د. أحمد الخميسي
في مارس 2012 أصدر سعد القرش كتابه " الثورة الآن " رسم فيه جدارية حية لانتفاضة 25 يناير وما أحاط بها لحظة الاندلاع من قلق وإعلام مزيف وقصائد وشعارات ومواقف دولية ومشاعر الذين يؤرقهم الشوق إلي العدل والذين يؤرقهم الخوف من العدل. كتب القرش كتابه ذلك بروح الأديب ( للقرش خمس
روايات ومجموعتان قصصيتان) والمؤرخ ، والكاتب الصحفي. والآن، بعد عامين تقريبا من كتابه الأول يقدم لنا القرش بالروح ذاتها كتابه الثاني" سنة أولى إخوان"، وتكتسب شهادة القرش أهمية خاصة لأنه كان وهو فتى في الثالثة عشرة أقرب ما يكون إلي رؤية " الإخوان" للعالم والثقافة والفنون حتى أنه حطم رأس تمثال من الجبس وهو تلميذ داخل مدرسته الاعدادية! ويقول القرش" حاصرني ذلك الخطاب الإخواني وحدد لي زاوية رؤية الدنيا والناس والمجتمعات الأخرى والمرأة "! لكن القرش سرعان ما يتعرف إلي الثقافة الوطنية فيقول إنه أصبح بعد ذلك يتأرجح بين عالمين ليشق طريقه إلي نور المعرفة والأدب. في " سنة أولى
إخوان" يضعنا القرش أمام " بطل روائي" برحلة تكوينه الفكري والإنساني التي تمضى نابضة على خلفية تاريخية مشتعلة بالاتجاهات والأحداث العامة التي تتغذى بمقتطفات من سيد قطب ومجلة الدعوة ومحمد عمارة وحسن البنا ويحيي حقي وغيرهم. في كتابه الأول رصد القرش بهجة صعود الثورة وفي كتابه الثاني يتابع مرارة انتكاستها بسنة من حكم الإخوان، إنطلاقا كما يقول من انحيازه إلي"الوطن والمستقبل والعقلانية" ومن رفضه" خطاب الكراهية الموجه للمختلفين في الدين".
يعود بنا القرش إلي بداية ظهور تنظيم الإخوان عام 1928، مستشهدا بما كتبه روبرت دريفوس في كتابه " لعبة الشيطان" من أن ظهور الأخوان كان جزءا من خطة بريطانية لدعم قواعد اليمين الاسلامي بهدف تصفية الحركة الوطنية المصرية وأن الدعم المالي الأول الذي تلقاه البنا كان من شركة قناة السويس البريطانية تحت ستار بناء جامع. وعام 1940 أسس البنا " التنظيم الخاص " أو الجهاز السري العسكري للجماعة الذي كرس الاغتيالات والتفجيرات والعنف منذ اغتيال المستشار الخازاندار عام 1948 وما أعقبه من حل الجماعة على يدي النقراشي، وتتواصل حلقات التاريخ الدموي حتى انتفاضة يناير 2011 التي تبجح الإخوان بمشاركتهم فيها بينما مازالت الوثائق تحتفظ بما قاله مرشدهم محمد عاكف لمجلة المصور في 29 يوليو 2005 وبتصريحه " نؤيد ترشيح الرئيس مبارك"، أما
مرسي فصرح عشية الانتخابات لجريدة المصري اليوم بتاريخ 25 نوفمبر 2010 بقوله" لدينا تفاهمات مع الأمن.. ورفضنا الدفع بمرشحين أمام زكريا عزمي ويوسف بطرس غالي .. احتراما لهم كرموز للوطن "! وقبل أسبوعين من انتفاضة يناير أعلن الإخوان في 11 يناير 2011 أنهم " لن يشاركوا في مظاهرة 25 يناير.. احتراما للمناسبة الوطنية التي ينبغي علينا أن نحتفل بها معا " في إشارة لعيد الشرطة. وحينما نجح الشعب في الإطاحة بمبارك وبدأت الانتخابات الرئاسية واصل الإخوان تجارتهم بالدين حين صرح مهدي عاكف المرشد السابق ( جريدة الوطن – 12 يونيو 2012) بأن محمد مرسي " مرشح الله والثورة "! فأضفى على مرسي هالة ليست له كبشري، وهو تصريح يذكرنا بقول الشيخ شعراوي بعد أن عينه السادات وزيرا للأوقاف" لو أن الأمر بيدي لجعلت الرئيس المؤمن أنور السادات في مقام الذي لا يسأل عما يفعل"! التاريخ الذي يستعرضه القرش يفسر لنا بعد ذلك لماذا سقط الإخوان في " سنة أولى حكم" ولم يتمكنوا من الاستمرار وهو ما تناولته الفصول الأخرى من الكتاب الممتع، وفيه يختفى وراء السهولة الجميلة التي كتب بها القرش جهد توثيقي وأدبي كبير.