بقلم : يوسف سيدهم
الأسبوع الماضي احتفلت وطني بتخريج آخر دفعة منبرلمان الشباب معلنة بذلك إسدال الستار علي هذا المنبر الحيوي الذي ولد عام 2000 في زمن كان الشباب فيه متعطشين للمشاركة السياسية وللتعبير عن أنفسهم دون أن يجدوا من يرحب بهم أو يقبلهم أو يحتويهم
...أسدل الستار علي برلمان الشباب بعد أربعة عشر عاما من نشاطه وبعد تخريج أربع وعشرين دفعة ضمت حوالي الألف من الشباب من الجنسين-مسلمين ومسيحيين-اختلطوا ببعضهم البعض اختلاطا طبيعيا ومارسوا معا تجربة معايشة أحوال وطنهم والتحديات التي يواجهها داخليا وخارجيا وتولوا بلورة رؤاهم إزاء كل منها عبر آليات الدراسة والتحليل واحترام التعددية والاختلاف....هذا بالإضافة إلي اكتساب مهارات الإدارة الذاتية للتجربة بما تشمله من استقلالية العمل وتدوير السلطة,الأمر الذي أكسبهم قدرا ملحوظا من الثقة بالنفس والقدرات غير المسبوقة علي الانتقال من مستوي محاكاة الواقع إلي المشاركة الفعلية في الخريطة السياسية سواء كان ذلك في الحياة الحزبية أو المنظمات الحقوقية أو مؤسسات العمل العام والمجتمع المدني.
كان برلمان الشباب في وطني حين تم تأسيسه عام2000 ملاذا للشباب في وقت كانت الساحة السياسية جدباء مقفرة يسيطر عليها الحزب الوطني وحده مبقيا علي زمرة من الأحزاب الهامشية عديمة الجدوي السياسية لمجرد تصدير صورة زائفة للتعددية السياسية,لكنها تعددية أشبه بمسرحية ينفرد فيها البطل باحتكار دور البطولة تاركا لباقي الممثلين أدوار الكومبارس الذين لا أمل لهم مطلقا في تبادل البطولة معه...وفي ظل ذلك المناخ المريض كان القاسم المشترك الوحيد بين الحزب الوطني وسائر الأحزاب الأخري هو سطوة الشخصيات القيادية واستئثارها بالرأي والقرار وعزوفها عن إشراك الشباب إلا من منهم يظهر قدرات خاصة من نوع تملق تلك الشخصيات واستنساخ ملامحها في شخصه(!!!)...والغريب أن وسط هذا المشهد المريض كانت الشخصيات القيادة من كبار السن تتهم الشباب بالعبث واللهو وعدم الاكتراث بالسياسة غير متنبهة أنها نفسها السبب في ذلك.
لهذا كله قبل الشباب الدعوة للانخراط فيبرلمان الشباب أملا في الخروج من النفق المظلم المأسورين فيه,وأعترف أنهم أقبلوا وفي داخلهم شكوك إزاء حقيقة التجربة وما يراد بهم من ورائها,خاصة ما يتصل بإتاحة الاختلاط والتواصل بين الجنسين والعقيدتين,علاوة علي توجسهم المألوف من تحكم الجيل الأكبر فيهم...لكن كنا ندرك تماما فيوطنيأن نجاح التجربة مرهون بدرجة الحرية والاستقلالية المكفولة لها ممارسة علي أرض الواقع وليس مجرد وعود براقة تنكمش وتنحسر لدي ظهور المشاكل.
شيئا فشيئا نجحت التجربة وتأكد الشباب من صدقها وبدأوا يستمتعون بممارستها ويتحمسون لإدارتها وتنميتها وراحوا يتحدثون عنها وسط أقرانهم ومعارفهم حتي أقبلت عليها أعداد متزايدة خلقت طابور انتظار يسعي للانضمام لها...وتطورت الممارسة بشكل طبيعي تبعا للاحتياج إلي أن أخذت وضعها المأمول...وجاءت مناسبة الاحتفال بتخريج الدفعة الأولي عام2001 والتي كانت مؤثرة جدا عند سماع شهادات الشباب عن تجربتهم وترددهم ومخاوفهم في البداية والتي تحولت إلي ثقة ونضج وصقل في النهاية,وبينما عبر الكثيرون عن رغبتهم في البقاء نصحناهم أن الهدف الحقيقي لمنبربرلمان الشباب قد تحقق وأن عليهم أن يخرجوا منالحضانة لينضموا إلي واقع الحياة السياسية حيث يستطيعون أن يصنعوا التغيير ويخدموا بلدهم مصر.
هذا المشهد المؤثر استمر وتكرر مرارا كلما احتفلنا بتخريج دفعة من برلمان الشباب وكنا نلتقي في تلك المناسبات بنماذج من الشباب الذين سبق تخريجهم ليتحدثوا عن دورهم في المشاركة الحقيقية في الساحة السياسية والحزبية...وكنا نشعر بالكثير من الفخر والارتياح أننا استطعنا بهم الإسهام في علاج نقطة ضعف في تركيبة الهرم السياسي...ومرت السنوات وباتبرلمان الشباب جزءا مهما من رسالةوطني تجاه المجتمع,فلم تكن هذه الرسالة إعلامية مهنية صحفية فقط بل امتدت دوما لتكون تنويرية وتنموية أيضا.
ثم اندلعت ثورة 25يناير 2011 وكانت شرارتها الأولي ووقودها ونجاحها هم الشباب ومن بعد ذلك تغيرت أوراق اللعبة السياسية,فسقط الحزب الوطني وغادر الساحة ونشأت مجموعة كبيرة من الأحزاب السياسية الموزعة علي الأطياف السياسية المختلفة بحلوها ومرها,لكن التغيير الحقيقي الملموس كان في نظرة الجميع إلي الشباب,فبعد أن كان الشباب منبوذا ومطرودا أصبح هو السلعة الرائجة المطلوبة وباتت الأحزاب والقوي السياسية تتنافس علي جذبه واستقطابه لإيمانها بأن الشباب هو أداتها الفعالة للتواصل مع الشارع والعمل وسط الجماهير...ومع توالي الشهور والسنين-وبالرغم من التجربة المريرة التي اختطفت فيها مصر لحساب تيار الإسلام السياسي- كان حماس وحيوية الشباب ونضجهم السياسي الوقود الذي أشعل الرفض والاحتجاج وأفرز حركةتمرد التي تعد الأب الروحي لثورة المصريين في30يونية 2013.
هنا وجدنا أنفسنا فيوطني أمام موقف مصيري حيث يتوجب علينا أن نقف لتقييم جدوي استمراربرلمان الشباب...وكانت النتيجة واضحة وحتمية:أن قواعد المشاركة السياسية تغيرت وأصبح الشباب ركنا أساسيا فيها,ويلزم أن نعمل علي حثه علي الانخراط في الواقع الفعلي بدلا من احتوائه في منبر لمحاكاة واقع غير موجود...وحانت لحظةفطام الشباب منبرلمان الشباب...لحظة وداع تجربة البرلمان دون التخلي عن شباب البرلمان,وهذا عينه ما عبر عنه الكثيرون والكثيرات من الشباب والفتيات-وفي هذا الصدد دعوني أسجل بكل فخر أن مشاركة الفتيات في شتي دفعات البرلمان فاقت مشاركة الشباب وكان دورهن فاعلا جدا في النشاط وفي إدارة التجربة...وأظن أن مصر اكتشفت ذلك جليا عبر دور الفتاة والمرأة المصرية في الساحة السياسية خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
من أجل ذلك,إذ تودعوطني برلمان الشباب تطلق الدعوة لتأسيسملتقي شباب البرلمان بهدف توثيق هذه التجربة والخبرة بالإضافة إلي تحقيق التواصل المنشود مع الشباب ورعاية استمرار اختلاطهم الطبيعي وعدم العودة إلي مستنقع التقوقع أو الطائفية مرة أخري...إذا وداعابرلمان الشباب...ومرحباملتقي الشباب.