الأقباط متحدون - أمى الحبيبة الطيبة و زيارة الأديرة والكنائس والمقابر
أخر تحديث ٠٢:٤٥ | الاثنين ٢٤ فبراير ٢٠١٤ | أمشير ١٧٣٠ ش ١٧ | العدد ٣١١٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أمى الحبيبة الطيبة و زيارة الأديرة والكنائس والمقابر

د.ماجد عزت إسرائيل 
    اليوم الأحد الموافق 23 فبراير 2014م،يوافق الذكرى الخامسة لرحيل أمى الحبيبة الطيبة،ونحن نتذكر سنوات العجاف التى مرت على مصرنا الحبيبة،ما بين وفاتها وحتى وقتناً الحالى،ففى العام المنصرم، كان المصريين جميعنا يعشون كآبة الدنيا فى ظل حكم الرئيس الإخــوانى المـــعزول"محــمد مرسى" والتى شهـــدت البلاد فى عهـده حـالة من  التدهور والأضمحلال فى الأحــوال السياسية و الاقتصادية والاجتماعية، ولكن بعد عام من حكمه ،تحقق حلم المصريين بعزله بعـــد ثورة 30 يونية 2013م،وبدأ السعى لتحقيق خارطة الطريق، بالإستفتاء على الدستـــور فى ينـــاير 2014م،و ينتظر المصريين الآن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لاستكمال التنظيم الإدارى للــدولة المصرية،حتى تنهض مصر مرة آخـــرى فى شتى الأنشطة الاقتصادية،ومن بينها السياحة الدينية الداخلية التى  حاولت أمى الحبيبة الطيبة المساهمة فى تنشيطها بطريق غير مباشر، بتشجيعه الأهـــل والأصدقاء وشعب الكنيسة على تنميتها عن طريق زيـــارة الأديـــترة والكنائس والمقابر الأثرية فى مصر.     

     على أية حـــال،تمر على الإنسان لحــظات مُرّة، وكثير ممن على شاكلتي أيامهـــم تدور في فلك  دوامة الأحــــزان، أحزان لن يطويها تعاقب سنيـن، بل أستطيع أن أجـــزم بأنها تزداد سنة بعد أخرى ببعد، وتبــــاعد، وفقد أحبه لنا، ولكن منحنا الله فضيلة النسيان لنهرب من شظف الزمان،أما بالعمل أو القــــراءة أو البحث و الكتابة،فأحياناً ابقى جليس المنزل لكى اقلب صفحات وصور ومشاهد من  الماضى المنصرم،أعيد ذكرياتى البعيدة مع أمى الحبية الطيبة، فى مشهد زيارة الأديرة والكنائس والمقابر.

   كانت أمى الحبيبة الطيبة دائما تحرس على زيارة الأديرة القبطية؛ التى شيدها الرهبان والأقباط بدمائهم  فى ظل الإضطهاد الدينى منـذ القرن الأول الميلادى وحتى يومنا هذا،  فقامت بزيارة شتى الأديـــرة المنتشرة ما بين ربـــوع مصرنا الحبيبة فنذكر على سبيل المثال وليس الحصر زياراته لديرى الأنبا "بولا"والأنبا "أنطونيوس"فى البرية الشرقية، وحرصت على على زيارة كل معالمـهم الآثرية ،حتى المغارة التى تقــــع فى دير الأنبا أنطونيوس فى حضن الجبل وتحتاج إلى ساعات سير على الأقـدام،كما زارت دير الأنبا صموئيل المعترف فى البرية الغربية بمحـــافظة المنيا،ودير أبوفانا وخاصة بعد التعدى عليه أكثر من مرة،وكانت تصلى من أجل سلامة الأديرة والرهبــــان،وتقول عنهـم"كنز مصر الحقيقى".

  وبالرغم من تعرض محافظة مدينة سوهاج أسيوط  وقنا والأقصر لأحداث فتن طائفية متعــــدة فى 1996م،والتى راح ضحاياه نحو(59) قتيلاً من الألمــــان،وحــادثة أتوبيس كنيسة مصر الجديدة والتى راح ضحاياه( 27) قتيلاً، إلا أنه كانت تحرص على زيــارة الأديــــرة والكنائس الآثرية وخاصة ديـــر المحرق، وديرة السيدة العـذراء بمنطقة جبل الطير،وكانت لا تخاف وتقول دائما"صاحب الزيارة عليه يحرصنا فى الذهاب والاياب" وتردد المثل الشعبى "العمر واحد والرب واحد".   

    أما زياراته لأديرة وادي النطرون فكانت أكثر من مرة فى العام، والوادى ليس مجرد اسم لمنطقة جغرافية على أرض مصر، وإنما منطقة تلبس ثــــوب التاريخ وتتشح برداء الدين وتنطق بجمال الطبيعة فقد اتخذ الوادي أكثر من اسم عبر التاريخ منها، " اسقيط"، كما عرف باسم "برية شيهــــــات أو (شيهيت) ويتكون من مقطعين، الأول ويعني يزن والثاني ويعني القلوب ومعناها ميزان القلوب أي المكان الذي يزين الله فيه قلوب ساكنيه ليعرف مقــــدار محبة كل واحد منهم له، وعـــرف بوادي المــــلوك نسبة إلى الأميرين" مكسيموس ودماديوس" ابن المـــــلك فالنتيانوس الذي صار إمبراطورًا لروما سنة 364 وعشقا الرهبنة في وادي النطرون،و يزخر بأعداد كبيرة من الأديرة والقلالي، وقد بلغت نحو مائة دير، ، ولكن أحداث الزمان والغزوات المتلاحقة أبادت الكثير من أديرة الوادي ولم يبق الآن من الأعداد الكثيرة سوى أربعة وهي حسب تاريخ نشأتها: دير البرامــوس، ودير أبا مقار، ودير الأنبا بيشوى، ودير السريان. وهي التي قــاومت الزمن، وعواصف الرمال، وهجمات البربر، وظلت قائمة بينما تهدمت أديرة آخري، أو اختفت تحت كـثبان الرمال.

  وزيارة المقابر كان عندها كل أسبوع فعقب صلاة قداس يوم الأحد فى دير مارجرجس ناحية منطقة سدمنت الجبل؛  تـذهب لزيارة المقابر حيث توجد مدافن العائلة،ولكن  منذ وفاة أخى "جمال" فى سن (34)عاماً ،وفقدت  أحد عينيها بعد وفاة بنحو 40 يوماً تقريباً حزنناً على رحيله،فقد كانت تذهب بكثرة نحو مرتان فى الأسبوع،وفى أيامها الأخـــيرة كانت بشكل أكبر،وعندما كانت تغيب لمدة أسبوع عنه لسفرها فى مكان ما،فكأنها فقدت شىء ما،بل كل الدنيا،وفى ذات مرة فى أواخر عام 2008م، كنت فى صحباتها لزيارة المقابر،وقد أوصتنى بعمل مقبرة جديدة ونقل أخى،وقالت لى عند وفاتى أريــد أن أدفـن معه،وبعد وفاتها دفنت مع أخى فى مقبرة العائلة، وبعد أن انتهيت من بناء المقبرة نقلت أخى وأمى طبقاً لوصيته فى عام 2011م.

   كانت أمى دائما التفكير فى كل شىء،وكان من العادة لديها الصمت أحيانيا عند زيارة المقابر،وهذا ما أكده لى مركز الحياة والموت باليابان وصديقى دكتور "أوتواشى" الذى تبنى العديد من هذه الدراسات التى توضح العلاقة بين الأحياء والأمـــوات ،مثل الزيارة المستمرة أو سرد السيرة الذتيـــة للمتوافى مع تذكر مواقفـــه النبيله أو ذكر اسمــــه فى الصـــــلاة،او تفقد الأسرة ،أو الحديث عن يوم وفاته،أو وضع أكـــليل من الزهور على المقبرة، فأمى غالباً  ما كانت تتحدث عن أخى وكــأنه من الأحياء وليس من الأمــــوات لطبيعة الزيارات المستمرة له،وللمقابر بصفة عامة.

     وأخيراً،اتمنى من كل أمى مصرية وطنية تحب وطنها وأبنائها تقف بجانب مصرنا الحبيبة فى تشجيع السياحة الداخــــلية،بزيــارة المتاحف والمعالم الآثـــرية المتعددة منها الفرعونية والرومـــانية والقبطية والأسلامية،لكى ما نرسل رسالة سـلام ومحبة و أمـان للسائج الأجنبى لعــــودة السياحة إلى ما كانت عليه من قبل 25 ينــــاير 2011م،وأيضًا اتمنى أنشأء مركز للدراسة العلاقة ما بين الأحياء والأموات على شاكلة مــركز اليابان، والأمم لم تتقدم إلا بالبحث والدراسات العلمية.  

        على أية حـال،مر على رحيلك يا أمى الحبيبة الـــطيبة خمس سنوات (23 فـبرايـر 2014م)،ولكننى لا ازال أتذكر تعليــــم دروسك  اليومية التى استرجعتها  من دفــــتر الزمان،واليوم كتبت من صفحتها صفحة  كنموذجاً لعلـــها تفيد أجـيال وراء أجــيال،كنت يا أمى خيراً نموذجاً للمرأة المصرية المحبة لوطنها.  


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter