أكد الباحث بمركز هدسون للحريات الدينية فى واشنطن، بول مارشال، مؤلف كتاب «الصامتون بالإكراه»، المعنىّ بـ«ازدراء الأديان» فى الدول العربية والإسلامية- أن قوانين حماية الأقليات أو ازدراء الأديان، لا تحد من الكراهية والتمييز الدينى.
وأشار فى حوار لـ«المصرى اليوم» على هامش زيارته لمصر إلى رصد ٧٠ حالة ازدراء بمصر، مقابل حالة واحدة فى إسرائيل، وأن إيران والسعودية وباكستان الأسوأ، ويرى أن الحل فى التعليم والثقافة، مشيرا إلى أن قوانين معاداة السامية فى أوروبا غير فاعلة.
■ هل تزور مصر للمرة الأولى؟
- سبق أن زرت مصر، ٥ مرات، منذ ١٠ سنوات، التقيت خلالها بمسؤولين وباحثين، لاستطلاع آرائهم فى عدد من أبحاثى وكتاباتى، عن الحالة الدينية والسياق القانونى والثقافى المصاحب لها فى مصر والدول العربية والإسلامية.
■ دائما ما تسلط الدوائر البحثية الضوء على الأوضاع السياسية.. هل لاحظتم جديدا طرأ على مصر فيما يتعلق بالحياة اليومية للمواطن؟
- نعم المرور لديكم يتدهور، والوضع أسوأ مما كان عليه منذ ١٠ سنوات بمراحل، لكن الناس الآن أصبح لديها أمل، منذ ١٠ سنوات كان الوضع مستقرا، دون أمل فى التغيير، الآن هناك حركة، إلا أن الوضع غير مستقر، لكن هناك آمالا وطموحات عريضة.
■ ما برنامج زيارتك؟
- التقيت قادة دينيين، وجارٍ استكمال باقى اللقاءات، خلال الأيام المقبلة، لمناقشة الأفكار الواردة بكتابى «الصامتون بالإكراه».
والتقيت الدكتور حمدى زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، والدكتور سعد الدين الهلالى، ﺃﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻷﺯﻫﺮ، ﻋﻀﻮ ﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﺨﻤﺴﻴﻦ لتعديل الدستور، والدكتور أحمد راسم النفيس، القيادى الشيعى، والدكتورة بسمة موسى، القيادية البهائية، وماجدة هارون، رئيسة الطائفة اليهودية، والدكتور كمال مغيث، الأستاذ بالمركز القومى بالبحوث، وإسحاق إبراهيم، الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومن المقرر لقاء قيادات كنسية.
■ ماذا تقصد بـ«الصامتون بالإكراه»؟
- أقصد المثقفين، والذين ينتمون للمجتمع المدنى، والإعلاميين والصحفيين، الذين يصمتون إزاء توجيه اتهامات لأفراد، بازدراء الأديان، بسبب أفكارهم ومعتقداتهم.
■ من منطلق تخصصك فى الحريات الدينية، ما هو وضع مصر، فى قائمة الحريات الدينية على مستوى العالم؟
- مصر فى مرتبة متوسطة، بين الدول ذات درجة الحرية الدينية العالية، والدول الأسوأ فى الحريات الدينية، فهى أفضل نسبياً من إيران والسعودية وباكستان وأفغانستان، لكنها أسوأ من أوروبا، ودول البلطيق، والمغرب وإندونيسيا.
■ فى كتابك الأخير، تناولت اتهامات بازدراء الأديان، فى ٢٦ دولة عربية وإسلامية، من بينها مصر.. هل توصلت لنتائج محددة؟
مصر شهدت نحو ٦٠ حالة اتهام بازدراء الأديان، خلال السنوات الثلاث الماضية، وكانت ذروة الاتهامات، خلال حكم الإخوان، وشهدت فترة حكم المجلس العسكرى، حالات أكثر، عما كانت عليه إبان حكم مبارك، وهناك مؤشرات قوية، على هبوط مؤشر توجيه اتهامات ازدراء الأديان بعد ٣٠ يونيو.
ومصر فى مرتبة متوسطة، بين الدول التى تستخدم القوانين لتوجيه اتهامات ازدراء أديان، فهى افضل لحد ما من دول الخليج العربى، لكنها أسوأ من المغرب العربى، وكلما اتجهنا شرقاً إلى الهند، نجد أن هناك تزايدا فى معدلات توجيه تهم ازدراء الأديان، وكلما توجهنا غرباً تتراجع النسب.
■ وماذا عن إسرئيل؟
- إسرائيل بها نسبة مسلمين مرتفعة، ورصدنا بها حالة حبس لأحد الأشخاص، بسبب تهمة ازدراء الأديان.
■ ما اقتراحاتك للحد من ظاهرة عدم التسامح الدينى، وانتشار جرائم ازدراء الأديان؟
- على المدى البعيد، يجب أن تبدأ الدول ذات المعدلات المخيفة فى انتشار خطابات الكراهية والتمييز الدينى، فى إصلاح منظومتها التعليمية، والسماح بمناخ تعددى، يدعو للتسامح وتغليب النزعات الإنسانية، والأمر ينطبق على الإعلام ووسائل صناعة الرأى العام.
وعلى المدى القصير يمكن للقادة الدينين، للمجتمعات المحلية ذات الأفكار المستنيرة، التركيز على خطاب التسامح والحرية، وتغليب النزعات المشتركة للحضارة الإنسانية، بدلاً من التركيز على خطابات القتل والتدمير والانتقام.
■ ماذا عن القوانين والبنية التشريعية؟
- لست من أنصار سن قوانين لتجريم خطابات الكراهية، أو معاداة السامية، لأن فرض القوانين يؤدى لتكميم الأفواه، ويمنع الأفكار من التدفق ومطارحتها الحجة بالحجة، فضلاً على أنها لن تغير قناعات الناس، وعلى سبيل المثال، أوروبا لديها ترسانة من قوانين تجريم خطابات الكراهية ومعاداة السامية، ومع ذلك رصدنا حالات كراهية، وفى الولايات المتحدة لا يتوافر بها قوانين لتجريم الكراهية أو معاداة السامية، ومع ذلك فهناك حالات كراهية أقل، وهذا بالطبع لا ينفى حق الدولة فى معاقبة من يتورط فى جريمة كراهية، مثل الاعتداء على أشخاص، أو ممتلكات، وفق القوانين المحلية الطبيعية.
وأتصور أن سن قوانين خاصة لحماية الأقليات ودور العبادة، لطائفة بعينها- سيزيد حدة الاحتقان ويُعقد الصراعات.
■ هل اطلعت على الدستور المصرى؟
- نعم، ودعنى أؤكد لك، أنه أفضل نسبياً من الدساتير السابقة، فهو يسمح لحد ما بالحرية الدينية، رغم أنه يسمح بتوجيه اتهامات ازدراء أديان، ومن المهم تنقيح التشريعات من البنود، التى تسمح بمعاقبة الناس، بسبب أفكارهم ومعتقداتهم، وذلك سيكون له تأثيراته الإيجابية على المناخ السياسى والاقتصادى والاجتماعى، فالمجتمع الذى يطرح رؤى مختلفة به، ويناقشها بهدوء، والاختلاف معها وفق ضوابط، عادة ما يكون مجتمع متطور ديمقراطى، وناضج اجتماعى، وبه سوق منفتحة ومتطورة اقتصادياً.
وكلمة أخيرة يجب تضييق المساحات القانونية التى تتيح للأفراد مقاضاة بعضهم البعض، بسبب المعتقدات والأفكار والرؤى، والحد من استخدام قوانين «الحسبة»، التى عُوقب بسببها مفكرون كبار فى مصر، فى وقت سابق، مثل نصر حامد أبوزيد.