في الأمر بهكذا سلبية، فأنت سوف تتحوّل إلى طين، قد تفقد بذلك تأثيرك على ورقة الشجرة، ولكن تأثيرك وأنت طين سيكون أكبر على الإنسان!
ثم انك ستعود حتماً، يوماً ما، كما كنت: تراباً، وتحلق من جديد، وتستقر على ورقة شجرة من الاشجار، وربما تكون هذه الورقة التي أنت مستلقي عليها الآن، وستثبت لها أنك أبداً لن تنتهي!...