منذ 219 عاما حفرت الدموع خدود نابليون بونابرت باكيا ومتحسرا علي مصير سفينته إيطاليا التي كان يتفائل بها حين أغرقتها المقاومة المصرية التي ساندها الجيش الحجازي القادم من مكة المكرمة
الدموع التي رصدتها اللحظة التاريخية في مثل هذا اليوم 3 مارس عام 1799 م في جسد الأمبراطور الهزيل القصير وهو علي أعتاب أسوار عكا بفلسطين صارت تتخذه محافظة قنا عيدا قوميا لها فدموع نابليون لم تكن توازي كم النحيب والدمار الذي خلفته الحملة الفرنسية في محافظات الصعيد.
مابين الاحتفال بهزيمة المحتل نابليون الذي اهتدي إلي فكرة توطين يهود أوربا في فلسطين لفصل العالم العربي عن ابنائه ومابين التساؤلات عن شواهد قبور المقاومين من أصحاب الجلود البرونزية كما وصفهم بونابرت ذاته في مذكراته تبقي دائما الحيرة علي كل من يطلع علي تاريخ محافظة في عصر الاحتلال الفرنسي.
ضياء القللي الباحث التاريخي المعرف قال لـ "بوابة الأهرام" إن التاريخ الذي ذكر رائدي المقاومة في محافظة قنا وهما الشيخ الكيلاني المعروف بالجيلاني والشريف حسن اللذين قادا المقاومة لايذكر شيئا عن وفاتهما وفي أي مكان استشهدا في محافظة قنا وهم يقاتلون الفرنسيين؟
الخريطة تمتد لك من قوص جنوباً حتي سمهود شمالاً من أبومناع شرقاً حتي المراشدة غرباً تمتد الخرائط والوقائع الحربية مع الفرنسيين دون أن يذكر التاريخ شيئاً عن مصير مقاومة عربية خرجت للمقاومة من مكة المكرمة ليس من أجل سلطة المال أو هدم الأوطان أو نية جهاد النكاح.
قللي يؤكد أن الشيخ الكيلاني ينتمي لأدارسة المغرب ومولود فى مراكش كما وصفته المراجع التاريخية والذي كان يدرس فى مدرسة السعيدات كان يجمع الأموال ولايمل وهو فى الحرم المكي من تكوين جيش للدخول فى حرب مع الفرنسيين واستطاع أن يمول الجيش الحجازي آلذي كان يضم فئات عديدة من أبناء الوطن العربي.
وقت مجيئه لقنا لم تكن هناك إلا خطابات المقاومة الموجودة في المنازل والتي لم تطلها كوارث السيول حيث يشير المقاومين في مخطوطاتهم إلي تحركاته مع زميله الشريف حسن دون أن يذكرا أين ذهبا وفي أي قرية أو نجع ماتا وكيف اختفيا من المشهد.
الباحث التاريخي في قنا لايملك غير الدهشة ثم يسترسل سارداً وقائع التاريخ " المآسي التي فعلها الفرنسيون فاقت الكوارث الطبيعية وجعلت الدخول معهم في حرب مهمة جدا فالمواطنون في الصعيد كانوا يقومون بإلقاء بناتهم في النهر أحياء بعد قيام الفرنسيين باغتصاب النساء وانتهاك الأعراض ناهيك عن حرق القري بالكامل وتشريد آلاف السكان.
في إحدي وثائق محكمة قنا الشرعية والتي دمرها سيل 1954م نجت إحدي الوثائق التي تتحدث عن رائد المقاومة الشريف حسن فهو " حسن بن عبدالله بن حسان العنقاوي والوثيقة تدل علي حجة شرعية باسمه بميدان الأنصاري بقنا ومكتوبة في العهد العثماني وهي وثيقة تظهر نسبه ومعاملاته إلا أنها لاتثبت أين ذهب وكيف كان مصيره.
وثيقة رائد المقاومة الشريف حسن تثبت أنه قدم من وادي فاطمة بمكة وأنه كان وكيلاً للأشراف وأنه قام ببيع قطعة الأرض في محافظة قنا من ميراث أجداده الذين قدموا لها من قديم الزمان إلا أن الوثيقة يغيب عليها الكثير فهي لاترصد أيضاً معاركه التي استمرت لسنوات ضد الفرنسيين حين استقل سفينته من مكة لقنا.
ضياء القللي يحدد لك عدة إشارات يطعمها بالأسئلة ربما مات الكيلاني صديق الشريف حسن في قرية حجازة قبلي بقوص في إحدي المعارك التي كانت تصيب القائد الفرنسي ديزيه بالهوس والذهول من صلابة السيوف التقليدية أمام مدافع الفرنسين الحديثة وربما اختفي بغير رجعة.
الشريف حسن يختلف هنا فالكيلاني، الذي غاب عن موقعة البارود ا والتي جعلت نابليون بونابرت يبكي علي سفينته التي كان يتفائل بها فالتاريخ كما يحدد ضياء القللي أكد أن الشريف حسن أمر بذبح الفرنسيين علي أنغام موسيقي نشيد الثورة الفرنسية كأنه كان يعطي أشارة قوية أن الثورة الفرنسية التي قادت فرنسا للقوة قادتها للقهر والظلم والطغيان لأبناء العالم
بعد الواقعة التي ابكت نابليون أين ذهب الشريف حسن والشيخ الكيلاني هذا هو التساؤل الذي لايجد له الباحث التاريخي أي أجابة لا في مخطوطات الحجج وصكوك المعاملات ولا في خطابات المقاومة كأنهما غابا من المشهد دون قبور تضم رفاتهما لكي نتذكر فقط بكاء ديكتاتور مستبد علي سفينة ابتلعها نهر قنا.