الأقباط متحدون - ستعود بقوة أعظم
أخر تحديث ٠٩:١٧ | الاثنين ٣ مارس ٢٠١٤ | أمشير ١٧٣٠ ش ٢٤ | العدد ٣١١٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ستعود بقوة أعظم

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

بقلم كمال زاخر
نعيش نهاية واحدة من دورات التاريخ توطئة للدخول في دورة جديدة يجدد فيها الوطن شبابه، ويضع قواعد جديدة لدورة حياة متجددة، فالأحداث تكتب
السطر الأخير في حقبة بدأت مع محمد علي، الذي واكب بواكير الثورة الصناعية والانتقال من الفرد إلى الجماعة، ومن الورشة إلى المصنع، والمنشأة الفردية إلى شركات الأموال، وما استتبعه من فصل الملكية عن الإدارة، ومن الإنتاج اليدوي إلى الإنتاج الصناعي، والبحث عن مصادر الخامات والأسواق، وبالتوازي كان الفكر يرصد ويحفز ويحذر وينير الطريق، والمدارس الفكرية والفلسفية تزدهر وتتصارع، وينفجر صراع الأيديولوجيات، ثم تأتي الحداثة وما بعد الحداثة، وتموت الأيديولوجيا، بفعل ثورة المعلومات والمعرفة، تواكبها ثورة الاتصالات، ومعها تفقد المؤسسات التقليدية الراديكالية سيطرتها على دوائر نفوذها، بعد أن صارت المعلومة عابرة للقيود والمصادرة، وعصية على التحجيم والتشويش والملاحقة.

ليس مصادفة أن يتحرك الشباب المصري في الشهر الأول للسنة الأولى للعقد الثاني من الألفية الثالثة، ليلحق بدورة ما بعد الأيديولوجيا، ويخرج من سطوة التخلف، لم تكن 25 يناير مجرد انتفاضة أو ثورة لإسقاط نظام، ولم تكن 30 يونيو فقط تصحيحًا لإخفاقات ما بعد يناير، كلاهما كان شهادة حياة مصرية، تعلن بعث جينات حضارة حقيقية لم تستطع دورات المستعمرين أن تعبث بها أو تحل محلها.

تحرك الشباب كان منتجًا طبيعيًّا لثورتي المعرفة والاتصالات، بعد أن تلقى صدمة المقارنة بين حاله وحال بلاد تعيش أنسنة الحياة، حتى في العالم الثالث، وانحازت اللحظة إلى خيار الشباب وانتصرت له، وما زلنا ننتظر منه وله الكثير رغم قتامة اللحظة، فهي مخاض ما قبل الولادة بكل معاناتها وكربها، التي تتحول إلى فرح غامر بخروج المولود إلى الحياة، مصر بشبابها تولد من جديد، ومصر الحضارة الزهو ستعود بقوة أعظم.

ولا ينبغي أن تروعنا محاولات النظم التي سقطت بفعل مفارقتها للمستقبل وسعيها لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وهي في أسر الأيديولوجيا، وهي تقاتل للعودة مجددًا ضد حركة التاريخ، الذي لو اعتنوا بقراءته لأدركوا استحالة وقف عجلة الخروج إلى فضاء التطور والانطلاق لآفاق دولة الإنسان المدنية.

من الطبيعي أن يتنبوا الترويع مسلكًا بقدر هول صدمة السقوط وبقدر صلابة المصريين، يبقى علينا أن ننتبه لخطورة مرحلة الانتقال، وتكاليفها وتكليفاتها، نبني معًا خطواتها ونتحمل معًا فاتورتها، نعمل بالتوازي على عدة محاور، نضبط طموحاتنا ونعظم إيجابياتنا ونقلص سلبياتنا، ونثق أننا نملك صناعة غد أفضل، ونعلي من قيمة وحتمية التنوير، ونملك شجاعة تنقية موروثنا وتراثنا لنتحرر من قيود صنعناها في عصور التراجع الفكري والانقطاع الحضاري.

في إطار التنوير دعت الجمعية المصرية للتنوير -التي أسسها شهيد الكلمة الدكتور فرج فودة- إلى ندوة بعنوان "رئيس مصر بعد ثورة حقيقية.. ما المؤهلات والمواصفات المطلوبة؟"، لم يكن العنوان وحده هو المحفز على الحضور بل كان المحاضران ومدير الندوة أيضًا، الأستاذ سليمان شفيق والأستاذ صبري سعيد والدكتور مصطفى النبراوي، وانتهت إلى أن المرحلة متجاوزة وضع مواصفات تقليدية في لحظة ثورية، التي تفرض أن ننطلق من الشارع إلى الشخص وليس العكس، وأن المواصفة الأساسية هي قدرته على الإنصات لأنين الشارع، وحماية القيمة المصرية "الوطن" بعيدًا عن مناورات الأيديولوجيا وصراعاتها، وأن يدرك أن مرحلة الزعيم لم يعد لها مكان في دولة المواطن، ودوره كرئيس أقرب إلى مفهوم "المنسق للقوى والإمكانات المصرية، واكتشاف وتفعيل المخزون المصري الحضاري الجمعي".

وكانت المداخلات موضوعية جمعت بين تصور المواصفات وبين الطموحات، ولم تخل من الأنين المعجون بالتخوفات، وعكست الحالة المصرية المتكررة في كل تجمع مهموم بمستقبل مصر.

ظني أن الرئيس القادم سيحمل عبئًا مضاعفًا في لحظة فارقة، لذا فهو رئيس استثنائي وانتقالي، سيذكره التاريخ لو استطاع أن يعبر بمصر إلى الاستقرار والانضباط والفعل البنائي، في مناخ متشابك وعثرات لا حصر لها، ولعله يستطيع أن يحقق "الرشاد السياسي" بحسب تعبير المحاضر صبري سعيد، بعيدًا عن ترف لغو النخب، وينجح في الانتقال بمنظومة الرئاسة من الفرد إلى المؤسسة، حيث العمل الجماعي ومنظومة المسئولية بقدر السلطة، ومن ثم تفعيل سيادة القانون وإعادة الاعتبار للفرد والمواطن وأنسنة المجتمع بعد أن استوحش بالفوضى والأنانية، وإعادة ضبط العلاقة بين مثلث المواطن والدولة والمؤسسة الدينية، بعيدًا عن المواقف الحادة التي إما تدعو إلى إقصائها أو الاستغراق فيها، وأن يملك القدرة على الدعوة لمصالحة حقيقية مع الوطن، بعيدًا عن مناورات الصراع السياسي، ومحاولات دغدغة الحس المصري للقفز مجددا على مقدراته.

الرئيس القادم يأتي في لحظة تستوجب أن نعيد مصر إلى مكانتها، وهذا لن يتحقق إلا بتبني قيم الدولة المدنية.. العدل والمساواة والشفافية والانضباط وسيادة القانون، ساعتها ستعود بقوة أعظم.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter