الأقباط متحدون - فردة حذاء
أخر تحديث ٠٠:٠٦ | الثلاثاء ١١ مارس ٢٠١٤ | برمهات ١٧٣٠ ش ٢ | العدد ٣١٢٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

" فردة حذاء"

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

فايز البهجورى
لي صديق في القاهرة تربطني به علاقة قوية
 وصديقي هذا أكبر من  مليونير وأقل قليلا من ملياردير.
وهو صاحب أكبر دار نشر بحى الفجالة بالقاهرة ، تختص بطبع ونشر الكتب المدرسية المساعدة لتلاميذ المدارس .
 وقد نشر لى العديد من مؤلفاتى التى حققت أرقاما قياسية فى توزيعها ..
 و كان صديقي هذا خفيف الظل.. حاضر البديهة.. كثير القفشات .. ويضحك كثيرا عندما يستمع إلى نكتة أو يروي نكتة.
 
 وكانت ابتساماته عريضة بمساحة وجهه . وتستطيع أن تلمح ذكاءه من خلف نظارته الطبية.
 وكانت مساحة المكان الذي قضى فيه نصف عمره لا يتجاوز مساحة مكتبه. والنصف الآخر من عمره كان يقضيه في بيته.
وعندما كنت  أطلب منه أن يخرج إلى الحياة ليرى ويستمتع بما يوجد على سطح الكرة الأرضية في بقاع العالم،  يقول لي:  أنا مسئول عن إطعام مئات الأسر، وإطعام

هذه الأفواه الجائعة. وهذه هي متعتي وسعادتي.
 إلى جانب  مساعدة ملايين التلاميذ ، فى مصر وفى العالم العربى ،على تيسير  تحصيل العلوم وتأدية امتحاناتهم فيها  بنجاح. وهذه هي رسالتي.

 وكنت كلما زرت القاهرة أحرص على أن  أحضر معى  بعض الهدايا  للأقارب والأصدقاء هناك. ومنهم صديقى المليونير .

وكانت هذه الهدايا تتمثل فيما كنت أتصور أنهم فى حاجة اليه ، أو يمثل اضافة لهم .

 ولكن الهدية التى كانت تحيّرنى كثيرا هى التى كنت أقدمها لصديقى المليونير.
انه ليس فى حاجة الى شيئ . فهو قادر على أن يحصل على أى شيئ.
 واذا كان من الضرورى أن أقدّم هديّة

 فلابد أن تكون الهدية رمزية،وغير تقليدية. ولها مواصفات خاصة لا يدخل فيها قيمتها المادية.
    ومن هنا كانت هديتى  له ، فى احدى المرات ، عبارة عن" فردة حذاء ".

 نعم... فردة... حذاء... واحدة !!!.
وكان معها أيضا كوب ماء ، ليس به ماء .
 وكانت .... قصة ... طريفة.
                    
فحينما زرته فى مكتبه ،هذه المرة ، قدمت له كوب الماء في سيناريو صغير.
 طلبت منه  أن يضع فيه كميه من الماء لكي أتناول " برشامة صداع ".
 نادى الرجل على سكرتيره الخاص وطلب منه أن يملأ الكوب بالماء. وأحضر لي السكرتير كوب الماء.
 شربت نصف الكوب، ثم تصنعت النظر إلى الماء داخل الكوب ، وقدمته لصديقى  قائلا: الميه دي مش نضيفة.
 أخذ الرجل الكوب وبدأ يتأمل في الماء بعمق. وقال لى  فى  دهشه  : الميه صافية  ما فيهاش أى عكارة  .
 ومددت يدي إلى أسفل الكوب ،  وهو لا يزال في يده يتأمل في الماء الذي فيه.
 ضغطت على زرار  صغير خفى تحت الكوب،  فانطلقت من داخله عدة أضواء راقصة ،  مختلفة الألوان  . حمراء وزرقاء وصفراء  وبنفسجية . تظهر وتختفى فى حركة سريعة .

      رجع صديقي برأسه إلى الوراء ووضع الكوب أمامه على المكتب. وانطلقت منه ضحكة عالية.  واستمرت الأضواء تنطلق من الكوب لفترة وهو يتأملها في دهشة.
   
   مددت يدي إلى الكوب، وأمسكت به.  وقدمته له مرة أخرى  وقلت له اضغط على هذا الزرار. وفعل الرجل فاختفت الأضواء.  وزادت دهشة الرجل .
ولكنه عاد يضغط على الزرار فتنطلق الأضواء ، ثم يضغط عليه مرة أخرى فتختفي الأضواء  .
وفعل ذلك عدة مرات.  وضحكنا معا لذلك كثيرا.
                          
  وفي زيارة  أخرى للقاهرة قدمت له هدية صغيرة عبارة عن " سمكة بلطي " بطول قدم . مثبّتة من أحد جنبيها على قاعدة خشبية.
 وكانت السمكة مصنوعة من البلاستيك الطري ،  ولا تكاد تفرق بينها وبين السمكة النيلية الحقيقية ، من حيث اللون أو الملمس أو الشكل أو القشور أو الزعانف أو بروز العينين.. ألخ.

    وقدمت له معها "سمكة أخرى من أسماك  الأستاكوزة  " بحجم الدجاجة.
 وكانت أيضا مثبّتة على قاعدة خشبية ، فى وضع الواقفة ، وليس على أحد جنبيها مثل سمكة البلطى.
وأخذ صديقي كعادته يتأمل كثيرا ، تارة في سمكة البلطي وتارة في سمكة الاستاكوزا ، معبرا عن إعجابه ودهشة من دقة صناعتهما لدرجة لا تكاد تفرق بينهما وبين الأسماك الحقيقية.

    وأمسكت أنا بسمكة البلطي وقدمتها له قائلا: بص شوف دقة الصناعة .
 وأخذها مني ثانية وأخذ يدقق النظر فيها.

  ومددت يدي وضغطت على زرار بجانب القاعدة الخشبية للسمكة ،وهو ممسك بها، فأخذت السمكة تتحرك وترتعش . وترفع رأسها .. وتهز ذيلها.
 ثم تفتح فمها وتنطلق منها موسيقى وكلمات أغنية جميلة  باللغة الانجليزية ، وكأن السمكة كانت ترقص على وقعها.
    
 كانت مفاجأة لصديقي أن السمكة دبت فيها الحياة . وانطلقت تغني بموسيقى وصوت بشرى مع كلمات عذبة باللغة الإنجليزية.

وكان هو يجيد اللغة الإنجليزية.
وبعد أن كرر صديقى المشهد بنفسه عدة مرات . يضغط على الزراز فترتعش السمكة وتغنى. ثم تتوقف عن الغناء . ثم يضغط مرة أخرى لتغنى من جديد . وكم كان سعيدا بذلك .
   
   ثم أمسك بعد ذلك بسمكة الاستاكوزا وراح يبحث عن زرار فيها لعلها تغنى مثل سمكة البلطى. وحينما عثر عليه  ضغط عليه .
 ورفعت السمكة رأسها إلى أعلى. وهزّت ذيلها إلى أسفل ، وانطلق منها صوت بشري قوي يغنّي بالإنجليزية على إيقاع كأنه صوت رعد ، أو نشيد مارش عسكري ، ولكنها كانت كلمات جميلة فيها دعوة للحياة.

    وكما أعجب صديقي بدقة صناعة السمكتين وبالمفاجأة  ، أعجب أيضا بكلمات الأغنيتين اللتين سمعهما منهما.
                         
أما عن حكاية " فردة الحذاء" فقبل أن أقدمها إليه قلت له:

 لقد أعجبني زوج من الأحذية في معرض كبير للأحذية فاشتريته .
   ولكنّي احتفظت لنفسي " بفردة " منه وأحضرت لك " الفردة الأخرى " حتى نشترك معا في لبسه  ، تأكيدا لصداقتنا.
 وأقسمت له أني لم أحضر له إلا فردة واحدة.
 كان صديقي المليونير  يستمع في ذهول لما أقوله.
كيف يلبس فردة حذاء واحدة ؟ وماذا يضع في رجله الأخرى؟
 وتركته لحظات يفكر في هذا الأمر .
ثم عدت  وقلت له :
هل كنت تريدني أن أحضر لك زوج الأحذية،وأنا لا احتفظ لنفسي بفردة منه ؟

 وبينما كان الرجل لا يزال في دهشته . يفكر فيما يسمعه . أخرجت له فردة الحذاء وقدمتها له قائلا: هذه هي فردة الحذاء إن لم تصدقني.
أخذ الرجل منّي " فردة الحذاء"  ، وأخذ يتأمل فيها  ولاحظ فيها شيئا غريبا

كان يخرج من مؤخرتها " سلكا طويلا ينتهي بفيشة  " من المفروض أن توضع في " كبس الكهرباء".
وتساءل الرجل عن سر هذا السلك .
هل بها مصباح ينير في داخلها ؟
    ولم أتركه كثيرا في حيرته .
وقلت له: هذا " الحذاء" هو " تليفون ". نعم تليفون على شكل حذاء.
وضحك الرجل من أعماقه . ووضع " فردة الحذاء " على مكتبه.
                       
    أما صديقي هذا فهو رجل الأعمال الكبير الأستاذ حمدي مصطفى صاحب ومدير " المؤسسة العربية الحديثة" ،  وهى أكبر دار نشر في حى الفجالة بالقاهرة.. التي تخصصت في طبع ونشر الكتب المدرسية المساعدة والذي له الفضل على ملايين التلاميذ في مصر والعالم العربي


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter