حنا حنا المحامى
إن أى وطنى مخلص يعرف أن قوة مصر لن تتأتى إلا من خلال وحدتها وأمنها. والوطنيه عقيده تكون دائما فى الدم والفكر والقلب مما ينعكس على السلوك والتصرف. ومن المعروف أن أى إنسان يعيش على أرض الوطن هو وطنى وكلما تحقق تماسك الانسان فى وطنه كلما تماسك الوطن ككل وهذا التماسك يشكل وحدة الوطن وبالتالى قوته
ولا شك أن الناس خلقت مختلفه فى كل شئ أى شكلا وموضوعا وعقيده أى دينا. ولكن يتعين ألا يؤثر هذا التباين فى قوة الوطن أى وحدته. ألم يقل خالق هذا الكون "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحده". كما قال "الناس سواسية كأسنان المشط". فكل إنسان يعيش على أرض الوطن هو جزء من ذلك الوطن. وهذه الاجزاء كلما اتحدت وتوحدت وتماسكت شكلت قوة الوطن. إلا أن روح الجهل والتعصب تعمل على تفكك الوطن ووحدته. والكارثه إذا كان من يعمل على نشر روح التعصب والتفكك له سلطه فى الدوله وله كلمه أو سلطان.
فلا أعتقد أنه يخفى على أى إنسان ما وصلت إليه مصر أيام مبارك والعادلى. ولم يكن هذا التدهور إلا بسبب روح التفكك والاتنقسام التى عملا على نشرها وبثها فى نفوس الشعب المصرى وقد كانا يعتقدان لجهلهما أنها سياسه ناجحه لانها سياسة فرق تسد. ولم يدركا أن هذا الانقسام وذلك التفكك هما سبب الانهيار الاخلاقى, وأن الصراعات التى عملا على نشرها هى التى سببت تصدع مصر فى كل جوانبها وربوعها وفى النهايه – كما يقول المثل- ارتد السهم إلى نحرهم.
والحق يقال إن المشير السيسى قد قبل دفعه ضباط فى الجيش المصرى بها نسبه معقوله ومقبوله من المسيحيين. وليست الميزه فى ذلك أن المسيحيين حصلوا على وظائف او مناصب, ولكن الحكمه أن نسبة المسيحيين المعقوله تجعلهم يشتركون فى بناء وطنهم وتنمى روح التلاحم والنعاون بين المسيحيين والمسلمين فيشعر الطرفان أن مصر وحده واحده وأن كل فئه ليست إلا شريحه فى الوطن يعمل كلاهما على نمو وازدهار الآخر.
لذلك فقد راعنى ما رأيته فى الحركه القضائيه الاخيره. ثلاثمائه وخمس وأربعون قاضيا شملتهم حركة التنقلات ليس فيهم سوى خمسه مسيحيين. أى أن نسبة المسيحيين لن تتعدى 1.5%.
إن مجرد قراءه هذا الخبر بالنسبه للمسلمين يجعلهم يشعرون أن لهم الغلبه والسلطان فى المجال القضائى وهذا الاحساس فقط ينمى ويثير فيهم روح التعالى ومن ثم التعصب. كما أن قراءة المسيحيين لهذا الخبر يجعلهم يشعرون أنهم غرباء عن وطنهم وأن روح المساواه تكاد تكون معدومه. وروح التعصب متى انتشرت فهى تبعث على نشر روح الفرقه والانقسام. ثم تعود ريمه لعادتها القديمه كما يقول المثل.
وأحدث مثال على عار التفرقه ما حدث فى كوم أمبو من أن الصيدلى المدعو محمود محمد أحمد قتل عامله صيدليه مسيحيه اسمها مادلين وجيه. هذا الصيدلى القاتل قررت النيابه إحالته للطبيب الشرعى لفحص قواه العقليه بحسبانه مختلا عقليا. الموضه الحديثه أنه لا يؤخذ دم مسلم بكافر. فى حقيقة الامر أن الاخوان لا يزالوا بمصر بمسميات أخرى ويتعين فصلهم بصوره أو بأخرى.
وبهذه المناسبه كم أود أن يكون لديكم الشجاعه لبحث موضوع الكفر هذا دون تكفير أو تعكير. هل هناك شجاعه لبحث هذا الامر؟ هل يمكن السكوت بعد أن أبحتم دون خجل أو وجل دماء المسيحيين على هذا النحو الرخيص؟
إنه من المفهوم والمعروف أن أى دوله لا تحقق قوتها إلا من خلال التوحد والتكافل والتكاتف وهذا لن يتحقق إلا من خلال الانسجام والعمل كوحده واحده فى تكاتف وتضافر. ومقتضى هذا التكاتف والتعاون أن ينظر لكل إنسان من خلال إمكاناته وإنتاجه بصرف النظر عن شكله أو لونه أو عقيدته أو ديانته.
وإنى إذ أتأمل وأمعن النظر والعقل والفكر لا أجد أى مبرر لهذا التعصب والانقسام. فمثلا أمامنا شخصية تفخر بها مصر ويفخر بها كل مصرى وطنى يحب وطنه وبلده. وهو سيادة أمير رمزى رئيس المحكمه. إنه يستفيد من اتصالاته فى جميع أنحاء العالم من أحل وطنه وتقدم وطنه. إنه يسعى ويضحى من وقته ومن ماله من أجل الحصول على تبرعات من كل أنحاء العالم من أحل بناء وإنشاء مستشفيات فى مصر ليست للمسيحيين ولا للمسلمين ولكن للمصريين كافه. وهكذا نشر روح التعصب يفوت على مصر أفضل رجالاتها ومواهبها ومن ثم تكون مصر هى الخاسر النهائى
إن من أعظم ما قام به المشير السيسى أنه جمع بين كل طوائف الشعب المصرى فى وحده واحده فى وقفه واحده فى يد واحده. فلا يجوز إطلاقا على أى مصرى يدعى الوطنيه أن ينحر تلك الروح ويتسبب ولو بحسن نيه على تفتيت تلك الوحده التى ظللنا ننشدها على مدى ستة عقود ونيف.
إننا إذا نظرنا ألى الماضى الغير بعيد حين كان المصريون وحدة واحده نجد مثالا رائعا من القيم والعداله. فمثلا حين قامت الثوره كان المستشار لطفالله رئيس محكمة استئناف القاهره ينظر قضيه أمام الهيئه القضائيه التى يرأسها. كانت أمامه قضيه تدخل فيها رجال الثوره الاشاوس. طلب منه رجال الثوره أن يقضى فى قضيه أمامه لصالح شخص معين يهم رحال الثوره النبلاء والعظام. أبى المستشار لطفالله إلا أن يطبق القانون والعداله وأصر على ذلك ولم يعر أى اهتمام لرجال الثوره الذين كان يظن الشعب المصرى أنهم جاءوا من أجل الوحده والرخاء والعداله. فما كان من رجال الثوره إلا أن أخذوه من شقته والقوا به من سطح منزله ليهوى فاقد الحياه. وبكل جساره وتبجح أعلن رجال الثوره العظام أن المستشار لطفالله اننحر. وهكذا مات الرجل ضحية للمبادئ وعلى وجه التحديد للعداله.
مجمل القول أن الاقباط لهم تاريخ مشرف فى محراب القضاء بل وفى المجال السياسى أيضا وأسهموا بكل وطنيه ونبل فى ازدهار مصر وتقدمها. ولكن روح التعصب والحقد أبوا أن يحققوا أى تقدم لمصر طالما أن أى مسيحى يكون ضالعا فى هذا التقدم أو ذلك الازدهار. وهكذا وصلت مصر إلى حال يرثى له.
يا حضرات الساده, هناك شئ اسمه ثوره شعبيه قامت من أجل مصر ومن أجل العداله والرخاء والوحده. فيتعين على كل مصرى أيا كان وضعه أو مركزه أو دينه أن يعمل على تحقيق تلك الوحده.
إنى أقيم فى أمريكا. وهى بلد تضم "قانونا" فئات من كل شعوب العالم. وهى لا تفرق بين دين وآخر ولون وأخر كما أن هناك محاكم وإدارات خاصه بأى شكوى تتعلق بالتعصب سواء بسبب اللون أو الجنس أو العقيده. ومن هنا كانت قوتها لان الجميع يعمل فى تكاتف وتناغم من أجل الوطن الذى يعيش فيه الا وهو أمريكا. وكلى ثقه ويقين أن مصر لو انتزعت منها روح التعصب والفرقه لتصبح من أعظم دول العالم.
فى هذه الايام التى ينتشى فيها كل الشعب المصرى للانتصار الذى حققه بطرد أعداء الحياه والانسانيه لا يمكننى أن ألتزم الصمت أمام عوامل الانهيار والفشل التى تفتت مصر وتضعفها. يتعين على كل مصرى مؤمن بوطنه وتملأه الحميه والغيره على مستقبل هذا الوطن أن يعمل على هدم عناصر الضعف والتفكك والانقسام, وإلا فإن ثورتى 15 يناير و30 يونيو ما هما إلا هوجه بلا هدف ولا أمل. كلا وحاشا إن دماء الشباب لا ولن تضيع هدرا يا ساده. إن مصر للمصريين وكفانا ما سببناه لهذا الوطن الغالى والعزيز من انكسارات على مدى ستين عاما.
لقد غادر مصر إلى الابد عالم فذ من علمائها الاجلاء هو عالم وأديب وفنان وله مواهب عده. إنه يستثمر هذه المواهب فى دوله غير وطنه الاصلى بعد أن لقى من الاضطهاد ما هو أشر من السوء. ماهى الخساره التى تكبدتها مصر بسبب فقدان تلك الموهبه؟ والامثله عديده لا تقع تحت حصر. ألاف مؤلفه من المواهب والكفاءات تركوا وطنهم بسبب الاضطهاد والتمييز. كل موهبه تشكل خساره جسيمه على مصر. ألا نكف عن وقف هذا النزيف الذى يقود مصر إلى الفقر الادبى والعلمى والمادى؟
لذلك أقترح أن يعمل القضاء على إفامة التوازن المعقول والمقبول وذلك بأن يعمل على تعيين شباب مسيحى فى النيابه العامه بنسبه تزيد قليلا عن النسبه المتبعه فى التعيين فى السلك القضائى حتى تستقيم الامور ويتحقق التوازن وتصحح الاوضاع.
ولا شك أنه متى تم ذلك فى القضاء فسوف تحذو كل منظمه او مؤسسه أو إداره أو عمل أو رب عمل هذا الحذو فتصبح مصر أم العمل والانتاج والتقدم الذى ننشده جميعا. ليعمل الجميع على تقدم بلده وفى بلده ومن أحل بلده.
إننى أود أن أنوه إلى المأساه الاخيره التى حدثت فى مصر. إذا أردنا بأمانه أن نؤصل الامور ونسبر غور الحقيقه فيتعين أن نواجه الحقائق بكل شحاعه. لقد عملت أمريكا أخيرا على إثارة الفتنه فى مصر لتصبح مهلهله وتزداد ضعفا على ضعفها فتصبح أشلاء دوله. لماذا؟ يتعين أن نواجه الحقيقه. لانها رأت أن مصر دوله ضعيفه مفككه مهلهله. وليسس أدل على ذلك من أن رئيسها المدعو حسنى مبارك سأل أسياده الامريكان : "هل تريدوننى أن أنتحى؟" فكانت الاجابه "نعم" وقد كان. صوره من المذله لا يقبلها أى رئيس دوله محترم لدوله محترمه. وفى الحقيقه أنه هو الذى وصل بمصر إلى هذه الهوه فكان أول من قطف ثمار عمله.
يا ساده إذا أردتم لمصر الخير والنجاح بل والقوه يتعين أن تزيلوا تماما أى أثر للتفرقه أو الانقسام أو التعصب.