بقلم : فايـز البهجـورى
قام الحمار العجوز مذعوراً من نومه على صوت نهيق عالى ينطلق من الزريبة المجاورة.
وقف على رجليه وهزّ جسمه وطرطق أذنيه وأخذ يستمع لما يدور حوله . وأدرك أن هناك مشاجرة - فى الزريبة المجاورة - بين الحمار الرمادى والحمارة البيضاء الشابة .
ذهب إليهما ليستطلع الأمر ويعرف سبب المشاجرة .
وأمام الزريبة ضرب برجله الأمامية اليمنى على الأرض ثلاث مرات وكأنه يطلب إذناً بالدخول .
وما كاد يدخل عليهما حتى توقفا عن الرفص والنهيق الصاخب.
سألهما الحمار العجوز : ماذا حدث ؟ ولماذا تتشاجران ؟
قالت الحمارة البيضاء الحسناء الشابة : إن زوجى حمار أنانى. يريد أن يحجر على حريتى ويحد من حركتى.
إنه يريد أن يعتبرنى كأنى قطعة من الزريبة .
قال الحمار العجوز : أنا لا أفهم ما تقولين . ماذا تقصدين " بالحجر على حريتك والحد من حركتك" ؟
قالت الحمارة الشابة : أريد أن أسافر وهو يريد أن يمنعنى من السفر .
وهنا قال زوجها الحمار الرمادى فى غيظ : قولى للحمار العجوز إلى أين تريدين السفر ؟ ولماذا ؟
قالت الحمارة الصغيرة الحسناء : نعم سأقول له . وماذا فى ذلك ؟
ثم نظرت الحمارة الحسناء إلى الحمار العجوز وقالت له : إننى أريد أن أسافر إلى " كولومبيا " فى أمريكا الجنوبية .
قال الحمار العجوز فى دهشة : إلى كولومبيا ؟ وما الداعى لذلك؟ .
قال الحمار الرمادى فى غيظ شديد : إنها تريد أن تصبح " ملكة جمال ".
قال الحمار العجوز : ملكة جمال ؟
قال الحمار الرمادى : نعم .. ملكة جمال .." ملكة جمال الحمير" .
لقد سمعت أنهم هناك يقيمون فى كل عام مسابقة لاختيار "ملكة جمال الحمير".
وهى تريد أن تكون الملكة .
قالت الحمارة الحسناء : وماذا فى ذلك ؟ أنا حمارة ... جميلة ... رشيقة ... نظيفة ... ومتناسقة القوام ... وأستطيع أن أفوز فى المسابقة .
ثم أضافت فى خيلاء : وأصبح ... ملكة ... جمال ... الحمير .
هزّ الحمار العجوز رأسه وهو يقول : ملكة ... جمال ...الحمير !!
ونظر إليها نظرة ذات معنى ثم قال فى سِرِّه بنهيق خافت : مِنَ حَقّـــِك . فأنت أجمل حمارة رأيتها فى حياتى . وعيب هذا الحمار الغبى أنه لم يقدّر جمالك .
ثم أتجه الحمار العجوز إلى الحمار الرمادى وسأله : وأنت .. لماذا تعترض على ذلك ؟
قال الحمار الرمادى : إنها لو أصبحت " ملكة جمال الحمير" سوف يركبها الغرور .. ولا أستطيع التفاهم معها . ولا ........
وهنا قطعت الحمارة الحسناء نهيقه وقالت فى حــدة : قل له السبب الحقيقى الذى قلته لى . قل له أنك خائف علىّ من أن يطمع فَىَّ " بغـل العمـدة ".
وما كاد الحمار العجوز يسمع كلمة "بغـل العمـدة" حتى انطلقت منه نهقة عالية وهو يقول :
بغل العمدة !! هذا موضوع خطير . فأنتما ستدخلان فى مواجهة مع الأكــابــر .
قالت الحمارة الحسناء فى تحـد صارخ :
أنا لا يهمنى الأكابر أو الأصاغر. إن الذى يهمنى فقط هو أن أصبح " ملكة جمال الحمير"
ثم أضافت فى دلال : ولا تنسى أيها الحمار العجوز، أن الكبير أمام الجمال صغير.
رد عليها الحمار العجوز فى هدوء : ولا تنسى أنت أيضا ، أيتها الحمارة الحسناء المغرورة ، أن الشرف أكبر من الجمال .
وتركهما الحمار العجوز يتشاجران وعاد إلى زريبته .
***
وفى زريبته وجد زوجته الحمارة السوداء فى انتظاره قلقة عليه . ودار بينهما حوار آخر.
حكى لها ما رآه وما سمعه فى الزريبة المجاورة من الحمار الرمادى وزوجته الحمارة البيضاء الجميلة.
وعلّقت الحمارة السوداء على هذه المشاجرة بقولها:
أليس هذا الحمار، الذى دفعته الغيرة على زوجته الجميلة من بغل العمده ، أفضل من بعض الآباء و الأزواج من البشر، الذين يقدّمون بناتهم وزوجاتهم
" متعة جنسية " لبشر آخرين لا يعرفونهم ، تحت ما يسمونه " نكاح الجهاد " ، الذى يقتلون فيه أفرادا آخرين من بنى جنسهم ، ليس بينهم أى معرفة سابقة ، وليس بين القتلة والمقتولين أى خصومة شخصية ؟
وهنا قال لها الحمار العجوز: انه لأمر يدعو للأ سف . ومن رجاحة عقل الحمير أنها لا تفعل ذلك الذى يفعله الانسان.
وأضافت الحمارة السوداء : أما عن الحمارة البيضاء الجميلة فمن حقها أن تسعد بجمالها وتصبح "ملكة جمال الحمير ".
ثم سكتت لحظة وقالت : ليتنى كنت فى مثل جمالها لما ترددت فى أن أفعل مثلها وأصبح بدورى " ملكة .... جمال ....الحمير" .
حسرة علىّ .
--------------------------------------------------------
القصة منقولة عن مشروع " موسوعة الألف قصة: للبهجورى " ( مجموعة : الحكايات الطريفة )