هى آية الأدب العربى كله لا أستثنى منه شيئاً.. سواء.. شعراً كان أو نثراً!
إنها رسالة الغفران لأبى العلاء المعرى، وهذه كلمات الدكتور طه حسين عنها!
ترى ما الذى جعل مرجليوث المستشرق الإنجليزى، بلاسيوس الإسبانى، تشايكوفسكى الروسى يعكفون على دراسة أعمال أبى العلاء ومنها رسالة الغفران؟!
ذلك لأن أبوالعلاء صاغ فكره شعراً، ولأن فكره لا يضيف إلى معلوماتك بقدر ما يغير طريقة تفكيرك، وبوصلة حياتك!
قد تتفق أو تختلف معه، ولكن كما يقول دكتور طه حسين: إنه لا يعبأ بك أو بغيرك، ذلك لأنه يخاطب هذه الفئة القليلة التى تستطيع أن تسمو إليه!
تقول عنه بنت الشاطئ: ظلموه شاعراً بحجة أنه فيلسوف، وظلموه فيلسوفاً بحجة أنه شاعر، غادر الدنيا وهو مقطوع النسل، ولكنه خلد نفسه بما لم يخلده ذوو الكثرة من الأبناء والأحفاد!
أخذ دانتى من رسالة الغفران الكثير فى الكوميديا الإلهية، وللدكتور لويس عوض دراسة بعنوان: الأصول الإسلامية فى الكوميديا الإلهية! كما أخذ منها الشاعر الإنجليزى ميلتون فى قصائده!
رسالة الغفران هى رد أبوالعلاء على رسالة على بن منصور الحلبى المعروف بابن القارح، وهى تناقش من فازوا بالمغفرة أو لم يفوزوا بها فى العالم الآخر.
يتخيل أبوالعلاء صديقه فى الفردوس، فيبدأ رسالته بقوله: وصلت الرسالة التى بحرها بالحكمة مسجور «مملوء»، ومن قرأها لا شك مأجور، ويقابل ابن القارح أصدقاء له فى الفردوس مثل المبرد، ابن دريد، وكان ابن دريد يتضجر ممن يخطئ فى قراءة شعره، فحضر غلام وضىء «جميل»، وأخذ يقرأ ويكثر فى الخطأ، وابن دريد صابر، وأخيرا قال له: أكمل يا من فى وجهه غفران ذنوبه!
ويجلس ابن القارح وسط الشعراء، فيمر سرب من أوز الجنة، فيسأل ابن القارح: ما شأنكن؟ فيقلن: حتى نغنى لكم، ثم ينتفضن فيصرن كواعب، ابتدأن الغناء، طرب الشعراء، يقول ابن القارح: تبارك الله القدوس، من لا تدرك يقينه الحدوس «الظنون»، والذى حول ربات الأجنحة إلى ربات الأكفال المترجحة! أخذ دانتى هذه التحورات والتى يطلق عليها ميتامورفوزس METAMORPHOSIS وطبقها على ثمار الجنة حين تتحول الثمرة إلى فتاة جميلة!
تقوم مشاجرة بين الجعدى والأعشى، يقفز الجعدى بكوز من ذهب، يضرب الأعشى على رأسه، يتدخل ابن القارح قائلاً: لا عربدة فى الجنان، إنما يحدث ذلك بين السفلة والهجاج «المتشردين»، قم يا أبا ليلى «الأعشى» وأنت يا جعدى، خذا من هؤلاء الحور العين، فيرفض الاثنان خوفاً من أن يقال عنهما: أزواج الأوز!
ويذهب ابن القارح إلى جنة العفاريت، فيرى شيخاً يقول له: السلام عليك أيها المرحوم، فيرد السلام، ويسأله: ما جاء بك يا إنسى؟ ويدور حوار ممتع بين ابن القارح والخيتعور «اسم الجنى»، وأخيراً يسأل ابن القارح: بم غفر لك؟ فيقص الخيتعور قصة توبته قائلاً:
حمدت من حط أوزارى ومزقها
عنى فأصبح ذنبى اليوم مغفورا
لا أمر بوحشى ولا بشر
إلا وغادرته ولهان مذعوراً
أو لا أفارقهم حتى يكون لهم
فعل يظل به إبليس مسرورا
ثم اتعظت وصارت توبتى مثلا
من بعد ماعشت بالعصيان مشهورا
حقق رسالة الغفران الكيلانى، بنت الشاطئ، وقد ذكرت منها قليلاً من كثير، بسيطاً من خطير، المفكر الحر الذى رحم الإنسان والحيوان، وخاطب الديك حين قدموه إليه وقت مرضه.. قائلاً: استضعفوك فذبحوك، ولو كنت قوياً هابوك والله ما أكلتك!
المصرى اليوم